توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

علاء الدين

  مصر اليوم -

علاء الدين

بقلم : بسمة عبد العزيز

 واقفة فى مكتبة تعرض عشرات الكتب والصحف والمجلات؛ حديثة وقديمة، أتصفح بعض الدوريات الأجنبية التى اعتدت شرائها؛ دخلت سيدة فى أواسط العمر ومعها صبيّ وصبية، كلاهما شغوف بالقراءة؛ تطل الحماسة من وجهيهما. تنقلت أعينهما بين ما طالت مِن أرفف فى نهم، وراحا يتطلعان إلى الأغلفة الملساء الملونة والرسومات الجذابة، ويتصايحان بعناوين المجلات التى يريدان شراءها. سمعت السيدة تخاطب ابنتها بصوت خفيض، لكنه حاسم: ”علاء الدين؟!! علاء الدين لأخوكى، أنتِ تأخذين الأميرات“.

لفتت عبارتها انتباهي؛ إذ حملت إلى جانب الرفض القاطع، استنكارًا عميقًا. رفعت رأسى ونظرت نحو الثلاثة؛ فألفت الأم رقيقة المحيا، هادئة الملامح، فيها صرامة ظاهرة لا تخفيها الملابس الفضفاضة بدرجات ألوانها الناعمة. راح الصبيّ يتحرك فى الاتجاهات كلها، ويمد يده هنا وهناك، بينما الصبية تلزم مكانها أمام مجلة ”علاء الدين“، تحدق فيها برغبة حارقة، تزم شفتيها ولا تنطق.

زعق الصبيّ طالبًا علبة أقلام للرسم والتلوين، فيما انشغلت يداه بمجلتين؛ لم تكن إحداهما التى اشتهتها أخته. سألت الأم عن ثمن العلبة، ويبدو أنها قررت شرائها له بعد قليل من التردد، وفى اللحظة التى مدت يدها بالنقود إلى البائع، انفجرت الصبية فى البكاء واحمرت أذناها، وانهمرت من عينيها الدموع؛ لا تريد أميرات ولا ملكات؛ بل علاء الدين.

لم يغير حزنها المنفجر من الأمر شيئًا، نظرت إليها الأم متعجبة، وسحبتها من يدها مغادرة المكتبة، ولسان حالها يقول؛ ما بال الحمقاء؟ البنات لهن كتبهن وألعابهن، كما أن للبنين كتبًا أخرى وألعابًا.

شبَّ أغلبنا يسمع أن المسدس للصبيان والعروسة للفتيات. العدو والقفز والتشاحن لهم، والرقة والدعة والاستسلام لهن، مع ذلك كم مِن ”هُن“ خضعن للقواعد والتزمن بالصياغات والقوالب؛ تلك التى حاولت العائلة ومن بعدها المجتمع، فرضها عليهن؟ كم منهن تحولن بمقتضى النواهى والأوامر إلى أصفارٍ؛ لا تصنع فارقًا فى معادلة الحياة، ولا تضيف بحضورها قيمة، ولا يشعر بغيابها الناس؟

الخطاب السائد يؤكد صباح مساء أن النساء مُهمَّشات، قليلات حيلة، عاجزات فى أغلب الأحوال عن انتزاع حقوقهن الإنسانية الأصيلة، التى لا تتعلق بنوع اجتماعى دون آخر، بل بالانتماء إلى الجنس البشريّ بوجه عام. عن نفسى لم أصدق أبدًا أن المرأة فى مطلق الأمر ضعيفة. لا أحب أيضًا تلك الصورة النمطية التى تنظر إليها من زاوية الهشاشة، وترسم خطوطًا عريضة وعديدة، أسفل دواعى الخصوصية النفسية والجسدية.

ثمّة تفرقة فى المعاملة بين الرجال والنساء، ترسخت على مدار عقود وربما قرون فى مجتمعاتنا الشرقية؛ لا شك فى هذا. ثمة طغيان وتنمُّر، وخطاب فوقى مُتعال، تقوده بعض أوجه السلطة العتيقة؛ ومنها المؤسسات الدينية بطبيعة الحال، وثمة صور من الاضطهاد، تقابلها شعارات مرفوعة؛ تتحدث عن التمكين، وعن الإنصاف وتحقيق المساواة.

خلال رحلة النضال؛ لا يكون مِن الحصافة السقوط فى فخ تأكيد الضعف، أو تكريس خطاب الاستضعاف. النساء فى رأيى لسن ضعيفات، وإن أبدين ضعفًا فى لحظة ما؛ فمؤشر مِن مؤشرات التدبير، أو علامة ترو وإعادة للحسابات، وإن تهاوَنَّ فى معركة أو عكسن مظهرًا مِن مظاهر الاستسلام؛ فعن رغبة فى تسيير الحياة والحفاظ على الاتزان، لكنهن دومًا قادرات على اتخاذ خطوات، يُسترد بها الحق المسلوب، وتُعاد من خلالها الكرامة المهدرة، ويُكال الصاع صاعين لمن اعتدى.

فى مقالة سابقة للزميل والصديق العزيز جميل مطر، تحدث رجلان عن النساء وتحدثت امرأة عن نفسها. امتلك ثلاثتهم النزعة التقليدية فى مثل ذاك حديث؛ طرف يشعر بقوته، وآخر يشكو هوانه ومعاناته. تعجبت من الحوار وفكرت؛ بعض الرجال سذج؛ يصدقون أن النساء أقل قوة؛ وفى هذا الإطار منهم مَن يفخر بسطوته وسلطته ويتيه، ومنهم مَن ينبرى للدفاع عن تاء التأنيث ونون النسوة وتجلياتها؛ لا اعتقادًا فى التكافؤ والندية، بل مِن مُنطلق الشهامة والمروءة، ونصرة الضعيف. يكون الرجل ساذجًا عندما توحى له امرأة بأنها أدنى شأنًا؛ فيصدقها، وتقنعه بتفوقه الكامل والأكيد؛ فيؤمن بالفكرة ويروج لها.

على كل حال؛ لكُلٍّ منابع قوته ومصادر حيلته، ولكُلٍّ مواطن ضعفه ومواضع تخاذله. فى المكتبة؛ لم تكُف الصبية عن إعلان اعتراضها؛ بالصراخ تارة، وبالنحيب والتلويح بكلتى يديها تارة أخرى، حتى خَفَت الصوت وتلاشى بابتعادها وذويها عن المكان، وقبل أن أغادر، عادت؛ فيما انتظر أخاها بالخارج، وقد أمسكت الأم بيدها مُستكينة، وطلبت مِن البائع نسخة مِن ”علاء الدين“.

نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

علاء الدين علاء الدين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon