توقيت القاهرة المحلي 05:01:00 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قُل وقُل

  مصر اليوم -

قُل وقُل

بقلم : بسمة عبد العزيز

 اعتدت مُنذ فترة ليست بقصيرة، أن أُطالع مجلة شِبه دورية، تصدر عن مَجمَع اللغة العربية. أحرص منذ ما يقرب مِن سنوات ثلاث، على اقتناء أعدادِها الجديدة كُلَّما سَنَحت الفرصة، وأَطلُب أكثر مِن نسخة؛ فأعطيها لمَن يُبدي اهتمامًا مِن الأصحاب والزُملاء. المجلةُ اسمُها ”مَجمَعِيات“، قليلةُ الأوراقِ رقيقةٌ، مُلونة الصفحاتِ، تَكتُب فيها نُخبةٌ مِن علماء اللغة، وهي نُخبة حقًا، وأعتذر لنفسي وللقارئين والقارئات عما اعترى لفظةَ ”نُخبة“ مِن تغيُّرات في المعنى والدلالة؛ إذ صارت تستدعي مِن السلبيات أكثر مِما تحمل مِن إيجابيات، واستحالت مَبعَث سُخرية واستهانة؛ لما أفرز المنتمون إليها مِن مواقفٍ؛ لا تحظى بالاحترام الواجب.
***

جذبتني منذ العدد الأول الذي وصل إلى يديّ، بعضُ الأبواب التي رأيتها شيقةً، تُرضي جزءًا مِن شَغفي باللغة، ومنها بابٌ عن الألفاظِ والأساليب التي أجاز استخدامَها المَجمَع، ومِنها أيضًا بابٌ بعنوانٍ مألوف هو "قُل ولا تقُل". ثمَّة مفرداتٌ كثيرًا ما استعملتها، وظننت أنها صحيحةٌ تمامَ الصحة، عاريةٌ مِن العيوب، ثم اكتشفت عبر قراءة المجمعيات أنها ليست كذلك؛ أو أنها لم تكُن كذلك إلى أن درسها دارسٌ مِن أصحاب العلم والمعرفة، وأوجد لها مخرجًا، وكَتَب فيها مُذكِّرة، وناقشها المَجمَع ثم أجازها. رحلةٌ طويلةٌ تقطعها كلمةٌ واحدةٌ، كي تحصل على صكِّ البراءة، وتستقر آمنةً بين كلماتٍ أخرى لا حصر لعددِها، وحين ينطقها مُتكَلِّمٌ أو ينقشها كاتبٌ، غالبًا ما يفعل في ثقة واطمئنان لمكانتها، بغير أن يدري ما مَرَّت به، قبل أن تخطر على بالِه.
***

في العددِ الثالثِ عَشر مِن المجلة، وردت كلمةُ ”المُرفَقَات“، واحتلَّ النقاشُ حولها نصفَ صفحةٍ تقريبًا. عديدنا يستخدم الكلمةَ في مُراسلاته عبر البريد الإلكتروني، كي يشير بها إلى مَلفات إضافية مُصاحِبه لرسالته؛ صورة أو دعوة مُرفَقة، بحث مُرفَق، أو برجاء الاطلاع على المُرفَقات. الفعلُ المُشتقَّة مِنه الكلمة كما يبدو هو ”أرفق“، لكن المقالة تنوه إلى غيابه بمعناه المقصود مِن المعاجم العربية. بعد البحث والفحص والتدقيق، ظهرت في المعاجم القديمة مُفردة ”رفاقة“ بمعنى مُصاحبة، وعلى أساسها جرى اعتماد الفعل الرباعيّ ”أرفق“ وأُجيزَت بناءً عليه صيغةَ المَفعول: ”مُرفَق“ و“مُرفَقات“، أما عن المُرادفات الأخرى التي يُمكن تداولها لتعطي المعنى ذاته، فتشمل المُلحقات والمُدرجات.
***

قد يلوح الأمر شاقًا، صعبًا، وربما لا ضرورة له على الإطلاق، خاصةً وحال اللغةِ على الألسنة مُزرية، والمكتوب منها لا يتحرَّى صاحبُه على الأغلبِ صوابًا، ولا يعبأ كثيرًا بصحتِه، بل قد لا يكتم ضحكته حين يسمع بلجانٍ تنعقد، وجهود تُبذَل، بهدف تأصيلِ بعض المفردات، مع ذلك، أظنّ في وجود نِسبة ولو ضئيلة مِن الناس، تعجبها الفكرةُ، ويغلبها الفضولُ، وتستهويها الرحلةُ، فتسعى إلى المزيد.
***

يتَضَمَّن بابُ ”قل ولا تقل“ بعضَ الكلمات التي اعتدنا أن ننطقها خطأً، جنبًا إلى جنب مع النطق السليم. في العدد الحادي عشر على سبيل المثال؛ قُل: كِيان الدولة (بكسر الكاف)، ولا تقُل: كَيان الدولة (بفتح الكاف)، فكِيان هو مصدر مِن الفعل كان. قُل: أكَّد الأمر، ولا تقُل: أكَّد على الأمر، فالفعل ”أكَّد“ هو فعل مُتعد بذاتِه، ولا يلزم استخدامُ حرف الجَرِّ، إلا للإنسان المأمُور: أكَّدت على فلان الأمر.
***

تستهويني قراءةُ البابين السابقين، أُدرِك كُلَّما مَررت بهما كَم أجهل مِن مَعلوماتٍ بسيطة، وكَم أستمتع باكتشاف أخطاءٍ وقعت فيها، وأحاول مِن بعد تداركها وضَبطها. أنسى أحيانًا وأرجع إلى الأعداد القديمة؛ فأضع خطوطًا، ونجومًا، وسهامًا تنبهني إلى ما نسيت.
***

لاحظت في الأعدادِ الأخيرة مِن المَجمَعيات، أن باب ”قُل ولا تقُل“ قد اختفى. انتظرت أن يظهرَ في أعدادٍ تالية؛ لكن الغيابَ امتدَّ وطال. فكَّرت بيني وبين نفسي أنَّ العنوانَ لم يعد مُناسبًا؛ إذ تستدعي الحالُ الراهنةِ عنوانًا أكثر رقَّةً وسلامًا، راودتني ابتسامة صغيرة وأنا أردد همسًا: ”لا تقُل ولا تقُل".

نقلاً عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قُل وقُل قُل وقُل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon