توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قُل وقُل

  مصر اليوم -

قُل وقُل

بقلم : بسمة عبد العزيز

 اعتدت مُنذ فترة ليست بقصيرة، أن أُطالع مجلة شِبه دورية، تصدر عن مَجمَع اللغة العربية. أحرص منذ ما يقرب مِن سنوات ثلاث، على اقتناء أعدادِها الجديدة كُلَّما سَنَحت الفرصة، وأَطلُب أكثر مِن نسخة؛ فأعطيها لمَن يُبدي اهتمامًا مِن الأصحاب والزُملاء. المجلةُ اسمُها ”مَجمَعِيات“، قليلةُ الأوراقِ رقيقةٌ، مُلونة الصفحاتِ، تَكتُب فيها نُخبةٌ مِن علماء اللغة، وهي نُخبة حقًا، وأعتذر لنفسي وللقارئين والقارئات عما اعترى لفظةَ ”نُخبة“ مِن تغيُّرات في المعنى والدلالة؛ إذ صارت تستدعي مِن السلبيات أكثر مِما تحمل مِن إيجابيات، واستحالت مَبعَث سُخرية واستهانة؛ لما أفرز المنتمون إليها مِن مواقفٍ؛ لا تحظى بالاحترام الواجب.
***

جذبتني منذ العدد الأول الذي وصل إلى يديّ، بعضُ الأبواب التي رأيتها شيقةً، تُرضي جزءًا مِن شَغفي باللغة، ومنها بابٌ عن الألفاظِ والأساليب التي أجاز استخدامَها المَجمَع، ومِنها أيضًا بابٌ بعنوانٍ مألوف هو "قُل ولا تقُل". ثمَّة مفرداتٌ كثيرًا ما استعملتها، وظننت أنها صحيحةٌ تمامَ الصحة، عاريةٌ مِن العيوب، ثم اكتشفت عبر قراءة المجمعيات أنها ليست كذلك؛ أو أنها لم تكُن كذلك إلى أن درسها دارسٌ مِن أصحاب العلم والمعرفة، وأوجد لها مخرجًا، وكَتَب فيها مُذكِّرة، وناقشها المَجمَع ثم أجازها. رحلةٌ طويلةٌ تقطعها كلمةٌ واحدةٌ، كي تحصل على صكِّ البراءة، وتستقر آمنةً بين كلماتٍ أخرى لا حصر لعددِها، وحين ينطقها مُتكَلِّمٌ أو ينقشها كاتبٌ، غالبًا ما يفعل في ثقة واطمئنان لمكانتها، بغير أن يدري ما مَرَّت به، قبل أن تخطر على بالِه.
***

في العددِ الثالثِ عَشر مِن المجلة، وردت كلمةُ ”المُرفَقَات“، واحتلَّ النقاشُ حولها نصفَ صفحةٍ تقريبًا. عديدنا يستخدم الكلمةَ في مُراسلاته عبر البريد الإلكتروني، كي يشير بها إلى مَلفات إضافية مُصاحِبه لرسالته؛ صورة أو دعوة مُرفَقة، بحث مُرفَق، أو برجاء الاطلاع على المُرفَقات. الفعلُ المُشتقَّة مِنه الكلمة كما يبدو هو ”أرفق“، لكن المقالة تنوه إلى غيابه بمعناه المقصود مِن المعاجم العربية. بعد البحث والفحص والتدقيق، ظهرت في المعاجم القديمة مُفردة ”رفاقة“ بمعنى مُصاحبة، وعلى أساسها جرى اعتماد الفعل الرباعيّ ”أرفق“ وأُجيزَت بناءً عليه صيغةَ المَفعول: ”مُرفَق“ و“مُرفَقات“، أما عن المُرادفات الأخرى التي يُمكن تداولها لتعطي المعنى ذاته، فتشمل المُلحقات والمُدرجات.
***

قد يلوح الأمر شاقًا، صعبًا، وربما لا ضرورة له على الإطلاق، خاصةً وحال اللغةِ على الألسنة مُزرية، والمكتوب منها لا يتحرَّى صاحبُه على الأغلبِ صوابًا، ولا يعبأ كثيرًا بصحتِه، بل قد لا يكتم ضحكته حين يسمع بلجانٍ تنعقد، وجهود تُبذَل، بهدف تأصيلِ بعض المفردات، مع ذلك، أظنّ في وجود نِسبة ولو ضئيلة مِن الناس، تعجبها الفكرةُ، ويغلبها الفضولُ، وتستهويها الرحلةُ، فتسعى إلى المزيد.
***

يتَضَمَّن بابُ ”قل ولا تقل“ بعضَ الكلمات التي اعتدنا أن ننطقها خطأً، جنبًا إلى جنب مع النطق السليم. في العدد الحادي عشر على سبيل المثال؛ قُل: كِيان الدولة (بكسر الكاف)، ولا تقُل: كَيان الدولة (بفتح الكاف)، فكِيان هو مصدر مِن الفعل كان. قُل: أكَّد الأمر، ولا تقُل: أكَّد على الأمر، فالفعل ”أكَّد“ هو فعل مُتعد بذاتِه، ولا يلزم استخدامُ حرف الجَرِّ، إلا للإنسان المأمُور: أكَّدت على فلان الأمر.
***

تستهويني قراءةُ البابين السابقين، أُدرِك كُلَّما مَررت بهما كَم أجهل مِن مَعلوماتٍ بسيطة، وكَم أستمتع باكتشاف أخطاءٍ وقعت فيها، وأحاول مِن بعد تداركها وضَبطها. أنسى أحيانًا وأرجع إلى الأعداد القديمة؛ فأضع خطوطًا، ونجومًا، وسهامًا تنبهني إلى ما نسيت.
***

لاحظت في الأعدادِ الأخيرة مِن المَجمَعيات، أن باب ”قُل ولا تقُل“ قد اختفى. انتظرت أن يظهرَ في أعدادٍ تالية؛ لكن الغيابَ امتدَّ وطال. فكَّرت بيني وبين نفسي أنَّ العنوانَ لم يعد مُناسبًا؛ إذ تستدعي الحالُ الراهنةِ عنوانًا أكثر رقَّةً وسلامًا، راودتني ابتسامة صغيرة وأنا أردد همسًا: ”لا تقُل ولا تقُل".

نقلاً عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قُل وقُل قُل وقُل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon