بقلم : سيلڤيا النقادى
فى انتظار المغادرة وموعد الطائرة للإقلاع، جلست ممسكة بكتاب وزهرة.. وكانت شديدة الحذر والخوف على زهرتها من أن يصيبها أى تلف.. أما الكتاب فقد كان لكاتبته رانيا أبوزيد الصحفية المغتربة اللامعة ويحمل عنواناً «لا عودة»،No turning back.. هذا الكتاب الذى يحكى تراجيديا الحرب فى سوريا من خلال قصص درامية لأربعة من الشباب يروون المآسى التى تعرضوا لها أثناء محاولتهم الهروب عبر الحدود مع شيوخ ونساء وأطفال يسيرون وحدهم دون أهل أو أقرباء، منهم من لم يتعد السنوات الثلاث- كانت الدموع تسيل من عينيها وهى تقرأ وكأنها تعيش كل حالة وترى كل مشهد من هذه المشاهد الحزينة المفجعة.. ولكنها فجأة انتبهت إلى زهرتها ويبدو أنها سبحت بفكرها بعيداً عن الكتاب وتذكرت عندما قررت أن تدخل محل الزهور ببهو المطار تتأمل جمال عفوية الورود التى اختلطت روائحها الزكية تعلن حالة من الاتحاد بينها بالرغم من اختلاف ثقافة ومنشأ كل واحدة منها. ووسط عشرات بل مئات الأسماء التى تحملها كل زهرة وقعت عيناها على «الأوركيد» قرمزية اللون وهى تقف شامخة فى الإناء الذى يحمل نفس لونها.
قررت أن تشتريها وتصحبها معها بعد أن ودعها صاحب المحل بتوصيات عديدة تشرح كيفية الحفاظ عليها أثناء السفر ورعايتها فى موطن جديد له أجواؤه ومناخه وثقافته التى ربما قد تكون مختلفة عن الأجواء التى ترعرعت فيها واستمدت منها هذا الزهو والكبرياء!! لذا حملتها برقة شديدة وكلها أمل أن تصل بها إلى بر الأمان كما وعدت صاحبها الذى أكد لها أنها سوف تعبر بها محطات وبوابات إلكترونية وتفتيشية عديدة لن تراعى حساسية ورهافة الزهرة التى سوف تتعرض لمن يفتش ويلمس بعنف بين أوراقها.. ستجد من ينبش بين ساقها الممشوقة المغروسة فى الإناء لربما يجد ما تخفيه هذه الوديعة من مفرقعات أو خناجر
أو دبابيس!! ستجد من يوقفها ويعيد مرورها داخل أجهزة الأشعة لتكشف تفاصيل نسيجها وغير ذلك من إجراءات أمنية كثيرة!!
والآن جاء موعد المغادرة، وعدت الأمور بسلام واحتفظت زهرتها بشموخها وحلقت معها بين السماء والأرض فى انتظار الوصول.. على أرض الوطن احتضنتها.. خافت عليها من نظرات الاستغراب والمساءلة الماكرة عن دواعى هذا الوجود فأسرعت بجمع حقائبها تاركة زهرتها لدقائق معدودة وحدها لتعود تجدها ساقطة على الأرض عارية من أوراقها فاقدة ساقها.
بكت وصرخت فى وجوه الحضور وهى تلملم ما تبقى من أشلاء زهرتها المسكينة- رسول السلام- فى مشهد أعاد لها أشلاء ضحايا سوريا.. ضحايا الكتاب الذى تقرؤه.. نعم الضحايا الأبرياء الذين لقوا حتفهم نتيجة لفكر الجهل والكره.. الطمع والتعصب!! فما بالك بزهره تموت!.
استدارت وهمت للخروج حزينة ولكنها لوهله تذكرت المثل الصينى الذى يقول «إذا كان كل ما تملكه فى الحياة من نقود قرشين فاشتر بأحدهما خبزاً واشتر بالآخر زهرة!!».. فلسفة لا تعرف التفضيل بين غذاء الجسد وغذاء الروح!!
نقلًا عن المصري اليوم