توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حلم طهران الصيني لن يحل مكان الكابوس المرعب

  مصر اليوم -

حلم طهران الصيني لن يحل مكان الكابوس المرعب

بقلم: أمير طاهري

هل يمكن أن يكون مقتل الجنرال قاسم سليماني بمثابة العلاج بالصدمة لأولئك القادة القابعين على رأس السلطة في طهران ودفعهم للاعتراف بأن فشل استراتيجيتهم قاد إيران إلى طريق مسدود؟
كان هذا هو السؤال الذي جرت مناقشته في مؤتمر ضم عدداً من الأكاديميين من إحدى الجامعات الرائدة في إيران. وحقيقة أن هذا الأمر الذي جرت مناقشته هو في حد ذاته إنجاز كبير، إذ يشير إلى استعداد المزيد من الإيرانيين لتحدي قواعد الصمت التي فرضها النظام على إثارة قضايا لطالما اعتبرها من المحرمات.
فخلال تلك المناقشات، عقد أحد المشاركين مقارنة بين تصفية سليماني ومقتل المارشال لين بياو، وزير الدفاع الشيوعي الصيني الذي فتحت وفاته في حادث تحطم طائرة عام 1971 الطريق لتغيير جذري في المسار في الصين الماوية.
فقد مكّن القضاء على المارشال لين الإصلاحيين الصينيين - ثم بقيادة رئيس الوزراء شو أون لاي – أمكن عزل ما يسمى بمتشددي «عصابة الأربعة»، بقيادة جيان تشينغ، زوجة الرئيس ماو، ومن ثم وضع الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى على مقربة من مقدمة تغيير تاريخي يهدف إلى تحويل الجمهورية الشعبية من أداة لقضية ثورية إلى دولة قومية طبيعية. وخلال بضع سنوات، كانت الجمهورية الشعبية بقيادة دينغ شياو بينغ تقوم ببناء اقتصاد رأسمالي مع إطار سياسي شمولي، متجاهلاً أحلام «تصدير الثورة».
وبعد أن فقد النظام الشيوعي الصيني شرعيته الثورية، بدأ بناء مصدر جديد للشرعية من خلال النجاح الاقتصادي والارتفاع الكبير في مستويات المعيشة لمئات الملايين في جميع أنحاء البلاد. اكتشف الصينيون أن إنتاج وتصدير السلع التي يريدها الناس في جميع أنحاء العالم، كان أسهل وأكثر ربحية من محاولة تصدير ثورة لم يكن أحد متعطشاً لها، باستثناء بعض الطلاب في لندن وباريس.
ومع ذلك، فإن المقاربة لا تبدو دقيقة، فقد اتُهم المارشال لين بإقامة علاقات سرية مع الإمبريالية والتخطيط لانقلاب ضد الرئيس ماو، بينما اعتبر سليماني المرشد الأعلى علي خامنئي الأكثر إخلاصاً. كانت سيرة لين بالغة التألق، حيث قاد جيش التحرير الشعبي في معارك عديدة للانتصار في غزو بكين باعتبارها جوهرة التاج.
على النقيض من ذلك، كان حتى أكثر المعجبين المتحمسين بسليماني غير قادرين على تسمية معركة واحدة خاضها، ناهيك عن تحقيق الانتصار. وحتى الآن، لا يزعم مادحوه سوى تحقيقه لنجاحات سياسية، بما في ذلك نجاحه المزعوم في منع سقوط بشار الأسد في سوريا والسيطرة على أجهزة الدولة اللبنانية من خلال وكلائه.
ومع ذلك، فقد وفّر زوال سليماني فرصة لمراجعة جادة لسياسة خامنئي المتمثلة في تصدير الثورة والتي كلفت إيران مبالغ فلكية وأرواحاً لا تعد ولا تحصى، مع عدم وجود دولة واحدة خارج إيران تتبنى الآيديولوجيا الخمينية ونظام حكمها.
إن فكرة محاكاة النموذج الصيني ليست بالجديدة في إيران، فقد قام الرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني بتطوير ذلك النموذج لأول مرة عام 1990، لكنه قال فيما يشبه المزاح إنه على استعداد للتخلص من ملابس رجال الدين للتماشي مع العالم الحديث. ووعد الشاه بأنه سيحول إيران إلى «يابان أخرى»، ووعد رفسنجاني بـ«صين أخرى».
لم يستطع الشاه الوفاء بوعده بعد أن قامت الثورة الإسلامية واضطر إلى العيش في المنفى. وظلت «الصين الثانية» لرفسنجاني أيضاً حلماً ميتاً، حيث نجحت النسخة الإيرانية من دينغ شياو بينغ في البقاء على قيد الحياة خارج السجن، وبالكاد طاقها «صانعو القرار» الحقيقيون.
ذكر لي مؤخراً بعض المقربين من رفسنجاني أنه «جبان بعض الشيء» وأنه فقد فرصته في أن يكون دينغ شياو بينغ بسبب الصفقات التجارية الفاسدة التي تورط فيها. ووفقاً لهؤلاء المقربين، لم يدرك رفسنجاني أن المرء يبدأ في جني الأموال لنفسه أو لحاشيته وعائلته، بعد أن يكون قد أصبح دينغ شياو بينغ، وليس قبلها.
فقد حققت أسرة دينغ، بما في ذلك ابنته، وصهره، وحاشيته، الملايين بعد أن زال حكم الزعيم ماو من الصين. في حالة رفسنجاني، استطاعوا جمع الملايين دون أي محاولة لإزاحة نظام الخميني.
في الوقت الذي عزف فيه رفسنجاني اللحن «الصيني»، جادلت في العديد من المقالات بأن نموذج دينغ لا ينطبق على الجمهورية الإسلامية. في الصين، على الرغم من اختلافها، كانت الماوية آيديولوجيا قوية تمزج بين القومية وكراهية الأجانب والمساواة التي يرمز إليها فرض زي رسمي ووحدات إنتاج جماعي. على النقيض من ذلك، لم تتطور الآيديولوجيا الخمينية مطلقاً لتصبح قصة متماسكة، في حين أن عداءها المفتوح للقومية الإيرانية أعطاها هالة غريبة. علاوة على ذلك، انتصرت الثورة الصينية بعد عقود من الكفاح، بما في ذلك حرب أهلية ضخمة شارك فيها عشرات الملايين من الجانبين. في المقابل، نجحت الثورة الخمينية في غضون أربعة أشهر تقريباً لأن الشاه، الذي أبى أن يصدر أوامر قمع جماعية، قرر التخلي عن السلطة والرحيل.
ثمة اختلافات أخرى بين إيران اليوم والصين في الثمانينات. فقد كان الحزب الشيوعي الصيني يسيطر بشكل كامل على الجمهورية الشعبية، حيث كان الحزب لديه ما لا يقل عن خمسة ملايين من الكوادر المدربة والمنضبطة القادرة على نقل الرسالة إلى المجتمع ككل، وتعبئة الدعم لأي تغيير في الاستراتيجية. لا يوجد لدى جمهورية الخميني مثل هذا الهيكل، إذ إن قاعدة دعمها غارقة في الفساد وتجد صعوبة كبيرة في التواصل مع المجتمع ككل. فالتجمعات الجماهيرية التي يعقدها النظام لا تخدع أحداً. اليوم أصحاب القرار في طهران يشكلون أقلية صغيرة معزولة تعيش في ماض تخيلي يخشى المستقبل. والأسوأ من ذلك أن العديد من أصحاب القرار قد أرسلوا بالفعل جزءاً من أموالهم في الخارج، حيث أرسلوا أبناءهم إلى أوروبا وأميركا.
من المدهش أن يرى المرء أمثال هؤلاء الذين يتعاملون من دون أي قبول شعبي على الأرض ويعاملون إيران كأرض للنهب، ويرسلون بالعائدات إلى الغرب. لن يستطيعوا إنتاج «دينغ» إيراني لأنهم لا يريدون خلق اقتصاد منتج؛ كل ما يهمهم هو الحصول على المال والهرب. كما أنهم ليسوا قادرين على بناء مؤسسات الدولة الضرورية لاقتصاد حديث قادر على العمل في السوق العالمية.
إن الآلات التي ورثها دينغ وفريقه كانت قمعية وعفّى عليها الزمن بالمعايير الدولية. ومع ذلك فقد نجح في استخدامهم أدواته الخاصة. في المقابل، فإن الجمهورية الخمينية، رغم تشابهها في أسلوب القمع مع النظام الماوي، فإنها لا تعمل لأنها تفتقر إلى أي آلية للإصلاح الذاتي. فهي تشبه الحصان المعصوب العينين الذي يدور في المطحنة القديمة، ليطحن بذور الحصاد المريرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حلم طهران الصيني لن يحل مكان الكابوس المرعب حلم طهران الصيني لن يحل مكان الكابوس المرعب



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon