توقيت القاهرة المحلي 09:08:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إيران والجزائر وفنزويلا... المتشابهات والمتناقضات

  مصر اليوم -

إيران والجزائر وفنزويلا المتشابهات والمتناقضات

بقلم - أمير طاهري

يشهد العالم المعاصر راهناً ثلاث أزمات في ثلاث قارات: إيران في آسيا، والجزائر في أفريقيا، وفنزويلا في أميركا اللاتينية. فهل هناك من قاسم مشترك يجمع بينها؟
الأمر الواضح المشترك بينها هو أن هذه الأزمات الثلاث ترجع في أصلها إلى حالة الانفصال الحادة بين الشخصيات الساخطة للغاية، والمتنافسة لأقصى حد، والمتعطشة للتغيير، في مواجهة النظم الحاكمة المنهكة سراً والمتغطرسة علناً، وعاقدة العزم قدماً على التمسك بالسلطة حتى آخر رمق ممكن.
وعلى الرغم من الفروقات التي قد تبدو ظاهرة للوهلة الأولى بين البلدان الثلاثة، فإن هناك الكثير من الأمور المشتركة التي تجمع بينها. لدى كل منها أسس آيديولوجية تنعكس في الأسماء الرسمية للبلدان. فالبلدان الثلاثة تطلق على نفسها مسمى «جمهورية»، لكنها تضفي تعديلات اصطلاحية تزيد من غموض المسمى. فالنظام الإيراني يحمل المسمى «الإسلامي» الذي يعني الحكم بواسطة رجال الدين من علماء المذهب الشيعي تحت زعامة المرشد الأعلى، في حين يستخدم النظام الجزائري مفتاحاً مزدوجاً لتعديل المسمى ليكون «الديمقراطية الشعبية»؛ مما يُفرغ مصطلح «الجمهورية» من مغزاه تماماً. وتصل فنزويلا إلى نتيجة مماثلة من خلال مسمى «الجمهورية البوليفارية».
وترجع البلدان الثلاثة بتاريخها إلى القرن الماضي الذي شهد وفرة من النظم الحاكمة ذات الآيديولوجيات المؤسسة، مثل اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، وجمهورية الصين الشعبية، والجمهورية العربية المتحدة، وجمهورية ميانمار البوذية الاشتراكية، من بين بلدان أخرى. وكانت الذريعة التي استندت إليها تلك الآيديولوجيات والأنظمة الحاكمة تتعلق بكيفية إيجاد حلول لمشكلات الناس، وكانت السياسة هي الوسيلة المثلى لتحقيق الغايات الحقيقية أو المتوهمة لهذه الآيديولوجيات.
وتستند الأنظمة الحاكمة الثلاث جميعها إلى الأساطير المصطنعة حديثة الصياغة.
تفخر الجمهورية الإسلامية في إيران بنشأتها من مخاض ما يسمى بالثورة الإسلامية لعام 1979، التي كانت عبارة عن أربعة أو خمسة أشهر من أعمال العنف والشغب التي توجت بقرار الشاه مغادرة البلاد ليخلق بذلك فراغاً في رأس السلطة سرعان ما احتله الملالي دونما صعوبة تذكر.
وعلى العكس من الثورات الكلاسيكية التي عرفها التاريخ والتي تشهد في كثير من الأحيان فترات ممتدة من الصراع بين الآيديولوجيات المتعارضة، اتسمت الثورة الإيرانية بسرعة وسهولة غريبة حالت دون تمكن قادة الثورة من مجرد صياغة السيرة الثورية الذاتية لأنفسهم.
أما الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، فإنها تتصور جذورها من زاوية «الانتصار العسكري» على الجيش الفرنسي، ثاني أقوى الجيوش في منظمة حلف شمال الأطلسي في ذلك الوقت. ويتجاهل النظام الجزائري الحاكم تماماً حقيقة مفادها أن «جيش التحرير الوطني» الذي حاز السلطة في البلاد فور الاستقلال كان قد اضطلع بدور هامشي ولا مؤثر في القتال الفعلي ضد قوات الاستعمار الفرنسية هناك.
ولم تنل الجزائر الاستقلال إثر القتال المباشر في أي ميدان أو ساحة من ساحات المعارك، وإنما بفضل التغيير الجذري في وجهات النظر السياسية في فرنسا وحول العالم، بالإضافة إلى الصمود والعناد الحقيقي والأصيل للسكان المدنيين الجزائريين.
وفي فنزويلا، شيدت الأساطير الوهمية حول السيرة الذاتية المزيفة للزعيم سيمون دي بوليفار، الذي كان يحلم بالولايات المتحدة الكبرى في أميركا الجنوبية، وشغل منصب الرئيس الفعلي في كل من بوليفيا، والبيرو، وكولومبيا، في وقت كانت الهويات الوطنية لتلك البلدان لم تدخل بعد حيز التشكل المميز لها عن غيرها من الهويات الأخرى. ومن القواسم المشتركة التي تجمع بين أنظمة الحكم الثلاثة المشار إليها، أنها جميعاً من البلدان الغنية بالنفط والغاز الطبيعي مما يعني أنها - نظراً لأنها لا تعتمد في الدخل القومي على جباية الضرائب - يمكنها اعتبار الشعوب مثل المجاميع الشعبية المكلفة للغاية والمثيرة للإزعاج الشديد.
وتعد إيران والجزائر وفنزويلا أعضاء فيما يسمى بحركة عدم الانحياز التي استضافت عواصمها مختلف مؤتمرات القمة لتلك الحركة. وفي هذا السياق، تحتفظ تلك البلدان ببعض من ذكريات الحرب الباردة نظراً لحالة التعاطف التي جمعتها مع الكتلة السوفياتية السابقة ومعارضتها لما يُعرف بالعالم الحر الذي تتزعمه الولايات المتحدة. والاصطلاح الشامل لهذا «المزيج» كان «العالم الثالث»، الذي يعني نعت البلدان الديمقراطية الغربية بـ«معسكر الأعداء»، في حين محاولة الاستفادة القصوى من الإمكانات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يوفرها ذلك «المعسكر»!
ويناصب النظام الخميني الإيراني الشيطان الأكبر الأميركي الكراهية والعداء الشديدين، لكنه يرسل أبناء وبنات المسؤولين الكبار إلى الولايات المتحدة للدراسة، ويرسل كبار السن من سدنة النظام إلى أوروبا للعلاج. والكثير من أموال كبار المسؤولين الإيرانيين، وهي أموال غير مشروعة المصادر في كثير من الأحيان، يجري غسلها عبر مختلف القنوات في أوروبا الغربية، وصارت المصارف الكندية.
يعلن النظام الجزائري الحاكم عن كراهيته الواضحة للدولة الفرنسية، القوة الاستعمارية السابقة، بيد أن كثيرين من صناع القرار السياسي الجزائري يملكون عقارات فاخرة في فرنسا، كما يقضي البعض حياة ما بعد التقاعد في فرنسا «البغيضة». أو على أقل تقدير خلال العقود الثلاثة الأخيرة كانت النخبة الجزائرية الحاكمة نفسها تبيع كميات الغاز الطبيعي الهائلة إلى فرنسا بأسعار أقل من المتوسط الدولي المعروف. 
ولا يختلف الموقف في فنزويلا عن ذلك في شيء. فإن النخبة البوليفارية الحاكمة هناك كانت قد ربطت اقتصاد البلاد بالولايات المتحدة، وبإحكام أكثر من أي وقت مضى، في حين يستمر الخطاب السياسي والشعبي مناهضاً على طول الخط للإمبريالية الأميركية القميئة.
وكانت النظم الحاكمة في البلدان الثلاثة قد أنشأت طبقة جديدة تعرف بطبقة «أصحاب الدخل الاستثماري»، ووظيفتهم الرئيسية هي القيام مقام «القاعدة الشعبية» المؤيدة للنظام الحاكم في كل خطواته. وفي إيران، تضطلع فئة «الشهداء الأحياء»، و«عائلات الشهداء»، و«أنصار حزب الله» بلعب هذا الدور الخطير في دعم النظام. في حين أن فئة «تعبئة المحرومين»، البالغ عددهم 400 ألف فرد، يوفرون العمود الفقري العسكري للفئة المذكورة.
وفي الجزائر، تُسمى هذه الفئة «شبكة المجاهدين»، وهي تلعب دوراً مماثلاً جنباً إلى جنب مع الميليشيات المسلحة المساعدة التي تشكلت خلال الأيام السوداء لعقد التسعينات.
وهناك في فنزويلا ما يقارب 600 ألف رجل، من الوحدات البوليفارية شبه العسكرية التي أشرف الرئيس الراحل هوغو شافيز على تشكيلها بنفسه، والتي تقوم بأداء وظيفة مماثلة في خدمة نظام البلاد.
وفي البلدان الثلاثة جميعها، يحافظ الجيش النظامي على التوازن اللازم في القوى بين السلطات والنخب الحاكمة التي يشكل كبار ضباط الجيش جزءاً رئيسياً لا يتجزأ من «كتلة المواطنين» فيها.
وتشير آخر التحليلات للأوضاع في إيران إلى أن السواد الأعظم من الجيش النظامي غير مستعد لتغيير مواقفه لصالح الجماهير المحتجة في شوارع البلاد. لكن هناك إشارات أيضاً تفيد بأن الجيش قد لا يكون مستعداً لسحق الانتفاضة الشعبية من تلقاء نفسه.
وفي الجزائر، نأى الجيش النظامي، الوثيق الصلة بالأعمال الاقتصادية الكبيرة في البلاد، بنفسه عن الخوض في أعمال نخبة صناعة القرار السياسي، وأجبرهم على تقديم أول التنازلات من خلال سحب ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ولا تزال فئة كبار ضباط الجيش الفنزويلي مترددة في الوقوف تماماً ومساندة الرئيس نيكولاس مادورو، الذي يعتبره الكثيرون مغتصباً للسلطة في البلاد؛ وذلك بغية الإبقاء على وحدة القوات المسلحة البوليفارية من دون تفكك.
وقد فشلت النظم الحاكمة الثلاثة في تطوير المؤسسات الحكومية الموثوقة والمستدامة والقادرة على التحكيم في صراعات واشتباكات الأفكار والمصالح الكامنة ضمن كل مجتمع بشري. وهذا هو السبب في أن نتائج الأزمات الحالية في تلك الأنظمة تعتمد على المواجهة المباشرة بين الشارع والثكنات.
وهذا ما يحدث لما يمكن أن نسميه النظم الاجتماعية السياسية القصيرة الأجل لما بين ألمانيا النازية إلى الاتحاد السوفياتي، إلى النزعة البيرونية الأرجنتينية. والنظم كافة «قصيرة الأجل» تنتهي دورة حياتها في فترة زمنية وجيزة للغاية من الناحية التاريخية على نطاقها الأوسع. وفي خضم النظم قصيرة الأجل، يتسم كل شيء بالتركيز الشديد، والكثافة العالية، وأعني كل شيء حتى «السقوط الحتمي» لتلك النظم.

 

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران والجزائر وفنزويلا المتشابهات والمتناقضات إيران والجزائر وفنزويلا المتشابهات والمتناقضات



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon