توقيت القاهرة المحلي 20:48:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ماذا وراء إعادة صياغة اتهامات ترمب؟

  مصر اليوم -

ماذا وراء إعادة صياغة اتهامات ترمب

بقلم : أمير طاهري

بعد فترة وجيزة من إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية لعام 2020 من وكالة «أسوشييتد برس» للأنباء في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، دعا جو بايدن الشعب الأميركي إلى البدء في إغلاق فصل دونالد ترمب بوصفه كابوساً، والتفكير في المستقبل. لطالما كان مفهوم إغلاق فصل والمضي قدماً جزءاً مهماً من الخطاب السياسي الأميركي. فمنذ بداياتها، طوّرت الولايات المتحدة ثقافة سياسية وضعية أدت إلى ظهور مشاعر عزيزة جداً على القوى الأوروبية القديمة. فقد نظرت تلك الثقافة في القارة العجوز إلى مفاهيم مثل الثأر والانتقام بازدراء شديد. وحتى بعد حرب الانفصال، وهو حدث مأساوي بكل المقاييس، ساعدت تلك الثقافة الأميركيين من جميع الأطياف السياسية على المضي قدماً والالتقاء مرة أخرى في الوقت المناسب.

يمكننا قراءة ما قاله الجنرال يوليسيس غرانت، القائد العام للنقابات الذي قاد معسكره إلى النصر، في مدح الجنرال المهزوم روبرت إي. لي، القائد الكونفيدرالي، لإدراك أن الثقافة السياسية الأميركية لا تنبذ مفهوم الانتقام فحسب، بل تعزّز أيضاً من مفهوم التسامح في خدمة المصلحة المشتركة. فالأميركي يُنصح دائماً بألا يغضب بل أن يتسامح أيضاً.
وهكذا فعندما تحدث بايدن عن المضي قدماً، كان يتّبع نمطاً سلوكياً أميركياً راسخاً. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، لا يسع المرء إلا أن يتساءل: لماذا قرر حزبه الديمقراطي إبقاء فصل ترمب مفتوحاً من خلال إطلاق عملية عزل ثانية يبدو أنها لا تستند إلى أساس دستوري، والجميع يعلم أنها لن تنتهي بإدانة الرئيس السابق. فمناورة الإقالة هذه ببساطة لا معنى لها؟
إذا رغب المرء في معاقبة ترمب على إطلاقه المزعوم لهجوم الغوغاء على مبني الكابيتول (الكونغرس) الشهر الماضي، فإنه حسب الطريقة الأميركية، يتعين على إدارة شرطة العاصمة واشنطن صياغة قضية ورفعها إلى المدعي العام للمقاطعة لتوجيه اتهامات قانونية رسمية ضد ترمب. وبهذه الطريقة، سيتم نزع الطابع السياسي عن القضية برمّتها، حيث يواجه ترمب تهماً جنائية وسيصبح مسؤولاً أمام هيئة قضائية مستقلة بقواعد واضحة ذات وقائع مُثبتة بالتاريخ.
إذن، لماذا هذا الإصرار العنيد على حماية ترمب من الإجراءات القانونية رغم تصويره على أنه النجم الشرير لمسلسل تلفزيوني رديء؟
قد يشير أتباع نظريات التآمر إلى أن ترمب نفسه قام برشوة بعض القادة الديمقراطيين لإطلاق العرض وإبقائه في الأخبار لأطول فترة ممكنة. ونتيجة لعملية الإقالة، وبدلاً من التلاشي في فلوريدا، بقيت القصة تحتل عناوين الأخبار مع بث كل خطوة له وتحليلها على نطاق واسع كما لو كان مصير البشرية معلقاً برقبته.
ولكي يروي نهمه للشهرة، لا بد أن يكون العجوز دونالد ترمب يقضي وقتاً ممتعاً الآن في مشاهدة كل ما يقال عنه في التلفزيون وهو مستلقٍ في منتجع «ماري دي لاغو».
ومع ذلك، يمكن التفكير في دافع أكثر شراً: أليس من الوارد أن تكون هذه المهزلة برمّتها جزءاً من محاولة أوسع لضخ جرعة قوية من الانتقام في الثقافة السياسية الأميركية؟
إذا حكمنا من خلال الحملات المختلفة لإزالة التماثيل، وإعادة تسمية الأماكن العامة من خلال حظر أسماء بحجم جورج واشنطن، وتوماس جيفرسون، وبنجامين فرانكلين، هل سيكون من الغريب الخوف من أن الثأر المبرَّر بمظالم حقيقية أو خيالية سيتسلل إلى السياسة الأميركية على مستوى أعلى وأعلى؟
خلال العقد الماضي، أتاحت ظاهرة المظلومية لبعض الأفراد والجماعات عرضاً علنياً للبحث عن حصة في السوق السياسية. وهناك أيضاً حقيقة أن شرائح من النخبة السياسية الأميركية التي تشربت بمزيج من اللياقة السياسية تسعى إلى إعادة كتابة التاريخ الأميركي بوصفه قصة ويلات لضحايا حقيقيين أو متخيَّلين. إن إبقاء الجراح الحقيقية أو المتخيَّلة مفتوحة هي أيضاً وسيلة لتغطية العري السياسي.
من المثير للاهتمام أن الجمهور السليم سياسياً لم يتمكن قط من تقديم أي شيء يشبه برنامجاً سياسياً متماسكاً بخلاف الدعوة إلى التمرد ضد شريحة «الواحد في المائة» المفترض أن يكون لديهم شجرة تثمر مالاً سحرياً في حديقة منزلهم الخلفية.
يطالب المفكرون الأعمق فكراً في هذا الحشد بإلغاء تمويل الشرطة وإنشاء «مناطق حرة» في المدن، حيث يُبقي «المناضلون من أجل الحرية»، «المتطرفين البيض» في الخارج. ترمب، كونه بعبعاً أو مصدر قلق لـ«المناهضين للإمبريالية» و«التقدميين»، ليس من المستغرب أن يصر هؤلاء المتطرفون والمناهضون على الحصول على رطل من لحمه الذي لا يحق لهم.
لكن ماذا لو كان البارونات الديمقراطيون، أو بعضهم على الأقل، لديهم دوافع حزبية؟
لقد ساعدت إجراءات الإقالة بايدن على استكمال الموافقة على حكومته بأقصى سرعة، وتجنب التدقيق الطويل الذي قد يكون ضاراً لبعض المرشحين. كما غطّت على حقيقة أن الرئيس الجديد لم يقدم أي شيء جديد مثير بخلاف إلغاء بعض أوامر ترمب التنفيذية المثيرة للجدل.

الأكثر من ذلك هو أن الهدف من المساءلة قد يكون إبقاء ترمب على قيد الحياة سياسياً من خلال إثارة الغضب وبالتالي تحفيز مؤيديه الأساسيين الذين إما سيَقسمون الحزب الجمهوري من الداخل وإما حتى ينشئوا «حزب باتريوت» الخاص بهم. ومن شأن هذا الانقسام أن يضمن فوز الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل. وبما أن المزيد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين سيواجهون إعادة انتخاب في العام المقبل، فإن مثل هذا الانقسام قد يمنح الديمقراطيين أغلبية كبيرة في مجلس الشيوخ، وهو أمر لم يحصلوا عليه منذ عقود. قد يخسر بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين جزءاً من ناخبيهم إذا عارضوا العزل، وقد يفقد آخرون ناخبين إذا دعموا ذلك. وبعد ذلك سنكون في طريقنا لإجراء انتخابات رئاسية في عام 2024 والتي من المحتمل أن يكون بايدن منفتحاً عليها. وقد يكون ترشيح كامالا هاريس أمراً محفوفاً بالمخاطر من الديمقراطيين. وفي الوقت نفسه، يفتقر الديمقراطيون إلى نجم صاعد بينما يظل المنافس الموجود على يسارهم يمثل تهديداً.

على الجانب الجمهوري، قد يسعى ترمب لترشيح الحزب. وفي حال فاز، يمكن للديمقراطيين حشد نفس ائتلاف «الأقليات» فيما يبقى جزء كبير من الناخبين الجمهوريين في المنزل أو - كما كان الحال في نوفمبر الماضي - قد ينضمون إلى الجبهة المناهضة لترمب. وإذا لم يفز ترمب بالترشيح فسيكون تحت ضغط للترشح كطرف ثالث.

قد يعني ذلك العودة إلى حلقة روس بيروت التي ساعدت بيل كلينتون على أن يصبح رئيساً مرتين، في المرتين بأقل من 40% من الأصوات. قد يكون لترمب استخدامات أخرى من الديمقراطيين، إذ إن هناك حديثاً عن تحويل العاصمة إلى ولاية، وهو ما قد يمنح الديمقراطيين مقعدين آخرين في مجلس الشيوخ. كما تحدث بايدن عن إمكانية أن تصبح بورتوريكو ولاية. فإذا حدث ذلك، يمكن للديمقراطيين السيطرة على كلا المجلسين في المستقبل المنظور. والأكثر غرابة هو التقسيم المقترح لكاليفورنيا إلى ولايتين أو حتى أربع ولايات مما يمنح الديمقراطيين ما بين مقعدين إلى ثمانية مقاعد أخرى في مجلس الشيوخ.

هل يمكن أن يتطور نظام الحزبين إلى مخطط حزبي يضم حزباً واحداً ونصف الحزب يكون فيه الحزب الواحد دائماً في الحكومة ونصف الحزب دائماً في المعارضة؟
هذا ما حدث في المكسيك المجاورة، حيث كان الحزب الثوري المؤسسي (PRI) في السلطة من 1920 إلى 2000 مع نصف حزب يعمل كمعارضة للحفاظ على أسطورة الديمقراطية حية. لو حدث ذلك لكنّا قد شهدنا إحدى تلك المفارقات التي تضفي على التاريخ طعمه الحلو والمر في آن. فقد حارب المكسيكيون لمدة قرنين من الزمان من أجل الحصول على ديمقراطية مثل تلك الخاصة بجارهم الشمالي، ولم يحلموا أبداً بأن أي شخص شمال «ريو غراندي» قد يرغب في صبغ النظام الأميركي بصبغة مكسيكية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا وراء إعادة صياغة اتهامات ترمب ماذا وراء إعادة صياغة اتهامات ترمب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:20 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسماء جلال وأسماء أبو اليزيد تتنافسان في الغناء والسينما
  مصر اليوم - أسماء جلال وأسماء أبو اليزيد تتنافسان في الغناء والسينما

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon