توقيت القاهرة المحلي 21:02:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إنَّه لأمرٌ مؤلم... ولكن ليس بذلك القدر!

  مصر اليوم -

إنَّه لأمرٌ مؤلم ولكن ليس بذلك القدر

بقلم: أمير طاهري

مع تحويل قادة جمهورية إيران الإسلامية للعلاقات مع الولايات المتحدة صوب القضية المركزية في السياسات الإيرانية، ما يزال ملالي السلطة في طهران عاجزين تماماً على تحديد ما إذا كانت التوترات الراهنة بين الجانبين تصبُّ في صالح نظامهم الحاكم، أم هي تُلحق به مزيداً من الأضرار.
وتزعم إحدى الجماعات الموالية للسلطة الحاكمة في طهران بأن حزم العقوبات الاقتصادية التي أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرضها على إيران تصبُّ في صالح النظام الإيراني، بل تساعده، في الوقت الذي تُلحق فيه مزيداً من الأذى بالولايات المتحدة نفسها. ومن خلال أحاديثه الأخيرة لدى كثير من المراكز البحثية ومختلف وسائل الإعلام الأميركية، واصل السيد محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني دفاعه عن هذه الأطروحة المفترضة، مستعيناً بحذاقته الدبلوماسية المعتادة. ووفقاً لما صرح به الوزير الإيراني، فإنَّ قرار دونالد ترمب الأخير أسفر عن «عُزلة» الولايات المتحدة على الصعيد العالمي، في حين نجحت الجمهورية الإسلامية في حيازة كثير من الدعم والتعاطف العالمي في المقابل.
كما أعرب الجنرال حسين سلامي، قائد «الحرس الثوري» الإيراني، عن القدر نفسه من التفاؤل بشأن مزاعمه بأن الجمهورية الإسلامية أبعد ما تكون عن الضرر من الناحية الاقتصادية، بل صارت على طريقها الواضح لأن تتحول إلى قوة عالمية يُحسب لها الحساب.
وقال الجنرال حسين سلامي، في خطاب ألقاه مؤخراً: «لقد تمكناً أخيراً من الوصول إلى مياه البحر الأبيض المتوسط الدافئة، ونستعدُّ حالياً للمضي قدماً إلى ما هو أبعد من ذلك. ونحن الآن في وضع يتيح لنا احتلال وإضرام النيران في القواعد العسكرية التابعة للولايات المتحدة كافة في داخل المنطقة وخارجها».
يعتقد الجنرال الإيراني أنه عندما تتعلق الأمور بالعتاد العسكري، فإن جمهوريته الإسلامية لن تلحق بها الأضرار أبداً من إعادة فرض الحظر الأممي من جانب منظمة الأمم المتحدة.
وتعاني وسائل الإعلام الإيرانية من حالة انقسام على الذات بقدر متساوٍ. فالجانب الخاضع لسيطرة الحكومة وقيادة «الحرس الثوري» الإيراني يواصل الزعم بأنَّ العقوبات قد ألهمت إيران وساعدتها على تطوير الاقتصاد المحلي المتصف بالاكتفاء الذاتي. وتنطلق وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية إلى ما هو أبعد من ذلك حين الإشادة الهائلة بالتوقف التام عن الاعتماد على صادرات النفط الإيراني، على اعتباره تحقيقاً مستحقاً للثناء بالحلم القديم الذي طالما راود الشعب الإيراني منذ أجيال خمسينات القرن الماضي. وفي كلمة أخيرة ألقاها السيد إسحاق جهانجيري، وهو المساعد الأول للرئيس حسن روحاني، زعم أنَّ العوائد الناجمة عن صادرات النفط الإيراني قد تراجعت حالياً إلى نحو 7 بلايين دولار على أساس سنوي.
كان الاستغناء تماماً عن مبيعات النفط الإيراني من الأحلام القديمة التي طالما راودت أنصار رئيس الوزراء الإيراني الراحل محمد مصدق في مواجهة الحظر البريطاني حينذاك، ولا سيما عندما تمكنوا من الاستمرار والصمود من دون تصدير النفط الإيراني بين عامي 1951 و1952 من القرن الماضي. كما نجح أغلب بلدان العالم الأخرى في الاستمرار والبقاء على قيد الحياة من دون تصدير النفط.
بيد أن الموقف المتخذ من قبل علي خامنئي المرشد الإيراني الأعلى، وهو الرجل صاحب الكلمة الأخيرة في مجريات السياسة الإيرانية، ليس واضحاً على الدوام إزاء تلك القضية ذات الأهمية. فهو يزعم في بعض الأحيان أن الهدف الرئيسي من الثورة الإسلامية في إيران هو القضاء على الولايات المتحدة وبأي ثمن ممكن تقريباً. وعلى الرغم من ذلك، فلقد انخرط الرجل في مفاوضات، سرية أو علنية، جمعته و»الشيطان الأميركي» الأكبر على مدار ما يقرب من 4 عقود من الزمان. كما أنه وافق بنفسه على ما يُعرف إعلامياً بالاتفاق النووي الإيراني الذي أملاه على حكومته الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، ولا سيما وضع قطاعات كبيرة من الاقتصاد الإيراني الصناعي، والتجاري، والبحث العلمي تحت وصاية جهات أجنبية متعددة. وهناك، برغم ذلك، فصيل إيراني آخر يواصل إلقاء اللوم في أغلب المشكلات الإيرانية الراهنة تقريباً على عاتق الرئيس دونالد ترمب. ومن أبرز الشخصيات الناطقة باسم هذا الفصيل هو حجة الإسلام والمسلمين، آية الله حسن روحاني، الذي يشغل منصب رئيس جمهورية إيران الإسلامية.
ذلك الرئيس الحُجة، الذي في ظل إدارته الحكيمة للبلاد تراجعت قيمة العملة الإيرانية (الريال) من 3 آلاف إلى 30 ألفاً في غضون 6 سنوات فقط مقابل الدولار الأميركي، واستفحل التضخم الإيراني حتى بلغ ما يقرب من نسبة مريعة هي 50 في المائة، فضلاً عن الانكماش المتواصل الذي يعاني منه الاقتصاد الإيراني المنهك بواقع 3 نقاط مئوية على أساس سنوي. ووفقاً للأرقام الحكومية الرسمية، يعيش أكثر من 30 في المائة من الشعب الإيراني تحت خط الفقر، مع بقاء أكثر من ربع القوى العاملة في البلاد خارج دورة العمل.
ومع ذلك، يزعم الرئيس حسن روحاني أن العقوبات الاقتصادية الأميركية المُعاد فرضها من قبل دونالد ترمب قد كانت أكثر فعالية وتأثيراً في الاقتصاد الإيراني مما تدعي الولايات المتحدة. ولقد صرح في خطابه يقول: «يقول الأميركيون إنهم ألحقوا الأضرار الفادحة باقتصاد بلادنا بما يزيد على عشرات البلايين من الدولارات. غير أن الأضرار أكبر من ذلك بكثير. فلقد بلغت الخسائر في اقتصاد بلادنا خلال السنوات الثلاث الماضية أكثر من 150 مليار دولار». وأضاف أن السبب الرئيسي في فشل حكومته الواضح في التعامل مع أزمة وباء كورونا المستجد هو مايك بومبيو، الذي منع الحكومة الإيرانية من الحصول على قرض بقيمة 5 مليارات دولار أميركي من صندوق النقد الدولي لمواجهة الأزمة الكبيرة الراهنة. كما واصل مزاعمه بأنه لولا عقوبات دونالد ترمب المجددة، لكان الشعب الإيراني ينعم راغداً في حياة أكثر رفاهية وراحة.
ونطرح سؤالاً مهماً؛ ما السبب الحقيقي وراء الانقسام الواضح في مواقف وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية في تناولها بالطرح والتحليل لمشكلات السياسات الخارجية المركزية لدى النظام الحاكم؟ قد يكون أحد الأسباب الظاهرة حقيقة مفادها ضرورة التعامل مع نوعين مختلفين من الجماهير التي تتلقى هذا الخطاب وتتفاعل معه.
يتألف النوع الأول من الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، والذي يأمل جزء من النظام الإسلامي الإيراني الحاكم إبرام صفقة جديدة معه على الأسس التي أرساها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما من قبل. والرسالة المعنية باسترضاء هذا النوع من الجمهور تدور حول إثبات فشل سياسات الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب إزاء الجمهورية الإسلامية في إيران، تماماً كما فشلت سياساته الأخرى كافة، مع تأكيد أن الولايات المتحدة قد عانت بأكثر مما عانت إيران نفسها!
والنوع الآخر من الجمهور هو الشعب الإيراني ذاته، والذي يشعر بأنَّه قد صار أكثر فقراً مما كانت عليه الأوضاع قبل 6 سنوات كاملة، مع إلقاء التبعات المستمرة على عاتق الحكومة الإيرانية لعدم الكفاءة، والفساد، والإخفاق المستمر في صياغة السياسات الخارجية المثلى، مع الاستمرار في الاستعانة بموارد وثروات البلاد في خوض المغامرات الخارجية الرعناء.
ومع ذلك، ربما يكون هناك مدخل فرعي إلى ذلك، بمعنى محاولة تهيئة الرأي العام الداخلي في إيران إزاء تنازل أو تراجع جديد «عما قريب» تتخذه الحكومة الإيرانية في مواجهة «الشيطان الأميركي الأكبر». وبعد كل شيء، إذا كان الشعب الإيراني على قناعة بأن إبرام صفقة «ما» مع الحكومة الأميركية هو مفتاح المشكلات كافة التي تعاني منها البلاد والعباد في إيران، فإنهم سوف يرحبون، في غالب الأمر، بما سوف يُطلق عليه علي خامنئي وزمرته «المرونة البطولية السليمة من القيادة الإيرانية الحكيمة».
ويبقى سؤال أخير؛ هل سوف تعلن الحكومة الإيرانية عن التنازل (أو الانتصار) السياسي الجديد مع وجود الرئيس دونالد ترمب داخل البيت الأبيض، أم لعل الملالي سوف ينتظرون هُنَيهة من الزمن حتى وصول «الشيطان الأصغر الميمون» الذي يعرفونه جيداً إلى أعتاب البيت الأبيض... جوزيف بايدن؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنَّه لأمرٌ مؤلم ولكن ليس بذلك القدر إنَّه لأمرٌ مؤلم ولكن ليس بذلك القدر



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon