توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

على طهران أن تسأل: ماذا بعد؟

  مصر اليوم -

على طهران أن تسأل ماذا بعد

بقلم : أمير طاهري

في قصة «ألف ليلة وليلة»، يشترك أمراء سرنديب الثلاثة في رغبة واحدة: تحقيق جميع أمانيهم برمية نرد واحدة. في الواقع، لا تقتصر مثل هذه الرغبة على عالم قصص الشرق.
وكثيراً ما خرجت من رحم هذا الحلم أحداث مأساوية وهزلية، وأخرى تجمع بين المأساة والكوميديا على مر التاريخ.
ويمكن معاينة أحدث ظهور لحلم «الرمية الواحدة» في طهران هذه الأيام، حيث تسعى قيادات الجمهورية الإسلامية إلى طرح نسخ مأساوية وأخرى هزلية من هذا الحلم.
في رد فعلهم على مقتل الجنرال قاسم سليماني والعميد محسن فخري زاده، توعد «مفكرو» النظام بـ«الثأر»، ولمحوا إلى أن ذلك يمكن تحقيقه من خلال ضربة واحدة فتاكة لـ«العدو».
من جهتها، تصر صحيفة «جافان» اليومية، التي تعكس آراء «الحرس الثوري» الإيراني، على أن إرجاء الانتقام لأكثر من ذلك ينافي الحكمة، وأن «العدو» يمكن هزيمته من خلال ضربة واحدة لا يتعافى منها أبداً. وغني عن القول إنه عندما يتحدث الخمينيون عن «العدو»، فإنهم يقصدون الولايات المتحدة، «الشيطان الأكبر»، وحليفتها إسرائيل.
وبلغ الأمر حد قول الفيلسوف الخميني رحيم بور أزغادي إنه إذا طُلب منه ذلك، فإنه على استعداد لتوجيه تلك الضربة القاصمة بنفسه.
من جهته، زعم الأمين العام السابق لمجلس الأمن الوطني الإيراني، سعيد جليلي، أن الجمهورية الإسلامية اقتربت من تحقيق نصر بالضربة القاضية قبل ثماني سنوات، لكنها أهدرت الفرصة بسبب نزاعات داخلية.
كما أعرب الدكتور حسن عباسي، الملقب بـ«كيسنجر الإسلام»، عن أن «رمية النرد الواحدة» تشكل الاستراتيجية المثلى في «الجهاد لمحو إسرائيل من على الخريطة، وتدمير الولايات المتحدة بالتبعية».
ويشاركه الرأي اللواء حسين سلامي، «قائد الحرس الثوري» الإيراني، وزاد بادعائه أن لديه «آلاف الكتائب» الجاهزة لشن «هرمجدون».
أما وزير الدفاع السابق العميد حسين دهقان، وهو الآن مرشح رئاسي، فقال إن محو إسرائيل من على الخريطة كان هدف الثورة الإسلامية منذ البداية. وجدير بالذكر أن دهقان كان من «الطلاب» الذين داهموا مقر السفارة الأميركية في طهران، في نوفمبر (تشرين الثاني) 1979. وأعرب دهقان عن اعتقاده أن احتجاز الرهائن الأميركيين أظهر مدى فاعلية سياسة «الضربة الواحدة» في تحييد «العدو».
حتى غلام إسماعيلي، المتحدث باسم السلطة القضائية الإسلامية، انضم إلى الخبراء الاستراتيجيين، من خلال اقتراح «القضاء على الولايات المتحدة وإسرائيل» بضربة واحدة.
ومع ذلك، جاء الطرح الأكثر واقعية عن «رمية النرد الواحدة» من صحيفة «كيهان» اليومية، التي تعكس آراء المرشد علي خامنئي، ففي افتتاحية بعنوان «التأخير غير مسموح به»، قالت الصحيفة إن «الضربة الواحدة» يجب أن تأتي في صورة عاصفة عاتية من الصواريخ على ميناء حيفا الإسرائيلي. وشددت الصحيفة على أن الهجوم ينبغي ألا يكون مجرد هجوم رمزي، بل يجب أن يتسبب في دمار هائل ويوقع الكثير من الضحايا. جدير بالذكر هنا أن حيفا كهدف تتسم بجاذبية مضاعفة، لأنها، بخلاف كونها في إسرائيل، هي أيضاً معقل البهائيين، أكثر ما مقته الملالي على امتداد قرنين من الزمان.
كما أنه على مر التاريخ، خدعت استراتيجية «الرمية الأخيرة» استراتيجيين أكثر خبرة من خامنئي وسلامي.
فعلى سبيل المثال، عام 53 قبل الميلاد، أقنع ماركوس ليسينيوس كراسوس، وكان عضواً في الثلاثية الحاكمة في روما، مجلس الشيوخ، بالسماح له بالذهاب شرقاً والقضاء على الإمبراطورية البارثية بضربة واحدة. وبالفعل، أسس جيشاً ضخماً من أجل توجيه هذه الضربة الواحدة القاصمة لتخليص روما من آخر عدو خطير، وفي الوقت ذاته يملأ جيوبه بالأسلاب والغنائم، إلا أن الرمية الأخيرة انقلبت ضده، وسقط كراسوس قتيلاً في إحدى المعارك، في 9 يونيو (حزيران)، في مدينة كاراي.
وبالمثل، أظهر نابليون بونابرت هوسه بفكرة «الرمية الأخيرة»، مما أدى إلى اشتعال معركة لوبيك عام 1806، بهدف القضاء على «العدو» البروسي إلى الأبد.
وبالفعل، ربح المعركة في 6 نوفمبر، وأذل أعظم قائد بروسي غيرهارد بلوتشر. ومع هذا، عاد البروسيون بعد تسع سنوات، هذه المرة بالتحالف مع الإنجليز والروس، لتدمير الإمبراطورية النابليونية وإرساله إلى المنفى.
وفي ووترلو، عاد بلوتشر، وكانت الضحكة الأخيرة من نصيبه.
أيضاً، حاول نابليون «الرمية الأخيرة» ضد الروس، ونجح في حرق عاصمتهم موسكو، إلا أنه من جديد، انطلق النرد ضده، ما اضطر جيشه العظيم بعد أن أصابه الدمار إلى التراجع الأكثر إذلالاً في التاريخ.
وفي عام 1941، حاول أدولف هتلر تنفيذ سياسة «الرمية الأخيرة» في «عملية بارباروسا»، التي شهدت أسرع تقدم لأكبر قوة عسكرية في التاريخ. كان الجنرال فريدريش فون باولوس على أبواب القوقاز قبل أن يتمكن ستالين من الانتهاء من تناول زجاجة فودكا. ومع ذلك، يعرف الجميع كيف جاءت الإجابة عن سؤال «ماذا بعد؟»، الذي لم يطرحه هتلر وأتباعه على أنفسهم قط.
وفي سياق متصل، ومن خلال شن هجوم ضد بيرل هاربر في 7 ديسمبر (كانون الأول) 1941، نسيت القيادة العليا في نيبون هي الأخرى أن تسأل نفسها: «ماذا بعد؟». كانت «رمية النرد الوحيدة» ترمي هذه المرة إلى دفع الولايات المتحدة إلى خارج المنافسة على زعامة العالم، وتحويل هاواي إلى «كابان» (كلمة يابانية تعني مركز شرطة محليّاً) لمنطقة المحيط الهادئ.
مرة أخرى، سقطت قطعة النرد على وجه مختلف عن المرجو.
في مايو (أيار) 1967، كان دور الرئيس عبد الناصر لاستثارة حرب لا داعي لها من نتيجة سقوطه في شرك وهم «الرمية الواحدة»، من دون أن يسأل نفسه: «ماذا بعد؟».
وعلى نطاق أصغر، جرب تنظيم «القاعدة» الاستراتيجية نفسها في هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، في وقت كان زعيمه أسامة بن لادن يأمل في «طرد الأميركيين إلى الأبد»، مثلما فعل المجاهدون الأفغان بالسوفيات.
ومن جديد، نسي الفتى الثري المدلل صاحب الآيديولوجيا المريضة أن يسأل: «ماذا بعد؟».
من ناحية أخرى، في كتابه حول كيفية كتابة رواية، ينصح إي إم فورستر، الطامحين نحو امتهان الكتابة الأدبية، بأن يسألوا أنفسهم دوماً: «وماذا بعد؟»، قبل الإقدام على خلق حلقة جديدة في سلسلة الحبكة.
من ناحية أخرى، يمكن للمرء أن يطرح السؤال الصائب، ومع ذلك ربما يتوصل إلى إجابات خاطئة له. هذا تحديداً ما حدث مع رئيس تحرير «كيهان» الذي حث على الهجوم على حيفا؛ فقد ذكر أنه بالنظر إلى أن الجمهورية الإسلامية لديها «كل القواعد الأميركية في نطاق أسلحتها، فإن الأميركيين الجبناء لن يردوا على هجوم مدمر على إسرائيل». وإذا فعلوا ذلك، حسبما قال، فيمكن لطهران أن «تطلق صواريخ ضد القواعد الأميركية في العراق والإمارات العربية المتحدة، ومقر الأسطول الأميركي الخامس في البحرين، والقيادة المركزية في قطر، والقواعد الأميركية في الجزء العماني من شبه جزيرة مسندم». وأضاف أن الولايات المتحدة ستبقي على رباطة جأشها، وتتحمل كل هجوم.
والآن، دعونا نأمل أن تكون هناك عقول أكثر ذكاءً في طهران لن يوقعوا أنفسهم في كارثة من دون أن يسألوا أنفسهم: «ماذا بعد؟».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على طهران أن تسأل ماذا بعد على طهران أن تسأل ماذا بعد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء

GMT 10:26 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

" لفات الحجاب" الأمثل لصاحبات الوجه الطويل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon