توقيت القاهرة المحلي 11:54:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فلسطين: قضية أم دولة

  مصر اليوم -

فلسطين قضية أم دولة

بقلم - أمير طاهري

لماذا أشعلت حركة «حماس» شرارة المأساة الحالية التي أضفت على الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني القديم بعداً أكثر دموية؟ وما فرص إبعاد الجانبين عن حافة الهاوية؟


يكشف سيل التعليقات على الحلقة الأحدث من الصراع أنه يظل بمثابة جدار يعكس عليه أنصار الآيديولوجيات المتنافسة أوهامهم وأحكامهم المسبقة.

السؤال هنا؛ لماذا شنّت «حماس» هجومها فجأة؟ من جانبهم، يكرر المدافعون عن «حماس» الشعارات القديمة المعتادة؛ الاحتلال، والمستوطنات الاستعمارية، وعمليات الطرد، والفصل العنصري، وحل الدولتين.

ومع ذلك، فإنه عند إلقاء نظرة عن قرب أكبر يتضح أن أياً من هذه «الأسباب» لا يمكن أن يفسر، ناهيك عن تبرير، لماذا أقدمت «حماس» على ما فعلته في 7 أكتوبر (تشرين الأول).

في الواقع، انتفى ادعاء الاحتلال، لأن الاحتلال الإسرائيلي لغزة انتهى عام 2005، وبعد ذلك بسطت «حماس» سيطرتها الكاملة على القطاع، وما يجري تقديمه باعتباره حكومتها.

وبالمثل، نجد أن ادعاء المستوطنات الاستعمارية لا ينطبق هنا، بالنظر إلى أن آخر المستوطنات الإسرائيلية في غزة جرى تفكيكها عام 2004 - 2005 قبل الانسحاب الكامل من القطاع.

أما ادعاء الطرد فهو أكثر غرابة، لأنه بين عام 2005 وأحدث هجوم شنته «حماس»، ارتبطت عمليات الطرد الوحيدة التي وقعت بغزة بقبائل البدو التي طردها مسلحو «حماس» من قراهم ومناطق الرعي الخاصة بقطعانهم. وقد جرى طرد نحو 20000 من أفراد القبائل البدوية إلى مصر وإسرائيل، وكان آخرهم سكان قرى منطقة أم ناصر.

بجانب ذلك، يبدو ادعاء الفصل العنصري أقل منطقية، ببساطة لأنه لا يوجد إسرائيلي واحد يعيش داخل غزة ليمارسه ضد السكان الآخرين.

كما أن الادعاء بأن «حماس» تقاتل من أجل حل الدولتين غير صحيح هو الآخر، نظراً لأن هذه الحركة المسلحة تعارضه باستمرار. ولم تخفِ «حماس» قط أملها في فرض حل الدولة الواحدة، الذي يعني القضاء على إسرائيل بأي شكل من الأشكال.

من جانبهم، يحاول أشخاص مثل جوزيب بوريل، المتحدث باسم السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وجان لوك ميلينشون، زعيم الائتلاف اليساري الفرنسي، تجنب القضية الرئيسة، من خلال الإشارة ضمناً إلى أنه رغم أن أياً من هذه «الأسباب» لا يرتبط بـ«حماس»، فإنه يجب علينا افتراض أن التنظيم يخوض القتال نيابة عن جميع الفلسطينيين، بما في ذلك سكان الضفة الغربية.

إلا أن ذلك يعني منح «حماس» تفويضاً لم تحصل عليه من قبل قط، من جانب الفلسطينيين، مع التشكيك في شرعية السلطة الوطنية الفلسطينية التي تعترف بها جميع الدول العربية والإسلامية والأمم المتحدة. وجدير بالذكر أنه خلال الانتخابات الوحيدة ذات المصداقية التي أجريت بين الفلسطينيين، فازت «حماس» بـ44.2 في المائة من الأصوات، مقابل 42.5 في المائة للسلطة الوطنية الفلسطينية. حتى في ذلك الوقت، كانت «حماس» هي من انسحب من المخطط، واستبعدت «فتح» وغيرها من الجماعات الداعمة للسلطة الوطنية الفلسطينية من غزة.

وخلال الأيام القليلة الماضية، حرصت وسائل الإعلام التقليدية والفضاء الإلكتروني على طرح مخطط «الدولتين» باعتباره الصيغة السحرية التي يمكنها إنهاء هذه الملحمة المستمرة فصولها منذ 100 عام. إلا أن هذا لم يكن أكثر من ورقة توت لستر عري النقاد وصناع السياسات.

ولا نعرف ما إذا كانت غالبية الإسرائيليين والفلسطينيين تفكر في ورقة التوت هذه أم لا. إلا أن المؤكد أن النخب القيادية في كلا الجانبين لم تلتزم قط بجدية بخريطة طريق في هذا الاتجاه.

الواضح أن السلطة الوطنية الفلسطينية و«حماس» فضّلتا الظهور كحراس للشعلة، بدلاً من كونهما بناة لهياكل الدولة؛ «حماس» بطريقة مباشرة وواضحة، والسلطة الوطنية الفلسطينية بأسلوبها الخادع. ولفترة وجيزة، تحديداً 2007 - 2013، حاولت السلطة الوطنية الفلسطينية في عهد رئيس الوزراء سلام فياض تعزيز ثقافة بناء الدولة، بدلاً من موقف «القضية» المتشدد. إلا أن «حماس» والسلطة الوطنية الفلسطينية بذلتا كل ما بوسعهما لتقويض مشروع فياض.

ويتضمن الموقف الأخير للسلطة الوطنية الفلسطينية بشأن صيغة الدولتين «العودة إلى خطوط وقف إطلاق النار لعام 1948»، وهو أمر لا يمكن لأي زعيم إسرائيلي قبوله.

أما القادة الإسرائيليون، فكانوا مراوغين بالقدر ذاته، بل مخادعين تماماً في ما يخص صيغة «الدولتين». حتى قبل أن تتحول هذه الفكرة إلى كليشيهات دبلوماسية، حاولت إسرائيل التعبير عن موافقتها على حصول الفلسطينيين على الحكم الذاتي من خلال خطة ييغال آلون القائمة على عرض إدارة على طراز «البانتوستان» على الفلسطينيين. وجرى طرح خطة آرييل شارون بعنوان «غزة أولاً»، باعتبارها خطوة أولى نحو حل الدولتين. ومع ذلك، نظر شارون إلى غزة شبه المستقلة من الناحية العسكرية، باعتبارها أشبه بمنطقة جليدية، ولم يدرك أن منطقة جليدية يمكن أن تتحول إلى قاعدة لشن عدوان.

لقد كشفت خطة «غزة أولاً» وهم مفهوم «الأمن من خلال الإخلاء»، باعتباره أسطورة خطيرة حلت محل أخرى، هي «الأرض مقابل السلام» التي تمخضت عن سلام فاتر كان من السهل دوماً التراجع عنه.

من ناحيتهم، لطالما حاول القادة الإسرائيليون خلق فجوة بين غزة والضفة الغربية. لقد شجعوا، بل روجوا بالفعل، لخلق حركة «حماس»، باعتبارها الفرع الفلسطيني لجماعة «الإخوان المسلمين»، بهدف تقويض حركة «فتح»، علاوة على تقويض القيادة الفلسطينية الشعبية الممثلة في أشخاص مثل حيدر عبد الشافي، التي ظهرت في أعقاب مؤتمر مدريد للسلام. إلا أنه عندما ثبت أن «حماس» مخيبة للآمال، وبدا من الصعب السيطرة على مفاوضي مدريد، وضعت إسرائيل رهانها على ياسر عرفات عبر اتفاقيات أوسلو.

وطوال الوقت، حاول القادة الإسرائيليون القفز من خلال حلقة تلو أخرى، لتجنب التعامل بجدية مع صيغة «الدولتين» التي روجت لها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، بغضّ النظر عن افتقارها إلى التأييد في أوساط الإسرائيليين والفلسطينيين.

اللافت أن الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني بدأ كصراع بين القومية العربية والصهيونية، وكلاهما تياران جرت صياغتهما على غرار الحركات القومية الأوروبية بالقرن التاسع عشر. إلا أنه بعد الحرب العالمية الثانية، اتخذ الصراع بعداً جيوسياسياً زادت حدته خلال «الحرب الباردة».

ومع نهاية «الحرب الباردة»، اتخذ هذا البعد الجيوسياسي مظهراً آيديولوجياً، مع استغلال «القضية الفلسطينية»، وإساءة استغلالها، كوسيلة لإضفاء الشرعية على أنظمة متنوعة، مثل الجمهورية الإسلامية بطهران وحزب العدالة والتنمية في أنقرة، وصدق أو لا تصدق، التيار اليساري في كولومبيا، ناهيك عن «ثوار تذكرة العودة» في الغرب، الذين يستمتعون بمشاهدة الآخرين يقتلون ويموتون من أجل «قضايا عظيمة».

طوال فترة «الحرب الباردة»، كان تجاهل البعد الجيوسياسي للقضية الإسرائيلية ـ الفلسطينية سبباً في تشجيع الملاحقات الدبلوماسية الجامحة التي تجسدت في صيغة «الدولتين». واليوم، يتكرر الخطأ نفسه من خلال التركيز على نحو شبه حصري على «حماس»، من دون أن يتكبد أحدهم مشقة التساؤل عمن يمول ويدرب ويسلح ويتلاعب بـ«حماس» تحت مسمى «صراع الحضارات».

وجاءت المأساة الحالية لتدمر الوضع القائم، الذي تبلور في أعقاب «الحرب الباردة». أما محاولات إحياء هذا الوضع بشكل أو بآخر، فلن تفضي سوى إلى مقدمة لمآسٍ أكبر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلسطين قضية أم دولة فلسطين قضية أم دولة



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon