يشرح الاقتصادي السعودي الدكتور ماجد عبد الله المنيف في كتابه «إشكالية التنمية وثروة النفط في الاقتصاد السعودي» دور النفط في اقتصاد المملكة، وسياسة الدولة لتحويل «أرامكو الأميركية» إلى «أرامكو السعودية».
توسعت صناعة النفط في السعودية، احتياطاً وإنتاجاً وتسويقاً، والتي هيمن عليها في فترة التأسيس الشركات الأميركية صاحبة الامتياز. فاشترت «تكساكو» عام 1938 (سنة بدء الإنتاج السعودي) حصة من «سوكال» صاحبة الامتياز، وكوّنا معاً تحالف «أرامكو». وتم لاحقاً توسيع التحالف إلى «رباعي أرامكو» ببيع حصص لشركتي «إكسون» و«موبيل»، انقسمت على أثره ملكية الشركة إلى ثلاث حصص نسبة كل منها 30 في المائة لـ«سوكال» و«تكساكو» و«إكسون»، وحصة بنسبة 10 في المائة لـ«موبيل». واستمرت هذه الشراكة والحصص حتى بداية عقد السبعينات.
لم تختلف الخلفية التاريخية لامتياز النفط السعودي عام 1933 وبنوده اختلافاً كبيراً عن خلفية وشروط الامتيازات النفطية الأخرى في الشرق الأوسط، حيث جرت المفاوضات في ظل الهيمنة البريطانية على المنطقة، لكن خلافاً لذلك لم تكن المملكة ضمن الانتداب البريطاني، ومن ثم الآثار المترتبة على اتفاقية «سايكس - بيكو». ويذكر المنيف «دخلت المملكة مفاوضات منح الامتياز كدولة حديثة التأسيس لديها حاجة ماسة إلى الموارد المالية لضمان الأمن والاستقرار بعد ثلاثة عقود من حروب توحيدها». ويضيف «كانت إيرادات الحج، وهي مصدر رئيس للإيرادات الحكومية، آخذة في التراجع بسبب موجة الكساد الكبير التي شهدها العالم (1929 - 1939)، وكانت معلومات المفاوض السعودي حينئذ عن أهمية النفط وعن صناعته بشكل عام محدودة، وكان الحصول على دفعة أولية من الشركة لقاء الامتياز أهم من الشروط المالية والتشغيلية الأخرى».
منحت الحكومة في 1949 شركة «جيتي أويل» الأميركية المستقلة، حقوق التنقيب عن النفط في جزء من المنطقة المحايدة المقسومة بين المملكة والكويت. وتضمن هذا الامتياز «شروطاً مالية وتشغيلية أفضل بكثير مما تضمنه امتياز (أرامكو) الأكبر حجماً؛ مما أوضح أن إيرادات الحكومة النفطية المحددة في ترتيبات امتياز (أرامكو) لم تكن منصفة».
وحول توازن القوى بين الدولة و«أرامكو»، يشير المنيف إلى أنه «رغم أن العلاقات العدائية مع الشركات حاملة الامتيازات كانت تُعدّ في بعض الدول المصدّرة للنفط بعد الحرب العالمية الثانية جزءاً من شرعية الأنظمة الحاكمة، فإن علاقة الشركة حاملة الامتياز بالمملكة كانت، على النقيض من ذلك، أقل تسييساً ولا تشكل جزءاً من شرعية النظام، حيث ارتأت الدولة السعودية إقامة علاقة تفاوض وتبادل مصالح مع الشركة حاملة الامتياز».
من الملاحظ، أن المملكة حافظت على هذه العلاقات حتى بعد أن ساهمت في تأسيس منظمة «أوبك» خلال فترة الستينات والسنوات القليلة الأولى من السبعينات. ويضيف المنيف «استفادت المملكة طيلة هذه الفترة من مكاسب وإنجازات البلدان الأخرى المصدّرة للنفط أو من وضع سوق النفط العالمية. وبعد اتفاقية مناصفة الأرباح عام 1950، أصبح مستوى الأسعار العامل الثاني إلى جانب حجم الإنتاج في تحديد إيرادات الحكومة من النفط».
بدأت سوق النفط تتغير تدريجياً في أوائل عقد السبعينات. وقادت «أوبك» على أثرها جهود إجراء تعديلات مشتركة في أسعار النفط مع الشركات حاملة الامتيازات في دول المنظمة، وعرفت هذه التعديلات في تاريخ المنظمة باتفاقية طهران في 1971 واتفاق جنيف في 1972. وفي هذا العام نفسه، قادت المملكة منظمة «أوبك» إلى مفاوضات ما عُرف بـ«المشاركة»، ولم يكن تأميم مصالح النفط مُدرجاً على الأجندة السياسية أو الاقتصادية للدولة.
وبدأت في خضم التغييرات الجارية في هيكل أسواق النفط العالمية وعلاقات الحكومات بالشركات، ومن أجل تنظيم آلية صنع القرار النفطي، تأسيس شركات حكومية مرادفة في أعمالها لـ«أرامكو». فتأسست «بترومين» في 1962، حيث منحت صلاحيات ومسؤوليات واسعة النطاق للتنقيب عن البترول والمعادن وتكريرها وتوزيعها داخل المملكة ولتعمل جنباً إلى جنب مع «أرامكو»، كما تفاوضت «بترومين» لمنح امتيازات تنقيب خارج مناطق أعمال «أرامكو». وأنشأت الحكومة في 1972 المجلس الأعلى للبترول، وكان أغلب أعضائه من مجلس الوزراء، وأنيطت به مسؤولية وضع وتنسيق السياسات المتعلقة بأسعار النفط، والامتيازات، والمشاركة، واستغلال الغاز، وإقامة المؤسسات التنفيذية لهذه السياسات.
ويضيف المنيف «غير أن الديناميكية التي كان يتوقع لها أن تتطور ما لبثت أن اصطدمت بالهيكل البيروقراطي لـ(بيترومين) كمؤسسة حكومية، حيث كانت لـ(بترومين) ميزانية تشغيلية تعتمد من قِبل الحكومة بدلاً من أن تعمل وفق أساس رأسمالي خاص بها».
وبموجب اتفاقية المشاركة، «تملكت الحكومة بداية عام 1973 حصة 25 في المائة في (أرامكو)، ثم زادت هذه الحصة إلى 60 في المائة بعد عامين. وأوكل إلى (بترومين) مهمة إدارة ومتابعة حصة الحكومة في الإنتاج، ولكن سرعان ما تبين افتقارها إلى الكفاءة وتفشي الفساد فيها».
وفي 1976، انتزع من «بترومين» دورها في تطوير قطاع البتروكيماويات وأوكل إلى الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) المملوكة للدولة؛ مما جعل الدور المهيمن لـ«بترومين» كقائد لصناعة النفط والغاز الوطنية «موضع تساؤل في الداخل، إضافة إلى عدم قدرتها على أن تكون لاعباً مهماً عالمياً».
واصلت «بترومين» الانكماش خلال فترة السبعينات. فبعد امتلاك الحكومة الكامل لـ«أرامكو» في 1980، اختارت ألا تعهد بها إلى «بترومين»، وإنما أبقت على هيكل «أرامكو» وعلاقاتها بالدولة والعالم. ويشير المنيف «لم تتمكن الدولة، نتيجة للاختلاف داخل أروقة صنع القرار فيها، من تحديد العلاقة بين (أرامكو) بعد سعودتها من جهة وبين (بترومين) من جهة أخرى». واستغرق حل هذا الأمر ثماني سنوات وتغييرات في الهيكل القيادي لوزارة البترول والثروة المعدنية و«بترومين». وفي 1988، صدر مرسوم ملكي بتحويل شركة الامتياز التي تملكتها الحكومة إلى شركة «أرامكو السعودية» لتصبح شركة النفط الوطنية.
وكحال علاقة الحكومة مع «أرامكو الأميركية»، يذكر المنيف «مرت علاقة (أرامكو السعودية) مع الحكومة بمصاعب بسبب تعارض وجهات النظر والافتقار إلى قنوات الاتصال المناسبة. فقد استعانت الحكومة بالشركة للاضطلاع بأمور بنية أساسية نيابة عن الدولة... وتعرّضت العلاقة بين الشركة والحكومة في المملكة للاختبار من خلال مبادرتين رئيسيتين للدولة، هما: مبادرة فتح قطاع النفط والغاز للاستثمار الأجنبي خلال الفترة 1998 - 2003 (التي تباينت الآراء حولها ضمن أجهزة الدولة). وفي 2016 أعلنت الحكومة اعتزامها طرح بعض أسهم شركة (أرامكو السعودية) للاكتتاب العام، وتحولت هذه المبادرة إلى حجر زاوية في برنامج المملكة الإصلاحي و(رؤية المملكة 2030)».