توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غاز شرق المتوسط

  مصر اليوم -

غاز شرق المتوسط

بقلم - وليد خدوري

تُعدّ أوروبا السوق الأفضل لغاز شرق المتوسط؛ نظراً للتقارب الجغرافي ما بين المنطقتين، ومن ثم ركزت معظم الدراسات على تصدير غاز شرق المتوسط إلى أوروبا، لكن في الوقت نفسه برز عاملان مهمان أضيفا إلى هذه الفرضية: هل الاحتياطات الأكيدة كافية لتلبية الطلب الأوروبي؟ وماذا عن الطلبين المحلي والإقليمي؟ وقد أضيف مؤخراً «العامل الأوكراني»؛ بمعنى إمكانية تعويض إمدادات الغاز الروسية التي قررت أوروبا مقاطعتها.
ويتوجب عند دراسة تصدير غاز شرق المتوسط إلى أوروبا، الأخذ بنظر الاعتبار، وسيلة التصدير (عبر أنبوب يَعبر البحر الأبيض، وما هو الطريق الأنسب لهذا الأنبوب؟) وإمكانية تسييل الغاز (كما يجري حالياً في مصر)، ومن ثم شحنه إلى أوروبا. هذه العوامل، وكثيرٌ غيرها من العوامل الجيواستراتيجية (هل يتوجب التصدير خلال خط أنابيب يمتدّ عبر قبرص، ومن ثم اليونان، أم خط أنابيب بحري إلى تركيا حيث يتم ربطه هناك مع أحد الخطوط البرية العاملة حالياً عبر دول جنوب وجنوب شرق أوروبا؟)، وأخيراً هناك مسألة تكاليف المواصلات أو مصانع التسييل، وأثرها على السعر النهائي للغاز.
يطرح السؤال الأول نفسه تلقائياً: هل الاحتياطات المؤكَّدة لغاز شرق المتوسط كافية لتلبية الطلب الأوروبي، وفي الوقت نفسه تلبية الطلب المحلي الإقليمي للغاز، حيث السوقان الضخمتان المصرية والتركية من جهة، والأسواق الأردنية والفلسطينية والإسرائيلية واللبنانية والقبرصية حيث لا تتوفر مصادر طاقة وافية أخرى معروفة حتى الآن. لقد أصبح الغاز بفضل سعره المنافس للنفط والفحم ودوره بصفته وقوداً «نظيفاً»، مقارنة ببقية الوقود الأحفوري، هو العنصر المعتمَد عليه في تزويد محطات توليد الكهرباء والمصانع بالوقود.
بلغ مجمل الاحتياطي الغازي المؤكَّد المكتشَف حتى الآن في مياه مصر وإسرائيل وقبرص حوالي 2400 مليار متر مكعب، أو نحو 85 تريليون قدم مكعب، وهذا الرقم مؤهَّل للارتفاع نتيجة استمرار الاكتشافات. وتشكل طاقة التسييل المصرية أكبر إمكانية حالياً لتصدير الغاز من شرق المتوسط، ويتوقع أن تزداد الطاقة التصديرية الغازية من شرق المتوسط إلى حوالي 50 مليار متر مكعب بحلول أوائل عقد الثلاثينات.
من الجدير بالذكر أن دول السوق الأوروبية أنتجت نحو 210 مليارات متر مكعب من الغاز، أو 38 % من الطلب في عام 2021. وفي الوقت نفسه، صدّرت روسيا إلى أوروبا عبر شبكة الأنابيب نحو 167 مليار متر مكعب، أو نحو 30 % من مجمل الإمدادات الغازية لأوروبا البالغة 551 مليار متر مكعب، الأمر الذي يعني أن احتياطيات شرق المتوسط وافية لكن متأخرة لتلبية الطلب الأوروبي (الذي بحاجة سريعة لتعويض الغاز الروسي).
من المعروف أن التقنيات الحديثة تعتمد أكثر وأكثر على الكهرباء. هذا معناه ازدياد استهلاك الكهرباء سنوياً، مما يعني بدوره أن دول شرق المتوسط ستحتاج إلى طاقة كهربائية أكثر مستقبلاً، مع ازدياد اعتمادها على الكهرباء، وخصوصاً في تلك الدول، ومنها ما يعاني عجزاً كهربائياً فادحاً غير مسبوق؛ بمعنى أنه مع زيادة استهلاك السيارة الكهربائية وكثير من السلع الاستهلاكية المعتمدة على الكهرباء، يتوجب أيضاً الأخذ بنظر الاعتبار الزيادة السريعة المتوقعة للاستهلاك الداخلي والإقليمي للغاز.
تستفيد الدول المصدِّرة للغاز في شرق المتوسط من الأسواق الإقليمية عبر شبكات وأنابيب قصيرة المدى وقليلة الكلفة نسبياً. وبالفعل، نجد الآن أن مصر والأردن وإسرائيل تزوِّد الأغلبية الساحقة من محطاتها الكهربائية بالغاز.
هذا، وتبقى المحطة الكهربائية الوحيدة في مناطق السلطة الفلسطينية، محطة كهرباء غزة التي تزوِّدها إسرائيل بالغاز، تحت رحمة إسرائيل في إيقاف وإيصال الإمدادات وفق ضغوط السياسات الإسرائيلية. وتبقى الضفة الغربية دون محطة كهرباء حتى الآن، حيث تمدُّها محطة غزة بالكهرباء، بالإضافة إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية. ويتوفر لدى السلطة الفلسطينية حقل غاز مكتشَف في بحر غزة البحري، أوقفت إسرائيل تطويره. ورغم احتياطات الحقل الضئيلة، يمكن أن يزوّد كلاً من غزة والضفة الغربية بالوقود الكافي، في حال سماح إسرائيل بتطويره.
المسألة المهمة في الوقت الحاضر هي الطلب الأوروبي للغاز في ظل حرب أوكرانيا. وأقطار السوق الأوروبية تختلف في سياساتها الطاقوية المستقبلية، إذ إن هناك مصالح اقتصادية مختلفة فيما بينهم، وخصوصاً فرنسا وألمانيا وحلفاءهما. أدى اختلاف قطاع الطاقة الأوروبي إلى تباين في سياساتها المستقبلية، إذ يدور حالياً نزاع بين ألمانيا وفرنسا وحلفائهما الأوروبيين حول موعد إيقاف بيع سيارات محرك الاحتراق الداخلي، ليكون في عام 2035 كما تطالب فرنسا، أو في موعد لاحق كما تدعو ألمانيا التي تطالب، في الوقت نفسه، باستمرار استعمال سيارات محرك الاحتراق الداخلي «وقوداً نظيفاً» بدلاً من «تخريدها». وقد برز، خلال الأسبوعين الماضيين، خلاف جديد بين الدولتين الأوروبيتين الكبريين حول مدى اعتماد الطاقة النووية، بصفة طاقة مستدامة، كبقية الطاقات المستدامة التي يجري اعتمادها للمستقبل. فألمانيا تُعارض استعمال الطاقة النووية، بينما لدى فرنسا العشرات من المفاعلات، وتصدِّر الكهرباء لدول الجوار.
يستمر الاعتماد على الغاز في أوروبا، على الأقل في مرحلة «تحول الطاقة». المشكلة أن أوروبا الشمالية، ولا سيما ألمانيا، والنمسا، وهولندا، قد اعتمدت كلياً على الغاز الروسي المستورد عبر الأنابيب. هذا يعني أن أي تغيير في الإمدادات سيتطلب بعض الوقت لتشييد موانئ ومنشآت لاستقبال الغاز المُسال. وقد بدأت ألمانيا فعلاً بالتشييد اللازم خلال سنتين، وبكلفة نحو 6 مليارات يورو. أما دول أوروبا الجنوبية فوضعها أحسن، إذ تربطها منذ سنوات أنابيب غاز عبر البحر الأبيض، وخصوصاً من الجزائر (حيث تزوّد أيضاً دول أوروبا الجنوبية بالغاز المسال)، بالإضافة إلى كميات إضافية عبر الأنابيب من الجزائر وليبيا والغاز المسال عبر مصر.
تزور وفود أوروبية دولاً مصدّرة للغاز لتعويض الإمدادات الروسية. ورغم أن الدول الغازيّة مستعدّة للتصدير، وخصوصاً الغاز المسال للدول خارج منطقة البحر الأبيض، فهناك عقبة رئيسة تواجه الأقطار الأوروبية: مدة العقود التي عادةً تتراوح نحو عقدين أو أكثر من الزمن، نظراً للمصاريف الباهظة التي تتحمّلها الدولة المصدِّرة، ومحاولة الأوروبيين تقليص هذه الفترة إلى نحو 15 سنة، الأمر الذي تعتبره الدول المصدرة غير اقتصادي لها. وهناك طبعاً المفاوضات حول المعادلة السعرية للغاز.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غاز شرق المتوسط غاز شرق المتوسط



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon