توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غاز شرق المتوسط

  مصر اليوم -

غاز شرق المتوسط

بقلم - وليد خدوري

تُعدّ أوروبا السوق الأفضل لغاز شرق المتوسط؛ نظراً للتقارب الجغرافي ما بين المنطقتين، ومن ثم ركزت معظم الدراسات على تصدير غاز شرق المتوسط إلى أوروبا، لكن في الوقت نفسه برز عاملان مهمان أضيفا إلى هذه الفرضية: هل الاحتياطات الأكيدة كافية لتلبية الطلب الأوروبي؟ وماذا عن الطلبين المحلي والإقليمي؟ وقد أضيف مؤخراً «العامل الأوكراني»؛ بمعنى إمكانية تعويض إمدادات الغاز الروسية التي قررت أوروبا مقاطعتها.
ويتوجب عند دراسة تصدير غاز شرق المتوسط إلى أوروبا، الأخذ بنظر الاعتبار، وسيلة التصدير (عبر أنبوب يَعبر البحر الأبيض، وما هو الطريق الأنسب لهذا الأنبوب؟) وإمكانية تسييل الغاز (كما يجري حالياً في مصر)، ومن ثم شحنه إلى أوروبا. هذه العوامل، وكثيرٌ غيرها من العوامل الجيواستراتيجية (هل يتوجب التصدير خلال خط أنابيب يمتدّ عبر قبرص، ومن ثم اليونان، أم خط أنابيب بحري إلى تركيا حيث يتم ربطه هناك مع أحد الخطوط البرية العاملة حالياً عبر دول جنوب وجنوب شرق أوروبا؟)، وأخيراً هناك مسألة تكاليف المواصلات أو مصانع التسييل، وأثرها على السعر النهائي للغاز.
يطرح السؤال الأول نفسه تلقائياً: هل الاحتياطات المؤكَّدة لغاز شرق المتوسط كافية لتلبية الطلب الأوروبي، وفي الوقت نفسه تلبية الطلب المحلي الإقليمي للغاز، حيث السوقان الضخمتان المصرية والتركية من جهة، والأسواق الأردنية والفلسطينية والإسرائيلية واللبنانية والقبرصية حيث لا تتوفر مصادر طاقة وافية أخرى معروفة حتى الآن. لقد أصبح الغاز بفضل سعره المنافس للنفط والفحم ودوره بصفته وقوداً «نظيفاً»، مقارنة ببقية الوقود الأحفوري، هو العنصر المعتمَد عليه في تزويد محطات توليد الكهرباء والمصانع بالوقود.
بلغ مجمل الاحتياطي الغازي المؤكَّد المكتشَف حتى الآن في مياه مصر وإسرائيل وقبرص حوالي 2400 مليار متر مكعب، أو نحو 85 تريليون قدم مكعب، وهذا الرقم مؤهَّل للارتفاع نتيجة استمرار الاكتشافات. وتشكل طاقة التسييل المصرية أكبر إمكانية حالياً لتصدير الغاز من شرق المتوسط، ويتوقع أن تزداد الطاقة التصديرية الغازية من شرق المتوسط إلى حوالي 50 مليار متر مكعب بحلول أوائل عقد الثلاثينات.
من الجدير بالذكر أن دول السوق الأوروبية أنتجت نحو 210 مليارات متر مكعب من الغاز، أو 38 % من الطلب في عام 2021. وفي الوقت نفسه، صدّرت روسيا إلى أوروبا عبر شبكة الأنابيب نحو 167 مليار متر مكعب، أو نحو 30 % من مجمل الإمدادات الغازية لأوروبا البالغة 551 مليار متر مكعب، الأمر الذي يعني أن احتياطيات شرق المتوسط وافية لكن متأخرة لتلبية الطلب الأوروبي (الذي بحاجة سريعة لتعويض الغاز الروسي).
من المعروف أن التقنيات الحديثة تعتمد أكثر وأكثر على الكهرباء. هذا معناه ازدياد استهلاك الكهرباء سنوياً، مما يعني بدوره أن دول شرق المتوسط ستحتاج إلى طاقة كهربائية أكثر مستقبلاً، مع ازدياد اعتمادها على الكهرباء، وخصوصاً في تلك الدول، ومنها ما يعاني عجزاً كهربائياً فادحاً غير مسبوق؛ بمعنى أنه مع زيادة استهلاك السيارة الكهربائية وكثير من السلع الاستهلاكية المعتمدة على الكهرباء، يتوجب أيضاً الأخذ بنظر الاعتبار الزيادة السريعة المتوقعة للاستهلاك الداخلي والإقليمي للغاز.
تستفيد الدول المصدِّرة للغاز في شرق المتوسط من الأسواق الإقليمية عبر شبكات وأنابيب قصيرة المدى وقليلة الكلفة نسبياً. وبالفعل، نجد الآن أن مصر والأردن وإسرائيل تزوِّد الأغلبية الساحقة من محطاتها الكهربائية بالغاز.
هذا، وتبقى المحطة الكهربائية الوحيدة في مناطق السلطة الفلسطينية، محطة كهرباء غزة التي تزوِّدها إسرائيل بالغاز، تحت رحمة إسرائيل في إيقاف وإيصال الإمدادات وفق ضغوط السياسات الإسرائيلية. وتبقى الضفة الغربية دون محطة كهرباء حتى الآن، حيث تمدُّها محطة غزة بالكهرباء، بالإضافة إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية. ويتوفر لدى السلطة الفلسطينية حقل غاز مكتشَف في بحر غزة البحري، أوقفت إسرائيل تطويره. ورغم احتياطات الحقل الضئيلة، يمكن أن يزوّد كلاً من غزة والضفة الغربية بالوقود الكافي، في حال سماح إسرائيل بتطويره.
المسألة المهمة في الوقت الحاضر هي الطلب الأوروبي للغاز في ظل حرب أوكرانيا. وأقطار السوق الأوروبية تختلف في سياساتها الطاقوية المستقبلية، إذ إن هناك مصالح اقتصادية مختلفة فيما بينهم، وخصوصاً فرنسا وألمانيا وحلفاءهما. أدى اختلاف قطاع الطاقة الأوروبي إلى تباين في سياساتها المستقبلية، إذ يدور حالياً نزاع بين ألمانيا وفرنسا وحلفائهما الأوروبيين حول موعد إيقاف بيع سيارات محرك الاحتراق الداخلي، ليكون في عام 2035 كما تطالب فرنسا، أو في موعد لاحق كما تدعو ألمانيا التي تطالب، في الوقت نفسه، باستمرار استعمال سيارات محرك الاحتراق الداخلي «وقوداً نظيفاً» بدلاً من «تخريدها». وقد برز، خلال الأسبوعين الماضيين، خلاف جديد بين الدولتين الأوروبيتين الكبريين حول مدى اعتماد الطاقة النووية، بصفة طاقة مستدامة، كبقية الطاقات المستدامة التي يجري اعتمادها للمستقبل. فألمانيا تُعارض استعمال الطاقة النووية، بينما لدى فرنسا العشرات من المفاعلات، وتصدِّر الكهرباء لدول الجوار.
يستمر الاعتماد على الغاز في أوروبا، على الأقل في مرحلة «تحول الطاقة». المشكلة أن أوروبا الشمالية، ولا سيما ألمانيا، والنمسا، وهولندا، قد اعتمدت كلياً على الغاز الروسي المستورد عبر الأنابيب. هذا يعني أن أي تغيير في الإمدادات سيتطلب بعض الوقت لتشييد موانئ ومنشآت لاستقبال الغاز المُسال. وقد بدأت ألمانيا فعلاً بالتشييد اللازم خلال سنتين، وبكلفة نحو 6 مليارات يورو. أما دول أوروبا الجنوبية فوضعها أحسن، إذ تربطها منذ سنوات أنابيب غاز عبر البحر الأبيض، وخصوصاً من الجزائر (حيث تزوّد أيضاً دول أوروبا الجنوبية بالغاز المسال)، بالإضافة إلى كميات إضافية عبر الأنابيب من الجزائر وليبيا والغاز المسال عبر مصر.
تزور وفود أوروبية دولاً مصدّرة للغاز لتعويض الإمدادات الروسية. ورغم أن الدول الغازيّة مستعدّة للتصدير، وخصوصاً الغاز المسال للدول خارج منطقة البحر الأبيض، فهناك عقبة رئيسة تواجه الأقطار الأوروبية: مدة العقود التي عادةً تتراوح نحو عقدين أو أكثر من الزمن، نظراً للمصاريف الباهظة التي تتحمّلها الدولة المصدِّرة، ومحاولة الأوروبيين تقليص هذه الفترة إلى نحو 15 سنة، الأمر الذي تعتبره الدول المصدرة غير اقتصادي لها. وهناك طبعاً المفاوضات حول المعادلة السعرية للغاز.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غاز شرق المتوسط غاز شرق المتوسط



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon