بقلم - وليد خدوري
يطرح دور النفط في ظل سياسة تصفير الانبعاثات بحلول منتصف القرن، سؤالاً مهماً لخبراء الطاقة والاقتصاد العرب، نظراً للآثار المترتبة على هذا التحول التاريخي في مجال الطاقة من جهة، وللاعتماد الواسع من الاقتصادات العربية على الصادرات الهيدروكربونية من جهة أخرى؛ لريعها الضخم في الاقتصاد العربي.
إن مسألة الاعتماد الواسع على الريع البترولي في ردف الاقتصاد العربي ومحاذره ليست بالقضية الجديدة، فقد عالج الأمر عدد من الاقتصاديين العرب منذ منتصف القرن العشرين، وكان الجواب غالباً: ضرورة تعدد القطاعات الاقتصادية الإنتاجية لتفادي فترات انهيار الأسعار لتصدير سلعة واحدة.
بادر خبراء الطاقة العرب، منذ منتصف العقد الماضي، إلى طرح الموضوع من زاوية أخرى: ما دور النفط في ظل سياسة تصفير الانبعاثات، هذه السياسة التي ترمي إلى تهميش استهلاك الوقود الأحفوري بحلول عام 2050.
شارك «منتدى الطاقة العربي»، خلال السنوات الماضية، في هذا النقاش، وخصوصاً خلال مؤتمره السنوي الأخير في 2022 في الكويت، حيث تداول عدد من الباحثين في الموضوع، منهم الدكتور عدنان شهاب الدين، خبير الطاقة العربي، الذي اعتمد على جداول إحصائية ورسوم بيانية في مداخلاته لتبيان توقعات المؤسسات البحثية العالمية حول مدى استهلاك النفط، خلال النصف الثاني من هذا القرن، كما طرح بعض الخيارات والبدائل المتاحة للدول النفطية مستقبلاً. وسنستعرض هنا باختصار بعض مداخلاته.
تدل التطورات العالمية على أن «مرحلة تحول الطاقة» بدأت فعلاً، متمثلة بالآتي: ازدياد أهمية سياسات مكافحة تغير المناخ، والعمل على تحسين البيئة، وعودة الاهتمام الدولي بسياسات «أمن الطاقة»، إثر نشوب حرب أوكرانيا.
تهدف «مرحلة تحول الطاقة» إلى استعمال سياسات طاقوية تخفض من الاحتباس الحراري، لكي يستطيع العالم تحقيق تصفير الانبعاثات بحلول 2050، والحد من زيادة معدل درجة الحرارة عن 1.5 درجة مئوية سنوياً.
واجهت هذه الأهداف صعوبات في تحقيقها؛ نظراً للانهماك في إصابات «كوفيد-19» والغزو الروسي لأوكرانيا. وواجهت سلع الطاقات المستدامة تحديات لعدم توفر الإمدادات الوافية من المعادن النادرة والاضطرابات في سلسلة الإمدادات، كما أدى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء إلى بروز كساد تضخمي عالمي.
لكنْ شكلت بعض قرارات مؤتمر «كوب-27» في شرم الشيخ نقلة مهمة في مفاوضات المناخ، إذ جرى الإقرار مبدئياً بتعويض الدول النامية المتضررة من نكبات تقلبات المناخ، على أن تجري مناقشة وإقرار تفاصيل هذه السياسة في مؤتمر «كوب-28» في الإمارات، خلال خريف 2023، كما جرت الموافقة على قبول الإمدادات والتقنيات ذات الانبعاثات المنخفضة مستقبلاً.
واستعرض الدكتور عدنان الدراسات الاستشرافية والإحصائية للمنظمات البحثية (أوبك، ووكالة الطاقة الدولية، وغيرهما) حول معالم الطاقة المستقبلية لعام 2045، فمن اللافت للنظر التباين في التوقعات المستقبلية. ويُعزى السبب في الخلافات إلى الفرضيات المستعملة: تجارب النمو الاقتصادي الماضية، والسياسات المناخية المتعددة، وأداء تقنيات الطاقة المستدامة، والاستثمارات المتوقعة في بدائل الطاقة.
وهناك توقعات مشتركة بأن الطلب على النفط سيستمر مرتفعاً حتى عام 2045، كما تدل التوقعات المستقبلية على أن نسبة النفط من سلة الطاقة في عام 2045 ستكون بحدود 80 %، مما يعني أنه من الصعب جداً، إن لم يكن من المستحيل، تهميش دور النفط في عام 2050. ومن الجدير بالذكر أن غالبية استهلاك النفط في العالم تتجه الآن إلى القارات الثلاث (آسيا، وأفريقيا، وأميركا اللاتينية) التي يتوقع استمرارها في استعمال الوقود الهيدروكربوني بعد 2050؛ إذ إن معظم هذه الدول لا تزال بعيدة أشواطاً عن تشريع قوانين «تحول الطاقة».
كما تدل الإحصاءات على أنه من الأرجح وصول الطلب على النفط إلى ذروته لنحو 105 ملايين برميل يومياً، خلال النصف الثاني من هذا العقد، على أن يستقر لعدد من السنوات، ثم يبدأ بعدها الانخفاض تدريجياً ليصل إلى مستوى تتفاوت التقديرات بشأنه من 20 إلى 60 مليون برميل يومياً سنة 2050.
وعلى ضوء تباين الطلب على النفط في 2050، اقترح الدكتور عدنان على دول الاحتياطات النفطية الضخمة تبنّي إصلاحات اقتصادية جذرية لتحرير اقتصادها من الاعتماد الواسع على النفط. تشمل السياسات أن تتكون سلة الطاقة المستقبلية من مزيج من الطاقات الأولية النظيفة المنخفضة الانبعاث، فمن الخطأ الاتكال على مصدر طاقة نظيفة واحد فقط، كما تصر مجموعات الخضر الأوروبية؛ إذ إن البديل الناجح هو استغلال جميع التقنيات الواعدة التي تتصف بالحياد الكربوني، لغرض الوصول إلى صافٍ صفري للانبعاثات، من خلال الاعتماد بشكل متزايد على مزيج من مصادر الطاقة النظيفة كافة، إذ بإمكان الدول النفطية المنتِجة الكبيرة إطالة أمد إنتاج وتصدير نفوطها من المكامن التي ما زالت تحتوي على احتياطيات ضخمة، حتى في ظل سياسة تصفير الانبعاثات، وذلك بالمشاركة الفعالة في تطوير تقنيات إزالة الكربون من الوقود الأحفوري أو من الهواء مباشرة، ونشر استخدامها على نطاق واسع. كذلك إنتاج الهيدروجين الأزرق المصنَّع من الغاز الطبيعي أو من مواد هيدروكربونية أخرى.
كما أن هناك مجالاً لتتحول الدول النفطية الضخمة إلى مركز عالمي لصناعة احتجاز الكربون وتخزينه، وهناك مجال ودور واسع لدول مجلس التعاون الخليجي في تحول الطاقة هذا، والحصول على القيمة المضافة الإجمالية للدول الخليجية بالمشاركة في تطوير تقنيات الصناعة الجديدة وتوطينها في أراضيها، حيث ستوفر فرص عمل جديدة، وهناك أيضاً إمكانية الاستفادة من التعاون مع الدول الكبرى التي خصصت مبالغ ضخمة للاستثمار في صناعة اقتصاد وتدوير الكربون، مثل الصين والولايات المتحدة.