بقلم-وليد خدوري
صوتت الولايات المتحدة، للمرة الأولى، منتصف الشهر الجاري ضد قرار سنوي تصدره الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين احتلال إسرائيل هضبة الجولان في سورية، في موقف يناقض ما درجت عليه الإدارات الأميركية السابقة.
وأيدت 151 دولة القرار غير الملزم الذي تبنته لجنة تابعة للجمعية العامة وصوتت ضده إسرائيل والولايات المتحدة، فيما امتنعت 14 دولة عن التصويت. وكانت إسرائيل احتلت الجزء الأكبر من هضبة الجولان خلال حرب عام 1967، وأعلنت ضمها عام 1981، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي. وينص القرار على اعتبار قرار إسرائيل احتلال الجولان وضمّه «باطلاً ولاغياً»، ويدعو إسرائيل إلى العودة عن قرارها. واعتبرت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي أن القرار «عديم الفائدة» و»منحاز كلياً ضد إسرائيل»، مبررة الاعتراض الأميركي على القرار بالدور العسكري لإيران في سورية. وأعلنت هايلي أن الفظاعات التي يواصل النظام السوري ارتكابها تثبت عدم أهليته للحكم، كما أن التأثير المدمر للنظام الإيراني في سورية يشكل تهديداً كبيراً للأمن الدولي. بثت هذا الخبر معظم وكالات الانباء العالمية قبل أسبوعين، إثر التصويت على القرار من دون التعليق على الحجج السياسية التي أوردتها هايلي، وهي أن تصرفات النظام السوري تبرر ضم أراضيه المحتلة، على رغم تناقض ذلك مع القوانين الدولية.
ويشكل هذا التبرير سابقة خطيرة، في ظل اعتبار سوء إدارة الأنظمة في كثير من دول العالم الثالث، والاحتلالات المتكررة هنا وهناك، أعذاراً، ولو كانت وهمية، خصوصاً في حال استغلال الاحتلال الموارد الطبيعية في المناطق المحتلة، كما هو الحال في الجولان، حيث توغلت شركة إسرائيلية-أميركية نفطية عبر نفوذ وتدخلات مسؤولين سياسيين كبار مشاركين فيها لتحقيق مكاسب مالية شخصية، وللشركة طبعاً.
وتأسست شركة «جيني انرجي» عام 2011 في ولاية نيو جرسي الأميركية كشركة قابضة، وتشكل المجلس الاستشاري الإستراتيجي للشركة القابضة من نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني، وصاحب الإمبراطورية الإعلامية في كل من بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا روبرت مردوخ، ورئيس جهاز المخابرات الأميركي (سي أي أي) السابق جيمس وولسي، ووزير المال الأميركي السابق لاري سمرز، ومحافظ ولاية نيو ميكسيكو يبل ريتشاردسون، وسفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة وزير الطاقة السابق جاكوب روتثيليد، وعضو مجلس الشيوخ عن ولاية لويزيانا سابقاً ماري لاندرو. وتتألف اللجان الاستشارية عادة في الشركات النفطية من ممثل لمؤسسة بحثية، أو من شخصين أو ثلاث ذو خبرة ومعرفة في مجال نشاط الشركة، ولكن أن تجمع شركة صغيرة، ولو نفطية، هذه المجموعة الواسعة من الشخصيات النافذة سياسياً ومالياً واعلامياً، فهذا ليس بالأمر السهل، نظراً إلى الأجور الباهظة لكل واحد منهم. وبادرت شركة «جيني انرجي» الى تأسيس شركة فرعية لها في إسرائيل تحمل إسم «أفيك للنفط والغاز» الإسرائيلية-الأميركية برئاسة ايفي ايتام، ومهمتها البحث التجريبي عن النفط والغاز الصخري في هضبة الجولان. وأثار تأسيس شركة نفطية للتنقيب عن البترول الصخري في هضبة الجولان ردود فعل واسعة ومتناقضة في الوقت ذاته. ولجأت أطراف عديدة إلى المحاكم، حيث رفضت المحمة العليا الإسرائيلية في 1 كانون الثاني (يناير) 2015 التماساً لوقف المشروع كانت تقدمت به منظمات بيئية وجمعيات للمستوطنين في هضبة الجولان وأحزاب معارضة، وذلك خشية من تسرب المياه الممزوجة بالكيماويات التي تستعمل لتفكيك الصخر إلى المياه الجوفية وبحيرة طبريا.
وكانت أُصدرت موافقتان سابقاً لشركات نفطية للتنقيب في الجولان، إحداهما في عهد حكومة إسحاق رابين التي أبطلت تنفيذ الاتفاق في حينه خشية المساس بالمفاوضات السلمية مع الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وبدأت «أفيك» الحفر في موقع يدعى «نفط 5» جنوب غرب خزانين للمياه وبين نهرين صغيرين قرب بحيرة طبريا. وتبنت الشركة حملة إعلانية وعلاقات عامة واسعة النطاق في البداية، إذ توقعت العثور على احتياطات نفطية واسعة توفر الاكتفاء الذاتي النفطي لإسرائيل للعقود المقبلة. وأشارت المعطيات بعد حفر البئر الأولى، إلى أن عمليات التنقيب ستصل إلى عمق ما بين كيلومتر وكيلومترين تحت سطح الأرض. وتم بالفعل اكتشاف النفط في البئر الاستكشافي الأول الذي حفرته الشركة أواخر أيار (مايو) 2015، أي بعد 4 أشهر من الحفر. وأبلغت البورصة الأميركية بعثورها على مؤشرات حقيقية لوجود كميات نفط تجارية في الجولان ، ولكن النتائج المتوفرة حتى الآن تشير إلى أن معدل الإنتاج الفعلي متواضع جداً، وبعيد عن التوقعات بتحقيق الاكتفاء الذاتي النفطي لإسرائيل الذي ادعته الشركة في البداية. والكلام بعد حفر البئر يتمحور حول إنتاج ما لا يزيد على مئات آلاف البراميل يومياً.
وبدأت تتكرر تجربة تزايد دور مسؤولين أميركيين سابقين في شركات نفطية صغيرة نسبياً، ومثال على ذلك تجربة بعض الشركات العاملة في إقليم كردستان العراق، إذ أن اللجان التنفيذية لعدد من هذه الشركات تضم مسؤولين مدنيين وعسكريين خدموا في العراق بعد احتلال عام 2003، منهم أحد سفراء أميركا السابقين في العراق. ويوجد كذلك عدد من الجنرالات الذين خدموا في الجيش الأميركي ودبلوماسيون. وتدل المعلومات المتوفرة على أن بعض هؤلاء «المتعاقدين» لعبوا دوراً استشارياً مهماً في تقريب وجهات النظر بين الإسرائيليين والقوى الكردية المؤيدة للاستفتاء العام الماضي الداعي إلى الانفصال عن العراق. والدليل على الدور الإسرائيلي في هذه العملية، حمل العلم الإسرائيلي في شوارع أربيل، قابله استنكار شعبي واسع النطاق.
نقلا عن الحياه اللندنيه
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع