بقلم: وليد خدوري
تزداد مبيعات السيارة الكهربائية في السنوات الأخيرة، لكن لا تزال الصناعة تواجه صعوبات. مثلاً، عدم توفر أعداد كافية من السيارة الكهربائية للإحلال بديلاً عن السيارة التقليدية المستعمِلة للبنزين والديزل، بحلول عام 2050، وفقاً للموعد الذي أقرّه «مؤتمر باريس 2015 لمكافحة تغير المناخ لتصفير الانبعاثات»، كما أن هناك صعوبات في زيادة طاقة تخزين البطارية للسيارة الكهربائية، هذا بالإضافة إلى صعوبة الحصول على المعادن اللازمة للتصنيع، وزيادة الانتقادات حول الانبعاثات الناتجة في مرحلة تصنيع السيارة.
بدأ مؤخراً ازدياد إنتاج ومبيعات السيارة الكهربائية بعد سنوات من التلكؤ. وتشير دراسة صدرت مؤخراً عن «مؤسسة عبد الله بن حمد العطية الدولية للطاقة والتنمية المستدامة»، إلى أن مبيعات السيارة الكهربائية قد ارتفع بشكل ملحوظ مؤخراً، فبينما بلغت المبيعات نحو 120 ألف سيارة كهربائية عالمياً خلال عام 2012، ارتفع عدد المبيعات إلى المعدل نفسه تقريباً خلال الأسبوع الواحد لعام 2021، رغم الإغلاقات التامة الناتجة عن جائحة كورونا. كما يتضح أن نفقات تصنيع السيارة الكهربائية قد انخفض كثيراً خلال العقد الماضي، وازدادت أنواع المركبات الكهربائية؛ فهناك الآن المركبات ذات العجلتين و«الثلاث عجلات»، والسيارات الصغيرة والضخمة والحافلات والشاحنات.
لكن رغم الازدياد الملحوظ في عدد المركبات الكهربائية، فهو لا يُعدّ عدداً كافياً للإحلال محل السيارة التقليدية بحلول عام 2035؛ الموعد اللازم لبدء منع بيع السيارات التقليدية تحضيراً للحصول على تصفير الانبعاثات بحلول منتصف القرن. وتشير موسوعة ويكيبيديا إلى أن نحو 1.4 مليار سيارة كانت تجوب الطرقات في عام 2019، وهذا لا يشمل الشاحنات والحافلات والدراجات النارية.
كما تذكر صحيفة «نيويورك بوست» أن مبيعات السيارة الكهربائية في الولايات المتحدة ارتفع 66 % في عام 2022 عن العام السابق. وتضيف الصحيفة أنه «لا خيار لدينا في هذا الأمر؛ إذ إن بعض الولايات ذات الاتجاه اليساري قد شرعوا القوانين لمنع بيع السيارات التقليدية كلياً بحلول عام 2035، كما هو الأمر في ولايات كاليفورنيا، وأوريغون، وماساتشوستس، ونيويورك. وقد شرعت ولاية واشنطن قوانين مماثلة للبدء بها بحلول عام 2030. وهناك 30 دولة أخرى شرعت القوانين بمنع بيع السيارة التقليدية بحلول عام 2035».
وتعلِّق الصحيفة أن «هذا غباء؛ فهذا لن يحدث، إذ إنه نوع من السحر. ومن الضرورة التنبيه حول بعض الحقائق عن السيارة الكهربائية التي لا يفهمها السياسيون وجماعات الخضر...».
ويشرح تقرير «مؤسسة العطية» بإسهاب الانبعاثات الناتجة عن تصنيع السيارة الكهربائية، ولا سيما الانبعاثات الناجمة عند الاستخراج من المناجم للمعادن المكوِّنة للسيارة (ليثيوم، وكوبالت، ومنغنيز، وغرافيت، ونيكل)، وكذلك الانبعاثات الناتجة عن تصنيع السيارة بهذه المعادن، لكن التقرير يعترف، في الوقت نفسه، بأنه رغم هذه الانبعاثات عند استخراج واستعمال المعادن المشار إليها، فإن الانبعاثات أقل بكثير من تلك المنبثقة عن سيارة محرِّك الاحتراق الداخلي عند تحريكها.
كما يشير تقرير صحافي لنشرة «بلومبيرغ غرين ديلي» إلى تجربة الهند التي تستهدف تحقيق تصفير الانبعاثات بحلول عام 2070. وذكر رئيس الوزراء نارندا مودي أن الهند ستدعم صناعة السيارة الكهربائية بمعونات تبلغ 3.4 مليار دولار للتسريع في إنتاجها ليكون القطاع جاهزاً في عام 2070 لولوج مرحلة تصفير الانبعاثات للبلاد، إذ إن الإنتاج الحالي متأخر عن تحقيق هذا الهدف. ويكمن الهدف، وفقاً لـ«بلومبيرغ»، في دعم الإنتاج المحلي للبطاريات؛ لتقليص العامل الأكثر كلفة في تصنيع السيارة الكهربائية، ومن ثم تقليص سعر السيارة الكهربائية الهندية وتأهيلها للتنافس العالمي مستقبلاً بتخفيض سعرها. وهناك أيضاً دعم مالي حكومي هندي بقيمة 2.3 مليار دولار للمساعدة في إنتاج الدراجات النارية بتطوير خلايا بطاريات متقدمة لها.
لكن تواجه الهند مشكلة كبيرة، إذ لا يتوفر لديها احتياطات وافية من المعادن المطلوبة لتلبية احتياجات السوق الداخلية، ومن ثم كيف ستستطيع الهند المنافسة أيضاً في الأسواق العالمية؟ فالإحصاءات الهندية تشير إلى احتمال زيادة الطلب المحلي على بطاريات الليثوم- أيون بنحو 100 % بحلول عام 2030، ناهيك عن تلبية طلب سوق الصادرات.
تدل دراسة لـ«بلومبيرغ» على أن الطلب العالمي على الجيل الثاني من بطاريات الليثيوم قد ازداد بنحو 50 % في العام الماضي فقط. وتشير التوقعات إلى إمكانية زيادة الطلب أربعة أضعاف بحلول نهاية هذا العقد، فاحتياطات المعادن المطلوبة محدودة نسبياً، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها.
من الواضح أن السيارة الكهربائية أصبحت في الأسواق الآن، وسيزداد عددها مع مرور الوقت، كما ستتحسن وتتطور أنواعها مثلما حدث للسيارة التقليدية خلال القرن العشرين، لكن هناك أسئلة عدة تواجه هذه الصناعة في المستقبل القريب، حالها حال غيرها من الصناعات.
هل من الممكن على ضوء الأرقام المذكورة أعلاه، إنتاج ما يفوق مليار سيارة عالمياً بحلول عام 2050؟ لقد شرعت القوانين لمنع بيع السيارة التقليدية ابتداء من 2030/ 2035 إلى 2050، لكن جرى سنُّ غالبية هذه التشريعات في الدول الصناعية (الغربية)، أما دول القارات الثلاث (آسيا، وأفريقيا، وأميركا اللاتينية) ذات الأغلبية الساحقة من سكان العالم، فمن النادر أن نجد تشريعات كهذه في معظمها. إن الأولوية في معظم دول العالم الثالث هي قهر الفقر المدقع وسرطان الفساد وتحسين مستوى الصحة العامة ومعاهد التعليم ومكافحة البطالة ودرء أخطار الحروب والنزاعات العسكرية المحلية، كما في الشرق الأوسط. وأخيراً، من أين يمكن الحصول على المليارات من الدولارات لمكافحة تغير المناخ في دول العالم الثالث في ظل المتطلبات الآنفة الذكر؟ وما دور الدول الصناعية في زيادة مساعداتها أو تنفيذ ما تعهدت به سابقاً لتحقيق أولويتها هذه؟