بقلم- وليد خدوري
تحسن الاقتصاد العالمي خلال عام 2021، بعد الانتكاسة التي لحقته في عام 2020. وتركز اهتمام معظم الحكومات على إعادة إنعاش اقتصادها لمستوى ما قبل الجائحة، رغم الخسائر التي تكبدتها في مكافحة الجائحة وأسابيع الإغلاق التام. ونظراً للعلاقة العضوية ما بين تحسن الاقتصاد وزيادة الطلب على النفط والغاز، من ثم، ارتفع ناتج الدخل القومي العالمي إلى نحو 5.5 في المائة (بحسب إحصاءات «أوبك») ما أدى إلى زيادة الطلب خلال 2021 إلى نحو 100 مليون برميل يومياً، بمعنى الوصول إلى معدل ما قبل الجائحة. لكن، استمرت جائحة (كوفيد - 19) ومتحوراتها تعصف بالدول بين الحين والآخر، مؤدية إلى الإغلاق التام ثانية في بعض الدول، الأمر الذي أدى إلى بروز تباينات في معدلات العرض والطلب، ما أدى بدوره إلى تباين سياسات الدول المنتجة والمستهلكة، فقد تضررت الدول المنتجة «مجموعة أوبك بلس» بتدهور الأسعار خلال السنتين الماضيتين 2019 و2020، الذي أدى إلى الإخلال باقتصاد العديد من الأقطار الأعضاء، ناهيك عن اضطرار بعض الدول للالتزام بمعدلات الإنتاج المنخفضة نسبياً المحددة لهم من قبل «المجموعة». وبعد التطعيم العالمي ضد جائحة «كورونا» وتقلص عدد الحالات اليومية للمصابين بالجائحة، بدأت «المجموعة» زيادة الإنتاج تدريجياً منذ منتصف عام 2021 تقريباً بحدود 400 ألف برميل يومياً، إلا أن الدول الصناعية المستهلكة الكبرى للطاقة تبنت بسرعة سياسة إعادة إنعاش اقتصاداتها بعد الآثار السلبية للجائحة، بحيث ارتفعت معدلات الطلب على الطاقة بحلول منتصف عام 2021، ومن ثم طالبت بعض الدول بإمدادات نفطية أكثر، لكن برزت في النصف الثاني من 2021 متحورة جديدة أخرى للجائحة، ما أدى إلى الإغلاق التام في بعض الدول الأوروبية وإلى إلغاء الآلاف من رحلات الطيران بالذات خلال الأسابيع الأخيرة من السنة حيث مواسم الأعياد في نصف الكرة الشمالي. ورافقت هذه التقلبات في تطور جائحة «كورونا» مضاعفات أخرى، مثل محاولة تقليص الانبعاثات الكربونية الناتجة عن حرق الفحم بتقليص حرقه، واستعمال الغاز بديلاً عنه.
أدى استمرار اعتماد «مجموعة أوبك بلس» الزيادة الشهرية لإنتاجها 400 ألف برميل يومياً إلى انتقادات الإدارة الأميركية التي طالبت بإمدادات أكثر لتقليص معدل التضخم في الولايات المتحدة. ووافقت «المجموعة» في اجتماعها الأخير لعام 2021 على مراجعة سياستها الإنتاجية للأشهر المقبلة في عام 2022، على ضوء أوضاع الأسواق ومعدلات الطلب في حينه.
تأثرت الأسواق بظاهرة جديدة أيضاً في 2021، بالذات تأثير النتائج المترتبة على تحول الطاقة ومحاولة تقليص الانبعاثات الكربونية؛ إذ قلصت بعض الشركات النفطية استثماراتها، الأمر الذي حذر منه مراراً وزراء النفط في «المجموعة»، نظراً لما سيتركه من آثار سلبية على أسواق النفط. وبالفعل، أدت هذه السياسة – فيما أدت إليه - إلى تخفيض معدلات تخزين الغاز في الدول الأوروبية، رغم التحذيرات المتعددة بخطورة هذا الأمر في حال عودة فصل شتاء بارد قارس في النصف الشمالي للكرة الأرضية، كما حدث في شتاء عام 2020، وهذا ما حصل فعلاً، خلال الشهرين الأخيرين من عام 2021، فبسبب انخفاض المخزون الغازي، تم استعمال غاز الوقود (فيول أويل) بديلاً عنه في توليد محطات الكهرباء، الأمر الذي زاد بدوره من الطلب على النفط الخام وارتفاع أسعاره، حيث ارتفع السعر إلى نحو 80 - 84 دولاراً لبرميل نفط برنت. ولكن، مرة أخرى، انتشرت متحورة جديدة لـ«كورونا» وأغلقت الأماكن وألغيت الكثير من رحلات الطيران أثناء مواسم الأعياد في نهاية السنة، ما أدى إلى تراجع الأسعار إلى نحو 70 - 74 دولاراً للبرميل.
أعلنت الإدارة الأميركية تزويد الأسواق بنحو نصف مليون برميل من مخزونها الاستراتيجي بدءاً من نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) 2021 وحتى شهر أبريل (نيسان) 2022، لكن استمرت الأسعار في الانخفاض لتستقر عند نحو 70 دولاراً للبرميل عند نهاية العام، والسبب هو أن كمية الإمدادات الأميركية قليلة جداً، بالكاد تغطي نصف يوم من الطلب العالمي. تركت الخطوة الأميركية الانطباع في الأسواق أن محاولة البيت الأبيض باستعمال المخزون الاستراتيجي هي لتخفيض الأسعار قبل الانتخابات التشريعية النصفية الأميركية في خريف 2022. في هذه الأجواء، طلبت الولايات المتحدة من دول آسيوية استخدام مخزونها الاستراتيجي أيضاً، لكن دون نجاح في تخفيض معدل الأسعار عن 70 دولاراً للبرميل وذلك بسبب زيادة الطلب العالمي على النفط.
أضاف عامل آخر ضغطاً متزايداً في الطلب العالمي على النفط، وذلك بالنزاع من قبل روسيا من جهة وألمانيا وبقية الأقطار الأوروبية والولايات المتحدة من جهة أخرى، حول البدء باستعمال شبكة «نورد ستريم - 2» الغازية لتصدير الغاز مباشرة من الساحل الشمالي الغربي الروسي لألمانيا عبر بحر البلطيق دون المرور «ترانزيت» عبر دولة أوروبية.
شكلت مسألة مد أنابيب غاز طويلة وضخمة من حقول سيبيريا الغازية الغربية خلافات منذ مد الأنابيب الأولى خلال منتصف عقد الثمانينات للقرن الماضي. فقد عارضت الولايات المتحدة في حينه لأسباب استراتيجية، لكي تمنع اعتماد أوروبا على الغاز الروسي. لكن الأقطار الأوروبية كانت قد اتخذت قراراً في حينه بتخفيض الاعتماد على استيراد النفط واستبداله بالغاز. من ثم، أصبحت روسيا تدريجياً المصدر الرئيس للغاز الطبيعي إلى أوروبا.
أما الآن، وبعد أن استثمرت روسيا نحو 11 مليار دولار لتشييد شبكة «نورد ستريم - 2» لألمانيا، تطالب روسيا بعقود طويلة الأجل لصادراتها الغازية كضمان لاستثماراتها الباهظة الكلفة. هذا بينما تطالب أوروبا بعقود قصيرة الأجل لوارداتها من الغاز لكي تعطيها المرونة في إمكانية استيراد الغاز من مناطق أخرى لاحقاً وتنويع مصادرها من الاستيراد، مثل الغاز السائل الأميركي. ويستمر الاعتراض الأميركي بتقليص الاعتماد الأوروبي على الواردات الغازية الروسية، بالإضافة إلى الزيادة الملحوظة في إمكانات صادرات الغاز المسال الأميركي، التي ستفوق كلاً من قطر وأستراليا، مع بدء عام 2022. وقد فرضت الولايات المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 عقوبات على بضع شركات عاملة في شبكة «نوردستريم» معربة عن غضبها على المشروع. كما تزامن الانتهاء من خط «نورد ستريم - 2» مع تأزم العلاقات الروسية مع الدول الأعضاء في حلف «الناتو» التي تحاول ضم أوكرانيا إلى الحلف، بينما تعارض روسيا ذلك، محتجة ضد وضع صواريخ الناتو على حدودها الغربية.
أدى تقلص الاستثمارات في تخزين الغاز، كمحاولة لتقليص دور البترول في تحول الطاقة المستقبلي إلى إرباك الأسواق بزيادة كبيرة للطلب على النفط. وهذه صورة لما يمكن أن يحصل مرات أخرى مستقبلاً إذا لم يتم تدارك هذه السياسة.
كما شكل عام 2021 تجربة مهمة في مسيرة تحول الطاقة. إذ برهنت على مدى أهمية الموارد الهيدروكربونية في سلة الطاقة، وضرورة إحلالها (الإنتاج الخالي من الانبعاثات) في سلة تصفير الانبعاثات مستقبلاً.