بقلم: وليد خدوري
تستمر مبيعات المركبات الكهربائية في ارتفاع مستمر منذ عِقد تقريباً، حيث بلغت المبيعات العالمية خلال عام 2012 نحو 120 ألف مركبة، مقارنة بمبيعات أسبوعية مقاربة لها في 2021، بحسب التقرير السنوي «المركبات الكهربائية لعام 2022» الصادر عن وكالة الطاقة الدولية، الذي يضيف، أن عدد السيارات الكهربائية على طرق العالم ارتفع إلى 16.5 مليون سيارة في عام 2019.
يضيف التقرير، أن الصين تصدرت عدد مبيعات المركبات الكهربائية عام 2021، حيث تم بيع 3.3 مليون مركبة كهربائية. وبيع في أوروبا 2.3 مليون مركبة، وبلغت المبيعات في الولايات المتحدة 630 ألف مركبة في عام 2021.
ومما يساعد في تقليص تكاليف الإنتاج وزيادة المبيعات الحجم الأصغر للسيارات الكهربائية عن سيارات محرك الاحتراق الداخلي (الاعتيادية). ويؤدي صغر الحجم هذا، بالإضافة إلى انخفاض نسبة تكاليف الإنتاج عن السيارة الاعتيادية، إلى انخفاض الفرق في سعر السيارة الكهربائية تدريجياً. فقد بلغ معدل سعر السيارة الكهربائية في الصين في عام 2021 أكثر 10 في المائة من سعر السيارة الاعتيادية. بينما يستمر ازدياد سعر السيارة الكهربائية عن السيارة الاعتيادية في الأسواق العالمية بنحو 40 - 50 في المائة.
ولا تزال مبيعات المركبات الكهربائية محدودة العدد في الدول النامية والناشئة، فأسعارها لا تزال عالية فوق ما تتحمله القوى الشرائية في هذه المجتمعات. ففي البرازيل والهند وإندونيسيا، تشكل السيارة الكهربائية أقل من 0.5 في المائة من مجمل عدد السيارات في هذه الدول. لكن، تضاعف عدد مبيعات السيارة الكهربائية خلال عام 2021 في الهند التي تشهد توسعاً أكبر في هذا القطاع.
يشير التقرير إلى أن صناعة السيارات تأثرت سلباً كغيرها من القطاعات الصناعية العالمية بسبب جائحة «كوفيد - 19» وحرب أوكرانيا والاضطرابات في سلسلة الإمدادات التجارية. فبدأ يتأخر موعد تسليم السيارات الكهربائية عن المواعيد المحدد لها ومن ثم احتمال انخفاض المبيعات.
لكن تتوقع الوكالة في الوقت نفسه عودة الأسواق إلى أحوالها الطبيعية بحلول نهاية العقد، بحيث يبلغ معدل مبيعات السيارة الكهربائية بحلول 2030 نحو 20 في المائة من مجمل مبيعات السيارات العالمية التي قد يصل عددها عندئذ إلى نحو 200 مليون سيارة سنوياً.
سيتطلب التحول التدريجي نحو المركبات الكهربائية والهجينة تغييرات كبرى في البنى التحتية لإمكانيات الشبكات الكهربائية وعدد ونوعية محطات الخدمة على الطرقات. وبحسب الوكالة، يتم منذ عام 2021 تصنيع 170 موديلاً جديداً للمركبات الكهربائية خارج الصين، على عكس الوضع السابق حيث هيمنت الصين على الصناعة.
إن استعمال الشاحنات والحافلات الكهربائية للنقل مسافات طويلة سيتطلب الإعلان عن سياسات حكومية مناسبة للطرق وكيفية تجهيزها، بالإضافة إلى قوانين جديدة للحد من الانبعاثات، ناهيك عن تشييد محطات الخدمة ودعم القدرة الكهربائية على الطرق؛ الأمر الذي يتطلب بدوره تقوية شبكات الكهرباء لتلبية حاجات هذه الأساطيل من المركبات. ومما سيزيد من التحدي هو تواجد المركبات على الطرق الطويلة مع ازدياد أعداد السيارات المستعملة للطاقة الشمسية على الطرق نفسها. هذا يعني تهيئة الطرق الطويلة لخدمة المركبات الكهربائية والسيارات الشمسية في الوقت نفسه.
تواجه السيارة الكهربائية معضلة ارتفاع أسعار «المعادن الحرجة»، مثل الكوبالت والليثيوم والنيكل، اللازمة لصناعة البطاريات الكهربائية. فقد ارتفعت أسعارها سبعة أضعاف منذ الجائحة وحرب أوكرانيا بسبب الطلب المتزايد على البطاريات والهواتف النقالة.
تزود روسيا 20 في المائة من النيكل للأسواق العالمية. كما أن الإمدادات اللازمة للبطاريات تأتي معظمها من الصين التي تنتج ثلاثة أرباع بطاريات الليثيوم و70 في المائة من الطاقة الإنتاجية لنحاس الكاثود. وهذا الأمر سيزيد من أهمية جيوسياسية هذه الصناعات الحديثة.
ومن الملاحظ أن تقرير الوكالة صب جل تركيزه على زيادة مبيعات المركبات الكهربائية خلال الأعوام القريبة الماضية، دون الأخذ كفاية بالعراقيل التي بدأت تواجه الاقتصاد العالمي من الكساد التضخمي والعقوبات الدولية على روسيا ومدى تأثير عودة الحرب الباردة بين الشرق والغرب على عولمة الاقتصاد.
كما عالج التقرير مستقبل المركبات بحلول منتصف القرن، دون الأخذ كفاية بدور وعدد المركبات التي تستعمل البنزين والديزل. فمن الواضح، أن معظم أقطار العالم الثالث غير مستعدة بعد، كما أشار التقرير، للتغيير للمركبات الكهربائية والاستغناء عما بحوزة هذه الدول من المركبات الاعتيادية بحلول منتصف القرن. والأسباب إما اقتصادية بحتة، أو أن الحكومات لم تشرع لحد الآن القوانين والأنظمة اللازمة لاعتماد المركبات الكهربائية. كما أن تغيير قدرة الشبكة الكهربائية خارج المدن لاستيعاب إمكانية شحن المركبات على الطرق الطويلة ومعها المركبات التي تعمل بالطاقة الهجينة لا يزال خارج أولويات معظم أقطار دول العالم الثالث.
لقد كان منتظراً أيضاً من تقرير سنوي كهذا توفير المعلومات الوافية عن احتياطات المعادن الحرجة المستعملة في البطاريات. فهل الاحتياطات وافية للصناعات الحديثة من مركبات كهربائية وهواتف نقالة؟ وما هي الزيادة المتوقعة في أسعار المعادن عند ازدياد الطلب؟ إذ قد بدأ ارتفاع أسعار هذه المعادن منذ الآن. ولم يتطرق التقرير بدقة إلى مسألة الحصول على المعادن الحرجة ومحدودية توفرها في دول معينة، وما التحديات الجيوسياسية التي تواجه هذا الأمر، ناهيك عن كمية الاحتياطات المتوفرة وهل هي وافية لتلبية الطلب على كل من الهواتف النقالة والمركبات الكهربائية... وماذا عن أسعار هذه المعادن عند ارتفاع الطلب عليها؟