بقلم: وليد خدوري
أعلن وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، الأسبوع الماضي، أن المملكة تنوي زيادة طاقتها النفطية الإنتاجية من معدلها الحالي البالغ حوالي 12 مليون برميل يوميا إلى 13.3 - 13.4 مليون برميل يوميا بحلول نهاية عام 2026 وأوائل عام 2027. وأضاف الأمير عبد العزيز بن سلمان أن الزيادة ستأتي مع إنهاء العمل على زيادة الطاقة الإنتاجية في المنطقة المحايدة (المقسومة) بين الكويت والسعودية.
تدل الرسالة لهذا التصريح على ثلاثة أمور مهمة في الصناعة النفطية العالمية:
أولا: تؤكد السعودية ثقتها بمستقبل النفط، واستعدادها للاستثمار في اكتشاف وتطوير الحقول النفطية رغم الموعد المحدد لتصفير الانبعاثات بحلول عام 2050. وتدعم هذه الرسالة تصريحات سبقتها حول المشاريع التي أعلنت عنها السعودية لاستعمال سياسة تدوير اقتصاد الكربون وتخزينه بشفط ثاني أكسيد الكربون من الإنتاج النفطي. بمعنى أن المجال سيكون مفتوحا لتسويق هذه النفوط «الخضراء» حسب قوانين وأنظمة تصفير الانبعاثات المستقبلية.
هذا، وكانت شركة «أرامكو السعودية» قد أعلنت سابقا عن تطوير حقل «الجافورة» الغازي العملاق، الذي تقدر احتياطاته بنحو 200 تريليون قدم مكعبة من الغاز الصخري. ومن المتوقع بدء إنتاج الغاز من الحقل بنهاية عام 2024، على أن يبدأ إنتاج نحو ملياري قدم مكعبة من الغاز يوميا بحلول عام 2030. ويعتبر إنتاج هذا الحقل ضمن خطط السعودية لتنويع موارد اقتصاد البلاد، إذ يعول أن يلعب الحقل دورا رئيسيا في إنتاج الهيدروجين الأزرق، الذي يعد ضمن مجموعة المصادر المستقبلية المهمة للوقود المستقبلي منخفض الكربون.
من الجدير بالذكر أن دولا منتجة أخرى، من بينها الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا والصين والنرويج والإمارات وغيرهم، قد تبنوا أيضاً مشاريع شفط وتخزين الكربون للتهيؤ لمرحلة ما بعد 2050 رغم أن هذه الصناعة بقيد البحث والتطوير، لكن كدلالة على نجاحها في إنتاج النفط الخالي من الانبعاثات والالتزام بالاستمرار في إنتاج واستهلاك النفط بمعايير تصفير الانبعاثات بعد منتصف القرن لعقود عدة نظرا للتوفر الضخم للاحتياطات النفطية، مما سيسمح باستمرار استثمار آلاف ملايين البراميل من احتياطات النفط التي لا تزال تحت باطن الأرض. وهذا الأمر سيساعد بدوره في تزويد العالم بإمدادات طاقوية هيدروكربونية صديقة للبيئة بالإضافة للطاقات المستدامة.
ثانيا: يشكل الإعلان عن استمرار زيادة الطاقة الإنتاجية السعودية خير رد على القانون المضاد للاحتكارات المنتجة والمصدرة للنفط «نوبك» الذي تبنته اللجنة القانونية في مجلس الشيوخ الأميركي ومن ثم وافق عليه مجلس الشيوخ باتهام أقطار «مجموعة أوبك بلس» بالاحتكار ومحاولة زيادة الأسعار من خلال تقليص الإمدادات. والأمر الآن بانتظار قرار الرئيس الأميركي. إن إعلان السعودية بالتفصيل عن كمية زيادة الطاقة الإنتاجية إلى 13.3 - 13.4 مليون برميل يوميا بحلول نهاية عام 2026 وأوائل عام 2027 سيعني زيادة الطاقة الإنتاجية إلى معدلات قياسية للسعودية، وللتأكيد على مصداقية التوقعات تم تحديد الوقت المحدد لذلك والأهم من ذلك تسمية الحقول التي سيتم استثمارها وتطويرها لهذا الغرض. وهذه جميعها معلومات تزيد من المسؤولية والمصداقية على السياسة البترولية للمملكة.
ثالثا: تمارس السعودية، أكبر دولة منتجة عالميا، سياسة الإعلان عن حجم ومصدر الزيادة في طاقتها الإنتاجية المستقبلية لطمأنة الأسواق والشركات النفطية إلى إمكاناتها الإنتاجية. ويرادف نشر هذه المعلومة مع التصريح بالمعلومات الأخرى لتحقيق المصداقية، كمعدلات الإنتاج ومدى الاستهلاك والتصدير الشهري. تشكل مجمل هذه الأرقام منظومة متكاملة من الإحصاءات، إذ أن شفافيتها المستمرة تنعكس على بقية أرقام المملكة البترولية. وتوفر هذه المصداقية عاملا إيجابيا مهما للسعودية، كأكبر دولة منتجة للنفط، في استقرار الأسواق العالمية، واللاعب المهم في منظمة «أوبك» ومجموعة «أوبك بلس».
هذا، وقد لعب منتدى الاقتصاد الدولي دورا مهما، فهو يشمل في عضويته أكبر تجمع عالمي للطاقة، ومقره في الرياض، إذ يضم جميع أقطار منظمة «أوبك» ودول منتجة أخرى، بالإضافة إلى الأقطار الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية، ودول مستهلكة أخرى. يهدف هذا التجمع العالمي الأكبر إلى الحوار وجمع المعلومات، بالذات من خلال منصة «جودي» التي يديرها المنتدى، حيث ترسل الأقطار الأعضاء معلومات شهرية حول معدلات الإنتاج، التصدير والاستهلاك الداخلي. وهذه المعلومات المتوفرة على موقع المنتدى أدت إلى الكثير من الشفافية والمصداقية في معلومات التجارة النفطية العالمية، مما ساعد في وقف اللغط والبلبلة الذي كان يسود الأسواق سابقا حول المعدلات أعلاه. وبالفعل، أصبحت «جودي» مصدرا موثوقا عالميا للأرقام الحديثة العهد في صناعة النفط العالمية.