بقلم : وليد خدوري
أثار أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفرد، جيمس ستوك، المسائل الشائكة التي تواجه تسعير الكربون الذي سيتم شفطه مستقبلاً من الانبعاثات في الهواء، والموارد الهيدروكربونية والصناعات، مشيراً إلى التحديات التي ستواجه هذه الصناعة المهمة في عصر الطاقات المستدامة.
تنطلق الدراسة من المعطيات التالية: إن هناك قبولاً ومصداقية عالمية، حكومية وشعبية، واسعة، لاستنتاجات وتحذيرات العلماء لضرورة وضع سقف لازدياد درجة الحرارة حوالي 1.50 – 2.00 درجة مئوية مقارنة بمعدل درجة الحرارة المسجلة خلال الثورة الصناعية في القرن 19، وأن تحقيق هذا الهدف هو السبيل الرئيس لتفادي أضرار كارثية للنظم البيئية وصحة الإنسان وأحواله الحياتية.
يشير البروفسور ستوك إلى بعض الخطوات التي تم تبنيها لحد الآن: تبني الأهداف الطموحة من قبل الدول لتقليص الانبعاثات المضرة للاحتباس الحراري. ففي الربيع الماضي، تبنت بريطانيا هدف تخفيض 78 في المائة من الانبعاثات بحلول عام 2035، مقارنة بمستواها لعام 1990. كما تبنت إدارة الرئيس بايدن اقتراحاً، لا يزال بحاجة إلى موافقة الكونغرس، هدفه تخفيض انبعاثات الاحتباس الحراري حوالي 50 في المائة بحلول عام 2030، مقارنة بمعدلها في عام 2005. في الوقت نفسه شرعت ولايات كاليفورنيا، وكولورادو، وماسسوشيست، ونيويورك، القوانين لكل منها تنص على تخفيض الانبعاثات إلى الصفر بحلول عام 2050.
لكن يحذر البروفسور ستوك في الوقت نفسه من أن «أزمة المناخ مهمة جداً، ومن غير المسموح فشل هذه الأهداف الطموحة». على ضوئه، يطرح ستوك سلسلة من التحديات التي ستواجه صناعة الكربون وسبل معالجتها.
ويشير ستوك إلى أن الطريقة الحالية لتسعير الكربون تنطلق من تبني معدل سعري معتدل ليرتفع تدريجياً، لأجل تحفيز المستهلكين لاستعمال مصادر طاقة أقل انبعاثاً للكربون. لكن يقترح ستوك من جانبه، أن السعر الاقتصادي للكربون هو ذلك الذي يشجع على وسيلة فعالة لشفط أكبر كمية ممكنة للانبعاثات بأقل التكاليف.
حسب الأستاذ ستوك، لا يأخذ تسعير الكربون الحالي الوقائع السياسية بخصوص التسعير الكربوني بما فيه الكفاية. وبالذات فيما يتعلق بالاعتراضات الموجودة والكامنة ضد ضريبة الكربون. فرغم المحاولات القائمة عبر عقود من الزمن، يجد أن هناك نسبة ضئيلة جداً من انبعاثات الكربون التي يتم فرض نظام سعري لها. وحتى في حال وجود هذا النظام السعري، فسعر الكربون ضئيل جداً.
ومما سيزيد من تفاقم المشكلة مستقبلاً، حسب ستوك، هو محاولة فرض تسعيرة موحدة للكربون على الصعيد الاقتصادي برمته. هنا يطرح الأستاذ ستوك سؤالاً وجيهاً: هل ستصبح «الطاقة الخضراء» أكثر كلفة مما هو متوقع، بالذات أكثر كلفة من الطاقة المعتمدة على الوقود الأحفوري؟
تشهد الدول الصناعية ظاهرة بارزة مؤخراً. فكلفة تقنيات الطاقات الخضراء (السيارة الكهربائية، على سبيل المثال) قد انخفضت بصورة دراماتيكية. وهذا يطرح السؤال: هل من وسيلة لاقتراح سياسات عالمية لتغيير المناخ بتكاليف أقل، بحيث تصبح «الطاقة الخضراء» أقل كلفة من طاقة الوقود الأحفوري؟
يجيب الأستاذ ستوك، تواجه الأسئلة هذه ثلاثة تحديات على الأقل:
أن الاحتباس الاحتراري يشكل «تحدياً خارجياً»، فالأضرار الناتجة عن الاحتباس الحراري لا يتحمل تكاليفها الشخص الذي يحرق الوقود الأحفوري.
ثانياً، دور «التحدي الخارجي» في التقنية. إذ إن قصته مثل قصة البيض والدجاجة. فالسيارات الكهربائية تحتاج إلى محطات لشحن البطارية. فبدون محطات الشحن هذه لا يمكن ترويج السيارة الكهربائية. في الوقت نفسه، فإن عدم وجود السيارة الكهربائية يلغي الحاجة لمحطات الشحن والبطاريات.
ثالثاً، هناك «التحدي الخارجي» للتقنيات الجديدة. إذ عادة لا يستفيد المخترع من نجاح أبحاثه، بل تستفيد أجيال مستقبلية من الاختراعات، بعد تسويقها وترويجها، مما قد يأخذ وقتاً طويلاً. هذا الأمر يتطلب في بعض الأحيان الدعم الحكومي بالمساعدات أو الإعفاءات الضريبية في بادئ الأمر لتشجيع أصحاب الاختراعات من علماء وشركات.
يفتح التعامل مع التقنيات الحديثة المجال الواسع والإمكانات لنشوء صناعة سيارة كهربائية عالمياً، الأمر الذي يجب استغلاله. فمن أجل توفير الخلفية الصناعية الواسعة والمترابطة، يتوجب توفير المساعدات الحكومية في دعم هذه الصناعة التقنية عند تأسيسها وتحفيزها للانطلاق إلى أوسع الأسواق العالمية.
ويشير الأستاذ ستوك في الوقت نفسه إلى ظاهرتين: أن كلفة توليد الكهرباء بالطاقات النظيفة (الرياح والشمسية) قد انخفضت بصورة دراماتيكية، بحيث مثلاً: في بعض أنحاء الولايات المتحدة أصبح تشييد أنظمة كبيرة للطاقات الشمسية أو الرياح أقل كلفة من استخراج الفحم من المناجم. ثانياً: أصبح استعمال الطاقات النظيفة أقل كلفة من استعمال الوقود الأحفوري في بعض القطاعات الاقتصادية.