بقلم-وليد خدوري
تم تشخيص إميلي تواجه الأسواق النفطية مرحلة جديدة من تدهور الأسعار. فانخفض سعر نفط «برنت» من 86 دولار في منتصف تشرين الأول (أكتوبر)الماضي الى 60 دولار . والاتجاه يدل الى احتمال استمرار انخفاض الأسعار.
لعبت التطورات السياسية دورا مهما في تغير اتجاهات الأسعار. فبدلا من ارتفاعها دولارا يوميا خلال النصف الأول من تشرين الأول بسبب توقع انخفاض الامدادات الإيرانية نتيجة التهديد الأمريكي بفرض الحصار على النفط الإيراني ابتداء من 4 تشرين الثاني (نوفمبر) . انعكس اتجاه الأسعار الى الانخفاض السريع بعد ان استثنت واشنطن كبرى الدول المستوردة للصادرات الإيرانية من الحصار (الصين، اليابان، الهند، وكوريا الجنوبية، بالإضافة الى ثلاث دول اخرى) . ويستمر هذا الاعفاء من الحصار حتى أوائل أيار (مايو) المقبل. اذ ستتخذ واشنطن قرارا جديدا عندئذ، بناء على حجم الاستيراد لهذه الدول من النفط الإيراني ومدى انخفاض الاستيراد تدريجيا بحلول الأول من أيار المقبل، وتتطلع الأسواق الى السياسة الصينية ، اكبر دولة مستوردة للنفط الإيراني، لمدى نجاح الحصار.
وافقت الصين مع بقية الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن على الاتفاق النووي الإيراني وتصر على التمسك به. من المعروف ان الصين استمرت في استيراد النفط الإيراني خلال الحصار العالمي السابق على ايران، مع بعض التخفيض في حجم الاستيراد. لذا لا يستبعد ان تستمر الصين في خرق الحصار الأمريكي الان، الذي لا يجد تأييدا دوليا له من الدول الأوروبية وغيرها . وقد تخفض الصين جزئيا من استيراداتها وتستعمل ورقة تخفيض استيراد النفط الإيراني في مفاوضاتها التجارية والجمركية مع الولايات المتحدة لكي تخفض واشنطن من قيودها التجارية ومن الرسوم الجمركية الجديدة التي تود فرضها على السلع الصينية. كما يتوقع استمرار كلا من الشركتين الصينيتين (سينوبيك وشركة البترول الصينية الوطنية) الاستمرار في تحميل حصتهما من انتاجهما من الحقول الإيرانية خلال فترة تقليص الاستيراد هذه. ومن المتوقع تقلص الاستهلاك الصيني خلال الأشهر المقبلة مع الانخفاض الذي حصل في ناتج الدخل القومي الى 6.50 بالمئة، مما سيؤدي بدوره الى تقليص الطلب على النفط الخام.
تشير تجربة الصين وغيرها من الدول الى التحديات التي تواجه الأسواق خلال النصف الأول من 2019. ففي حال التقليص التدريجي للاستيراد من ايران، هناك احتمال اتخاذ قرار امريكي جديد في أيار للنصف الثاني من العام . فاما استمرار الاستثناءات مما يساعد الطلب العالمي ، او تصعيد الحصار مما سيقلص الامدادات الإيرانية في منتصف 2019. ستزيد هذه الصورة المضطربة لتخفيض الإنتاج او زيادته القلق في أسواق العالم حتى منتصف العام المقبل.
خلقت الطلبات الامريكية المتناقضة التي دعت أولا، وفي نفس الوقت، الى مقاطعة النفط الإيراني والطلب من الدول المنتجة زيادة صادراتها لتوازن الأسواق في حال حجب النفط الايراني، خلقت هذه المطالب زيادة في الامدادات عن الطلب، مما أدى بدوره الى ارتفاع المخزون. تجاوبت معظم دول «أوبك» وبقية الدول المنتجة لهذه المطالب. لكن فوجئت الأسواق بالمطلب الأمريكي الثاني المناقض الذي دعا الى استثناء الدول المستوردة الرئيسة وزيادة الإنتاج في نفس الوقت. تفاجأ المنتجون الذين كانوا يتهيؤون لتخفيض الإنتاج. مما يلفت النظر طوال هذه الفترة، وتلك التي سبقتها ، حيث حاولت السعودية واقطار «أوبك» ومعهم «مجموعة الدول ال24» المنتجة غير الأعضاء في المنظمة، بقيادة روسيا، صب جل اهتمامهم لتحقيق الاستقرار في الأسواق ؛ هذه السياسة التي بدأ تنفيذها بنجاح منذ الأول من 2017 لأجل تفادي استمرار انهيار الأسعار الى أقل من 30 دولار . وقد أدى نجاح التعاون ما بين الدولتين النفطيتين الكبريتين الى ارتفاع الأسعار الى حوالي 60-70 دولار ومن ثم الى 86 دولار بسبب مخاوف الحصار على ايران، أدى هذا التعاون الى بروز سياسة نفطية عالمية ذات أبعاد استراتيجية غير مسبوقة ما بين موسكو والرياض .
لكن الذي حصل ، هو استمرار الزيادة العالية والسريعة لانتاج النفط الأمريكي، بالذات النفط الصخري منه. فبرغم اقتصاديات الأسواق العالمية التي تتطلب التعاون لاستقرار الأسواق على ضوء مستوى المخزون التجاري من ناحية او معدلات الطلب العالمي من ناحية أخرى، نجد ان انتاج النفط الأمريكي ارتفع بصورة مستمرة منذ ان سجل معدل انتاج 5 مليون برميل يوميا في 2010 ليرتفع الى 11.7 مليون برميل يوميا خلال الربع الأخير 2018 وتوقعات باستمرار ارتفاعه الى 12 مليون برميل يوميا في 2019. وذلك بسبب زيادة انتاج النفط الصخري.
تختلف التقديرات حول إمكانية زيادة امدادات النفط الصخري. يحذر بول كيبسغارد، الرئيس التنفيذي لشركة «شلومبيرجير» اكبر شركة للخدمات البترولية للحقول في العالم، يحذر من التوقعات المتفائلة لزيادة انتاج النفط الصخري. ويتوقع صعوبات في المستقبل المنظور لأسباب عدة: عدم توفر طاقة وافية في خطوط الانابيب لاستيعاب شحن الامدادات المتزايدة. هذا بالإضافة، الى التباطؤ في عملية زيادة الإنتاج من حوض «بيرمين» في ولايتي تكساس ونيومكسيكو ، حيث يشكل هذا الحوض أعلى مستويات زيادة النفط الصخري.
كما أشار الرئيس التنفيذي لشركة «شلومبيرجير» في حديث هاتفي مشترك له مع المراقبين والمحللين، نشرت ملخصا له جريدة «الفايننشال تايمز» اللندنية ، أنه أصبح من الصعب زيادة الإنتاج من بعض الحقول لبلوغها مرحلة النضوج. وأنه قد بدأ حفر بعض الابار في مناطق سبق الحفر فيها . وأضاف كيبسغارد : « بدأ التساؤل حول دقة التوقعات ، وتخفيض التفاؤل حولها بزيادة الطاقة الإنتاجية.»
من المتوقع أن يواجه الاجتماع الاعتيادي النصف السنوي لمجلس وزراء المنظمة في 6 كانون الأول نقاشا مستفيضا حول طلب واشنطن زيادة الإنتاج في نفس الوقت الذي تتدهور فيه الأسعار. وهناك تجارب للمنظمة لهذه المناقشات ، أهمها قرار زيادة الإنتاج عند بداية الانهيار الاقتصادي في شرق اسيا في نهاية التسعينات ، مما أدى بدوره الى تدهور سريع للأسعار. لكن مما سيفاقم الأمور الان الحرص على استمرار تنسيق الأمور مع روسيا حيث ذكر الرئيس بوتين ان اقتصاد بلاده ينشد سعر حوالي 70 دولار. وهناك وجهات نظر دولا أخرى لديها طاقة إنتاجية فائضة تحاول ان تصدرها. او غيرها لديها نقص في السيولة المالية، او عجز ضخم في الموازنة. تطفح هذه الأمور على السطح عادة عند المداولة في زيادة او تخفيض الإنتاج.
نقلا عن الحياه اللندنيه
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع