بقلم: وليد خدوري
قرر المجلس الوزاري لمجموعة «أوبك بلس» الإسراع بزيادة رفع الإنتاج إثر قرار زعماء الاتحاد الأوروبي فرض حظر نفطي على الصادرات النفطية الروسية للأقطار الأوروبية.
وبحسب البيان الصحافي الصادر عن الاجتماع؛ فإنه «نظراً إلى أن استمرار أساسيات سوق النفط وأن الإجماع للتطلعات المستقبلية تشير إلى سوق متوازنة. وبالنظر إلى تأثير العوامل الجيوسياسية وعوامل أخرى، كاستمرار إصابات الجائحة». من ثم، قررت مجموعة «أوبك بلس» في مؤتمرها عبر الفيديو كونفرس في 5 يونيو (حزيران)، «تعديل إنتاج شهر يوليو (تموز) بزيادة 648 ألف برميل يومياً، بدلاً من 432 ألف برميل يومياً حددت في الأشهر السابقة».
استطاعت «أوبك بلس» بجهود وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، رئيس «أوبك بلس» بقرارها هذا، التوصل إلى قرار جيوسياسي مهم يأخذ بنظر الاعتبار الخلافات الحادة في العلاقات الدولية ما بين الدول الكبرى وانعكاساتها البترولية، إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، وذلك بتسريع وتيرة زيادة الإنتاج النفطي لتعويض الحظر الأوروبي وملافاة أي خلل في الأسواق نتيجة للمقاطعة الأوروبية للنفط الروسي.
من جهته، صرح نائب رئيس الوزراء الروسي وزير الطاقة ألكسندر نوفاك، لقناة «روسيا 24» التلفزيونية بأن «من المهم لموسكو مواصلة التعاون مع (أوبك بلس)»... كما ألقى باللائمة على الغرب، وقال «إن المستهلكين الأوروبيين سيكونون أول من يعاني بسبب قرار المقاطعة. وإن روسيا ستجد سبلاً لبيع نفطها إلى أسواق أخرى».
ومن الجدير بالذكر، أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اجتمع في الرياض الأسبوع الماضي مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي. كما استطاعت «أوبك بلس» المحافظة على وحدتها ومشاركة روسيا في الاجتماع الوزاري واستمرار تحمل موسكو لتنفيذ قرارات المجموعة، رغم الحصار، ورغم الشائعات التي تسربت إلى الأسواق قبيل الاجتماع بمعارضة استمرار روسيا في مجموعة المنتجين.
وقد لاقى قرار «أوبك بلس» ارتياحاً أيضاً من قبل البيت الأبيض لتسريع وتيرة زيادة الإنتاج نظرا للارتفاع العالي في أسعار المنتجات البترولية الأميركية وآثارها على ارتفاع أسعار التضخم المحلي، حيث ازداد سعر غالون البنزين في الولايات المتحدة على 7.50 دولار. وذلك قبيل الانتخابات التشريعية المقبلة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، وقد طلب الرئيس الأميركي جو بايدن مراراً خلال الأشهر الماضية زيادة وتيرة تسريع الإنتاج. إذ ذكر البيت الأبيض في تعليق فور انتهاء اجتماع «أوبك بلس»، أن الولايات المتحدة ترحب بقرار دول «أوبك بلس» زيادة إمدادات النفط.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارن جان بيبر، إن «المملكة العربية السعودية كرئيس (أوبك بلس)، وكأكبر منتج في التحالف، ساعدت في الوصول إلى هذا الاتفاق ما بين أعضاء المجموعة». ومن الجدير بالذكر، أن هناك اتصالات دبلوماسية جارية للإعداد لزيارة الرئيس جو بايدن دول الشرق الأوسط، من ضمنها السعودية، خلال الفترة القريبة المقبلة.
فرض الاتحاد الأوروبي في 30 مايو (أيار) بعد أربعة أشهر من المداولات والخلافات العقوبات على استيراد النفط الروسي بسبب الحرب الأوكرانية، والتي ستغطي نحو 70 في المائة من واردات النفط الروسية في المدى القريب، ونحو 90 في المائة بحلول نهاية العام. كما منعت شركات التأمين الأوروبية تقديم خدماتها للناقلات الروسية؛ مما سيقلص كثيراً من تصدير النفط الروسي إلى أوروبا عبر الناقلات، لكن سيسمح بالنقل عبر الأنابيب، لخدمة دول وسط أوروبا، المجر بالذات؛ لعدم تمكنها من الاستيراد البحري. وكانت المجر قد عارضت الحظر سابقاً، لكن هذا الحل الوسط سمح للتصويت بالإجماع على القرار، كما تنص قوانين الاتحاد.
ولم يتم فرض الحظر حتى الآن على الصادرات الغازية لاستمرار الخلافات ما بين الدول الأوروبية، ولإعطاء الوقت اللازم للدول المعتمدة كلياً على صادرات الغاز الروسية عبر الأنابيب تدبير البدائل اللازمة مستقبلاً. وتستمر موسكو بالسماح لتصدير البترول لأوروبا، باستثناء فنلندا التي قررت مؤخراً قبول العضوية في حلف الناتو.
كما أصرت روسيا على الدفع بالروبل وإيقاف الصادرات لمن يعارض ذلك. وتم أيضاً إيجاد حل وسط لهذا القرار فقد سمح بفتح حسابين في أحد كبرى المصارف الروسية، أحدهما بالعملة الصعبة والآخر بالروبل. من ثم، تدفع الشركة الأوروبية ثمن وارداتها البترولية بالعملة الصعبة وتحول هذه القيمة من قِبل المصرف الروسي رأساً إلى حساب الروبل.
سيترك هذا الحظر بصماته بشكل واضح على الأسواق الدولية. فقد بدأت الإمدادات النفطية الروسية تتجه إلى الأسواق الآسيوية (الصين والهند) بأسعار مخفضة. وهذه هي الأسواق نفسها التي تستوعب الزيادة في نفوط الخليج-العراق-وإيران. من ثم، سيترك هذا الاتجاه الجديد في الصادرات الروسية أثاره على الصادرات الخليجية، إما بإعطاء حسومات منافسة للحسومات الروسية، أو الاتجاه غرباً لتعويض النفوط الروسية في الأسواق الأوروبية.
من المتوقع الاستمرار على المدى القريب للأسعار العالية للمنتجات البترولية؛ نظراً إلى انخفاض مخزون المنتجات عالميا، وعدم توفر عدد كافٍ من المصافي لتكرير الطلب المتزايد على النفط، نظراً إلى عدم الاستثمار اللازم في هذا القطاع النفطي بسبب الدعوات المستعجلة لتصفير الانبعاثات. وفي المديين المتوسط والبعيد، ستستمر الضغوط في الأسواق الأوروبية على المنتجات البترولية، إلى حين تتأمن هناك إمدادات وافية بديلة عن النفط الروسي، ناهيك عن الصعوبات المتوقعة في سوق الغاز الأوروبية، التي ستشكل تحدياً أكبر لأوروبا في التعامل معه. ستضطر إلى أن تلجأ أوروبا لاستيراد إمدادات غازية جديدة، وهذا ليس بالأمر السهل أو السريع، بسبب لوجيستيات (طرق إيصال) الغاز عبر شبكة أنابيب أو الغاز المسال (عبر توفر المنشآت اللازمة من ناقلات متخصصة ومنشآت التسييل)، ناهيك عن المفاوضات مع الدول المنتجة. ويتوقع في الوقت نفسه لجوء بعض الأقطار الأوروبية إلى سياسات متناقضة: عودة اللجوء إلى استخراج الفحم المتوفر محلياً، رغم تلوثه. أو الإسراع في تشييد الطاقات البديلة، بالذات طاقة الرياح في الدول المطلة على البحار. وهناك نقاش جارٍ أوروبياً لإمكانية استعمال المفاعلات النووية الصغيرة الحجم لتوليد الكهرباء؛ رغم أنه لا تزال هناك تحفظات عدة لاستعمال الطاقة النووية، بالذات المخاوف من الإشعاعات، كما حدث في مفاعل تشرنوبل في أوكرانيا عام 1986.