توقيت القاهرة المحلي 23:03:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دبلوماسية «براغماتية» لغاز «شرق المتوسط»

  مصر اليوم -

دبلوماسية «براغماتية» لغاز «شرق المتوسط»

بقلم: وليد خدوري

تشير دراسة صدرت حديثاً إلى أن الخلافات الجيوسياسية في شرق المتوسط وإخفاق «سياسة الغاز» الأميركية للمنطقة الغازية الحديثة العهد، قد أدت إلى تأجيل تشييد خط أنبوب لتصدير غاز شرق المتوسط للأسواق الأوروبية، مما أدى بدوره إلى عدم إمكانية غاز شرق المتوسط على المدى القصير تلبية الطلب الأوروبي للغاز بسبب العجز في الإمدادات الروسية الناتج عن حرب أوكرانيا.

وتضيف الدراسة أن الاحتياطات المحدودة نسبياً لغاز شرق المتوسط تشكل عائقاً آخر لاستيراد الأقطار الأوروبية لغاز شرق المتوسط، من ثم فإنه من الأفضل استهلاك الغاز محلياً أو إقليمياً وتلبية الطلب الداخلي للغاز في دول المنطقة نفسها، بخاصة أن هناك أسواقاً ضخمة إقليمياً، بالذات المصرية والتركية، ناهيك عن عدم توفر طاقات هيدروكربونية وافية لحد الآن في بعض الدول (الأردن ولبنان ومناطق السلطة الفلسطينية المحتلة).

تشير الدراسة أيضاً، إلى أن إخفاق «سياسة الغاز» الأميركية للمنطقة حتى الآن يضيف عاملاً ثالثاً لضرورة إعطاء الأهمية اللازمة لاستهلاك الغاز إقليمياً بدلاً من التركيز على تصديره إلى أوروبا، فإن سياسة تسويق الغاز محلياً وإقليمياً أنجع اقتصادياً وحتى جيوسياسياً في إنجاح التعاون الاقتصادي الإقليمي.

عنوان الدراسة هو: «إعادة التفكير بدبلوماسية الغاز في شرق المتوسط»، وصدرت في أواخر شهر أبريل (نيسان) الماضي عن «إنترناشيونال كرايسس غروب»؛ المؤسسة الدولية غير الحكومية التي تم تأسيسها عام 1995 للتعريف باشتداد الأزمات قبل نشوبها لمحاولة تفادي الصراعات.

لقد أدت الاكتشافات الغازية المهمة في شرق المتوسط مع بداية الألفية إلى زيادة الاهتمام بموارد الطاقة في المنطقة وإمكاناتها الاقتصادية، مما أدى إلى التركيز على استغلال السياسات الغازية لمحاولة حل أزمات المنطقة. وقد أولت الولايات المتحدة اهتماماً كبيراً لـ«سياسة الغاز» هذه، آملة أن تؤدي الاكتشافات الشرق أوسطية الحديثة العهد ومشاريع التصدير لأوروبا إلى الدفع بأطراف النزاعات المتعددة إلى طاولات المفاوضات.

وبالفعل، فالدولتان ذاتا الاكتشافات الغازية الكبرى حتى الآن، مصر وإسرائيل، بادرتا بتأسيس «منتدى غاز شرق المتوسط». كما بادر الاتحاد الأوروبي بدراسة الجدوى الاقتصادية والفنية لمد خط أنابيب للصادرات القبرصية والإسرائيلية، هذا الخط الذي ازدادت أهميته كثيراً مع نشوب الحرب الأوكرانية في شهر فبراير (شباط) 2022، حيث توقف الصادرات الغازية الروسية لأوروبا، لكن بحسب الدراسة، كان من المهم جداً بدء العمل بهذا المشروع عند بداية الحرب الأوكرانية؛ إذ يتضح أن مشروع الخط «قد أصبح ميتاً الآن لأسباب اقتصادية وبيئية».

وكما هو الوضع مع الآمال المنشودة من تأسيس المنتدى ومشروع خط الأنابيب، فقد برهنت الآمال الطموحة في بداية الاكتشافات على المغالاة في «سياسة الغاز» الأميركية التي حاولت استعمال سياسات الغاز في حل النزاعات ما بين دول شرق المتوسط.

من ثم، تستنتج الدراسة أنه «يتوجب الآن على جميع الأطراف ذات العلاقة تبني أهداف أقل طموحاً وأكثر براغماتية»، وذلك من خلال تبني «نهج أكثر تواضعاً لمشاريع محلية لدعم استغلال الغاز إقليمياً لتشجيع الاندماج والاستقرار، والاستمرار قدماً في نفس الوقت بمشاريع الطاقات المستدامة».

وتوالت الاكتشافات الغازية العملاقة في شرق المتوسط منذ بداية الألفية: حقلا «تامار» و«ليفايثان» في المياه الإسرائيلية، وحقل «أفروديت» في المياه القبرصية، وحقل «ظهر» في المياه المصرية. وقد أدى اكتشاف «ظهر» إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي تقريباً للاستهلاك المحلي المصري من إمدادات الغاز، كما همش أهمية حجم الاحتياطات الإسرائيلية مقارنة بالاحتياطات المصرية. فقد حلت مصر في المرتبة الأولى غازياً في شرق المتوسط، بدلاً من إسرائيل التي احتلت هذه المرتبة في بادئ الأمر.

الاكتشافات الضخمة رفعت آمال الدبلوماسيين الأميركيين والأوروبيين في استغلال فرصة هذه الاكتشافات للدفع بسياسة تصدير الغاز إلى أوروبا للتشجيع في الحصول على اختراقات لحل النزاعات السياسية في شرق المتوسط، نظراً للفوائد الاقتصادية المشتركة الممكن تحقيقها من قبل الأطراف المتنازعة في حال تنفيذ المشاريع التصديرية الضخمة بصورة مشتركة، ثنائياً أو جماعياً. وبهذا يستغل تصدير الغاز في تسوية النزاعات السياسية المزمنة ما بين دول المنطقة.

سكبت الدراسة ماء بارداً على وجهة النظر أعلاه، وعلى الاتفاقات الغازية التي تم تحقيقها ما بين دول شرق المتوسط المنتجة حتى الآن من خلال اعتماد «سياسة الغاز» الأميركية، بالذات الاتفاقات ما بين إسرائيل ومصر والأردن، فرغم إيجابيات هذه الاتفاقات بالنسبة للتعاون الإقليمي المشترك، تشير الدراسة إلى أنه يجب ألا ننسى أن «إسرائيل قد وقعت منذ فترة طويلة اتفاقات سلام مع هاتين الدولتين».

أما اتفاقية إسرائيل مع لبنان، حيث تستمر هناك حال حرب ما بين البلدين، فإنها ذات أهمية أكبر؛ إذ «أدت الاتفاقية الإسرائيلية - اللبنانية إلى رسم الحدود البحرية فيما بينهما». فاتفاقات الغاز ما بين إسرائيل ومصر والأردن لم تحقق إلا القليل في «السلام البارد» ما بينهم، رغم اتفاقيات السلام... وبالنسبة للاتفاق الإسرائيلي - اللبناني، فإنه «لا يدل على القضاء على حالة العداوة المستمرة لعقود من الزمن بينهما».

أثارت الدراسة الموضوع في الوقت الحاضر للأسباب التالية: تجتاح المنطقة عدة نزاعات سياسية وصراعات عسكرية، منها: النزاع بين إسرائيل وفلسطين، وبين إسرائيل ولبنان، وبين تركيا وقبرص واليونان، بالإضافة إلى نزاعات أخرى.

وتشير الدراسة إلى أن «الوعد الطموح» بتصدير إمدادات غازية ضخمة إلى أوروبا قد يؤدي إلى «تزايد وتصاعد النزاعات»، كما أدت إليه السياسة التركية التوسعية في ليبيا وقبرص وما أثارته من نزاعات قديمة وجديدة؛ هذا في حين أخفقت «سياسة الغاز» الأميركية التي حاولت معالجة الأسباب الكامنة وراء هذه النزاعات وغيرها.

ما الذي يمكن عمله إذاً، وبالذات مع إخفاق خطط الاتحاد الأوروبي لتشييد أنبوب بحري لتصدير الغاز للأسواق الأوروبية؟ تقترح الدراسة أن تولي حكومات شرق المتوسط الاهتمام بالأسواق الإقليمية والداخلية، والتعاون فيما بينها. وتدعو أولئك الذين يقترحون تسوية الأزمات السياسية للاهتمام أولاً بالحلول السياسية لحل نزاعات المنطقة، ومن ثم استعمال «سياسة الغاز» الاقتصادية كعامل مساعد لإحلال الاستقرار ما بين دول المنطقة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دبلوماسية «براغماتية» لغاز «شرق المتوسط» دبلوماسية «براغماتية» لغاز «شرق المتوسط»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon