بقلم - وليد خدوري
تستعمل «أوبك» ومجموعة «أوبك بلس»، «الطاقة الإنتاجية الإضافية» المتوفرة لديها في زيادة أو تخفيض الإنتاج كلما دعت الحاجة إلى ذلك لأجل استقرار الأسواق. ومن الملاحَظ أن الأسواق وأسعار النفط العالمية تتغير يومياً تقريباً لأسباب متعددة، منها تغيُّر في ميزان العرض والطلب ومنها التحديات الجيوستراتيجية، وكذلك الشائعات. فهذه العوامل تؤدي إلى تغير الأسعار، مما يستدعي بدوره زيادة أو تخفيض الصادرات لتزويد الإمدادات اللازمة لتأمين الطلب المتزايد أو تخفيض الصادرات لوضع حد أدنى للأسعار في حال تدهور الطلب و-أو الأسعار. تطرح المتغيرات قصيرة أو بعيدة المدى في الأسواق ضرورة توفر «الطاقة الإنتاجية الإضافية» كوسيلة لدى الدول المصدِّرة للمحافظة على استقرار الأسواق.
هناك نوعان من «الطاقة الإنتاجية الإضافية»: أولاً، التي تُستعمل استراتيجياً لاستقرار الأسواق عند اختلال ميزان الطلب والعرض. وثانياً، عندما تخطط دولة لزيادة إنتاجها بحيث يفوق لفترة عابرة وبكميات محدودة نسبياً «الكوتا» المحددة لها من «أوبك» أو من «أوبك بلس»، مما يستدعي من هذه الدول الضغط لزيادة حصتها المحددة لها لتحقيق الأرباح الممكنة من «الطاقة الإضافية» المتاحة لها مرحلياً، بالذات عند زيادة الأسعار ومحاولة الاستفادة من هذه الفرصة.
لكن من الصعب جداً معرفة «الطاقة الإنتاجية الإضافية» المتوفرة عند الدول المصدِّرة. ولا تتبين هذه «الطاقة الإضافية» الحقيقية إلا عند الارتفاع السريع والعالي للأسعار. ففي هذه الفترات تحاول بعض الدول المصدِّرة الإنتاج بكامل طاقتها للاستفادة من زيادة الأسعار، من ثم تطالب هذه الدول بزيادة الحصة المقررة لها من «أوبك» أو «أوبك بلس».
من الملاحَظ أن معظم الأقطار غير الأعضاء في «أوبك» والمنضمين لـ«أوبك بلس» لديهم «طاقة إنتاجية إضافية» محدودة جداً، ومن ثم لها تأثير ضئيل على الأسواق. أما في أقطار «أوبك» فـ«الطاقة الإنتاجية الإضافية» المهمة (مليون وأكثر من البراميل اليومية) متوفرة مثلاً عند السعودية. هذا في الوقت الذي لدى بعض أقطار «أوبك» مئات الآلاف من البراميل اليومية الإضافية، بينما تنتج أقطار «أوبك» أخرى بكامل طاقتها وحسب الحصة المخصصة لها فقط.
يكثر النقاش في المجال العام حول دور «أوبك» و«أوبك بلس» في استقرار الأسواق. وقد نشرت «الجمعية الدولية لاقتصاد الطاقة» مؤخراً دراسة هي الأولى من نوعها، والمثير في النشر أن دورية الجمعية، «ذي إنرجي جورنال» المحكَّمة، أصدرت الدراسة بشكل خاص على منصة متخصصة قبل نشرها في الدورية نفسها. عنوان الدراسة: «استقرار الأسواق: أداء (أوبك) وحلفائها» بقلم حصة المطيري والباحثين أكسل بيرو وجيمس سميث في «مركز الملك عبد الله للدراسات والأبحاث البترولية» (كابسارك). قدمت الدراسة تحليلاً لمساهمات الدول المصدِّرة في استقرار الأسواق خلال الفترة الممتدة ما بين الأعوام 2001 و2021 التي شهدت مراحل مهمة في الصناعة النفطية العالمية.
تبحث الدراسة بنهج علمي، معتمدةً على نموذج رياضي لمدى نجاح «أوبك» في استقرار الأسواق، وحددت أربع مراحل لدور «أوبك» خلال الفترة المحددة هي: الازدهار في قطاع السلع، والمحافظة على حصص الدول المصدِّرة في الأسواق، والفترة قبيل الجائحة... ثم عالج البحث دور «أوبك» والمجموعة في الفترة بُعيد الجائحة.
تعترف الدراسة بأن هناك وسائل أخرى تساعد أيضاً في استقرار الأسواق، مثلاً النفوط غير الاعتيادية من خارج «أوبك» (النفط الصخري)، والمخزون النفطي التجاري والاستراتيجي، وتعاون مجموعة «أوبك بلس» مع منظمة «أوبك». تأسست المجموعة في عام 2016، وبدأ تعاونها الفعلي مع «أوبك» في يناير (كانون الثاني) 2017، لكن، وكما هو معروف تتكون هذه المجموعة من أقطار ذات إمكانيات نفطية متباينة وذات سياسات بترولية مختلفة. من ثَمَّ تكمن وجهات نظر متعددة ضمن هذه المجموعة، ناهيك بالتباين في أداء بعض أعضائها.
استنتجت الدراسة أن هناك سياسات مستمرة ودائمة لـ«أوبك» للمحافظة على استقرار الأسعار والأسواق. هذا، رغم محاولة «أوبك» الدفاع عن حصتها في أسواق النفط، أحياناً. كما تدل الدراسة على أن «أوبك» حاولت لفترات طويلة زيادة طاقتها الإنتاجية الإضافية لاستيعاب المفاجآت في الأسواق وردع الارتفاع السريع والعالي للأسعار.
كما استنتجت الدراسة أن هناك فروقات في سياسات «أوبك» الإنتاجية من تلك الخاصة بسياسات مجموعة «أوبك بلس». واستنتجت أيضاً أن تعاون «أوبك» مع حلفائها في «أوبك بلس» أدى إلى ردع هبوط الأسعار خلال الجائحة، ومن ثم إلى ارتفاعها بعد الجائحة، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن دور «أوبك» في تزويد الإمدادات الإضافية ورفع الأسعار كان أكبر بكثير من دور الأقطار في «أوبك بلس» من غير «أوبك».