بقلم - وليد خدوري
أصدرت هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس، الأسبوع الماضي، قراراً لصالح العراق تمنع فيه تركيا من السماح بتصدير نفط إقليم كردستان العراق دون موافقة السلطات العراقية؛ بمعنى آخر موافقة مؤسسة تسويق النفط العراقية (سومو). والقرار ملزم للطرفين. وبالفعل وافقت تركيا عليه ومنعت تصدير نفط إقليم كردستان مباشرة بعد صدور القرار.
وبحسب الاتفاقية العراقية - التركية لخط أنابيب كركوك - جيهان، يمتلك العراق جزء الأنابيب في الأراضي العراقية، في حين تمتلك تركيا الجزء الآخر الذي يعبر أراضيها. كما ينص الاتفاق ما بين الدولتين، على أنه يتوجب حصول موافقة الحكومة العراقية على ضخ النفط عبر الخط وتحميله في ميناء جيهان، ممثلة بوزارة النفط، وتنوب عنها «سومو».
بلغت الصادرات أخيراً عبر الخط نحو 90 ألف برميل يومياً من نفط كركوك تسوقها «سومو» في السوق التركية، ونحو 400 ألف برميل يومياً من نفط إقليم كردستان الذي يتم تصدير معظمه إلى ميناء عسقلان الإسرائيلي. اعترضت الحكومة العراقية بين الحين والآخر على تصدير النفط إلى إسرائيل؛ إذ إن العراق لا يزال رسمياً في حالة حرب مع إسرائيل. وقد لجأ الإقليم للتصدير إلى إسرائيل بحسومات عالية بعد أن منعت محكمة في تكساس السماح بتصدير النفط للولايات المتحدة؛ لأن الحكومة العراقية صنفت صادرات نفط الإقليم بـ«نفط مهرب». وقررت الأقطار الأوروبية الامتناع عن شراء نفط الإقليم لاعتباره «مهرباً»، أسوة بالقرار الأميركي.
توقفت الصادرات النفطية للإقليم خلال الأسبوع الماضي إثر امتثال تركيا للقرار. وأعلنت الشركات العاملة في الإقليم عن توقف صادراتها واللجوء إلى تقليص الإنتاج وتخزينه، لكن نظراً لصغر حجم الطاقة التخزينية بدأت بعض الشركات إيقاف الإنتاج، مما سيشكل خسارة مالية فادحة للإقليم.
أرسلت حكومة الإقليم وفداً إلى بغداد للتفاوض. ويسود التشاؤم من إمكانية التوصل إلى حل سريع، نظراً لتعقيد المواضيع المختلف عليها، وهي عديدة: نص القوانين العراقية على دور «سومو» في إدارة تسويق صادرات النفط الخام والمنتجات البترولية العراقية. والخلاف بين بغداد وأربيل على قانون النفط والغاز لإقليم كردستان. كما أن هناك نزاعاً يمتد عقدين من الزمن، منذ بداية 2003، حول حصة الإقليم من الموازنة السنوية للدولة العراقية، هذه الحصة التي تقدر حسب عدد سكان المحافظات الثلاث للإقليم، لكن دون التزام حكومة الإقليم بتسليم ريعه النفطي لوزارة المالية العراقية، كما هو الحال لبقية المحافظات.
هناك ضغوط على كل من الطرفين للتوصل إلى حل قريباً. فالخسارة المالية للإقليم ضخمة بسبب مصاريفه الباهظة لتضخم جهازه البيروقراطي، ناهيك بمشاكله مع شركات النفط التي سددت تكاليف تشييد الأنبوب النفطي عبر أراضي الإقليم مقابل التسديد لها لاحقاً بإمدادات نفطية. وكذلك قيام بعض شركات النفط التجارية بإقراض الإقليم مسبقاً لقاء دفع الإقليم لاحقاً النفط الخام.
هذا، وتتشكل حكومة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني من تحالف ثلاث كتل سياسية (شيعية، وسنية وكردية – بالذات الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة البرزاني). ومن ثم، فإن إطالة الخلاف، دون التوصل إلى حل سريع، ليست من مصلحة الطرفين. ففي نهاية المطاف، تنادي قوى سياسية متعددة في العراق، بضرورة التزام الإقليم بالقوانين النفطية السارية على باقي المحافظات العراقية. والأمر الأهم هو الدور الأساسي لـ«سومو» في عمليات تصدير البترول.
كما أن هناك خلافات نفطية - دستورية أخرى. فرغم المشاركة الواسعة للأكراد في الاستفتاء والموافقة على دستور عام 2015، هناك خلاف حول دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان. وقد أصدرت المحكمة الاتحادية العليا (وهي أعلى محكمة عراقية) حكماً في 15 فبراير (شباط) 2022، بعدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان لمخالفته الدستور الاتحادي، وألزمت حكومة الإقليم بتسليم الحكومة الاتحادية متمثلة بوزارة النفط كافة الوثائق والحسابات والخطط والصور وبيانات الإنتاج المتعلقة بتطوير الحقول وإنتاجها لغاية تاريخه، كما ألزمت حكومة الإقليم بتمكين وزارة النفط وديوان الرقابة المالية الاتحادي من متابعة إبرام العقود لبيع النفط والغاز في الإقليم، إلا أن حكومة الإقليم عارضت قرار المحكمة ولم تنفذه حتى الآن.