أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن عقوبات اقتصادية على الصين، تتمثل فى فرض رسوم جمركية بنحو 60 مليار دولار على واردات السوق الأمريكى من السلع الصينية، بالإضافة لتقييد الاستثمارات المشتركة بين البلدين وتحديدها فى مجالات معينة، وأوضح ترامب أن تلك العقوات جاءت كرد طبيعى لما تمارسه الصين من سرقة «التكنولوجيا الأمريكية» وعدم احترامها لضوابط حقوق الملكية الفكرية عالمياً.
وجاء هذا القرار بعد دراسات وتحقيقات أجرتها جهات أمريكية مختصة حول قضية تأثير التوسع التجارى الصينى على الاستثمار والتجارة الأمريكية، خاصة مع اتجاه الصين لتقليد السلع والمنتجات المختلفة بهدف إتاحة بدائل مُقلدة بتكنولوجيا مقبولة، وبسعر أقل بما يمكنها من المنافسة القوية على الأسواق الاستهلاكية فى الدول الفقيرة والنامية التى تمثل الأغلبية حول العالم.
وتقديرى الشخصى لهذا القرار بأنه قرار جرئ جاء فى وقته لوقف الغزو الصينى لأسواق كافة الدول حول العالم بمنتجات منخفضة الجودة، تلعب فيها على محور السعر الرخيص فقط، الذى يتناسب مع الدخول المنخفضة للمواطنين فى أغلب الدول النامية.
وأدى هذا الغزو الصينى إلى تقلص فرص البيع لدى كثير من صناعات الدول النامية التى كانت تتيح منتجات بجودة منخفضة وبسعر منخفض أيضاً، واعتبر المستهلكون من فئات محدودى ومتوسطى الدخل المنتجات الصينية هى البديل المناسب عن السلع مرتفعة الجودة والسعر التى ترد إليهم من أمريكا وأوروبا واليابان، وعن السلع منخفضة الجودة والسعر التى كانت ترد إليهم من أسواق الدول النامية.
كما مثلت الممارسات التجارية للصين على مدار العقدين الماضيين تحدياً كبيراً أمام قدرة الصناعات الناشئة فى الدول النامية على المنافسة محلياً، نتيجة غزوها لتلك الأسواق وممارستها لبعض سياسات الإغراق بهدف إخراج المنتجين المحليين والإنفراد بالمنافسة فى تلك الأسواق مع اتباع آليات فعالة للترويج والمبيعات.
وساهمت تلك السياسات فى تضخم تجارة الصين مع العالم إذ سجلت حجم تجارة العملاق الأسيوى خارجياً نحو 4.1 تريليون دولار فى 2017، منها 2.3 تريليون دولار صادرات صينية للعالم الخارجى، و1.8 مليار دولار واردات للصين من العالم، بما يشير لتحقيق الاقتصاد الصينى فائضاً ضخماً بنحو 500 مليار دولار عن تجارته الخارجية خلال عام واحد فقط.
وحول إمكانية استفادة مصر من قرار ترامب بفرض العقوبات على الصين، فيمكننى طرحها فى نقطتين رئيسيتين، الأولى تتمثل فى إمكانية محاكاة قرار ترامب بقرار مصرى يحجم واردات مصر من الصين، خاصة على صعيد السلع الاستهلاكية التى يتوافر لها بديل محلى، أو يمكن ترشيد الاستهلاك منها بشكل عام، ويبلغ حجم الواردات المصرية من السوق الصينى حوالى 9.5 مليار دولار فى 2017 منها حوالى 4 مليارات دولار سلع استهلاكية يمكن إنتاجها محلياً مع توفير حماية محدودة للصناعة المحلية.
ومن المتوقع حال بدء دراسة إصدار قرار مصرى بفرض رسوم حماية على بعض الواردات الصينية أن تتوجه الشركات الصينية لدراسة الاستثمار فى السوق المصرى من أجل أن تمكن من البيع فيه باعتباره أكبر سوق استهلاكى فى المنطقة العربية ومن أكبر الأسواق الاستهلاكية فى المنطقة، حيث تعتبر التسهيلات التى يحصل المصدرون الصينيون فى إمكانية نفاذ منتجاتهم للسوق المصرى أحد أبرز الأسباب وراء عدم تفضيل الشركات الصينية ضخ استثمارات إنتاجية كبيرة فى السوق المصرى، ويبرر ذلك أن حجم الاستثمارات الصينية فى السوق المصرى لم تتخط حاجز المليار دولار، وهو مستوى منخفض بشكل كبير مقارنة باستثمارات الشركات الصينية فى عدد من الأسواق الأفريقية وخاصة جنوب أفريقيا ونيجيريا وأثيوبيا.
وعن التكلفة التى من الممكن أن تدفعها الشركات المصرية نتيجة معاملة الصين المنتجات المصرية بالمثل فستكون محدودة للغاية حيث لم تتخط الصادرات المصرية للصين حاجز 480 مليون دولار فى 2017، بما يمثل حوالى 2% من إجمالى صادرات مصر للخارج.
النقطة الرئيسية الثانية فتتعلق بضرورة تكثيف المفاوضات المصرية مع الولايات المتحدة لتنمية التعاون التجارى معها خلال الفترة الحالية وذلك حتى يكون للشركات المصرية نصيباً فى الإحلال محل السلع الصينية بالسوق الأمريكى، خاصة مع الحجم الضخم لواردات الولايات المتحدة من الصين، حيث سجلت وارداتها فى عام 2017 من السلع الصينية حوالى 400 مليار دولار دولار تتوزع بين مختلف القطاعات الإنتاجية، وبالتالى لو نجحت الشركات المصرية فى الحصول على نصيب بحوالى 5% من مشتريات السوق الأمريكى من السلع البديلة للسلع الصينية فسيحقق الاقتصاد المصرى تطورات كبيرة فى إجمالى صادراته الصناعية التى لا تتخطى حاجز الـ 25 مليار دولار سنوياً.
وهنا يجب على الحكومة المصرية أن تستغل الفترة الحالية التى تتسم بعلاقة استثنائية قوية بين الرئيس السيسى والرئيس ترامب، فى تكثيف مفاوضاتها مع الجانب الأمريكى لتحسين شروط التبادل التجارى بين الطرفين وتحليل الفرص المتاحة أمام السلع المصرية للدخول للسوق الأمريكى فى هذا التوقيت، وانتهاز هذا الوقت قبل فوات الأوان للفوز بحصة من سوق واردات أمريكا.
ولابد من بدء التفاوض العاجل لتعديل بروتوكول المناطق الصناعية المؤهلة - كويز بإدخال أقاليم جديدة أو سلع جديدة له، باعتباره آلية سريعة لتنمية التبادل التجارى بين البلدين مقارنة باتفاقية التجارة الحرة التى من المتوقع أن تستغرق المفاوضات اللازمة لتوقيعها بين القاهرة وواشنطن أكثر من 3 سنوات، هذا لو افترضنا جدية الجانب الأمريكى فى هذه المفاوضات.
نقلاً عن المصري اليوم