رسائل شفافية ومصارحة، بعث بها حسن عبدالله محافظ البنك المركزى، حول أوضاع الاقتصاد المصرى وملفات العملة والتضخم إلى جانب القرار الجرىء وغير المسبوق برفع أسعار الفائدة 600 نقطة أساس دفعة واحدة.. المحافظ تخلى، خلال مؤتمر صحفى نهاية الأسبوع، عن الكلام الرسمى واللغة الصعبة للاقتصاد محاولاً شرح الأوضاع ببساطة ونقلها إلى المواطن العادى لفهم أهداف وفلسفة القرارات والإجراءات الإصلاحية وأسباب ومبررات اتخاذها فى هذا التوقيت والنتائج المترتبة عليها، وشدد على أن نجاحها سيتحقق بدعم وتعاون الجميع، وأنها مجرد «بداية» لوضع الاقتصاد المصرى فى مكانة تليق به.
■ لماذا هذه الزيادة الضخمة فى أسعار الفائدة؟ وهل تؤثر على الإنتاج والتوسعات الاستثمارية الجديدة؟..
■ لماذا لم تسمع الدولة للأصوات التى تنادى بالإبقاء على سعرين للعملة حتى لا تنفجر موجات أخرى من التضخم؟
■ هل يمثل توحيد سعر الصرف حلًا سحريًا لكل مشكلات الاقتصاد المصرى؟
■ هل انتهى عصر الدفاع عن العملة والتدخل فى سوق الصرف الأجنبى وخضوع الأسعار بشكل تام لآليات العرض والطلب؟
■ وما الحلول لضمان توفير موارد مستدامة للعملة الصعبة وعدم حدوث أى عجز فى المستقبل؟■ هل يتم إلغاء قرارات حدود بطاقات الائتمان الأمر الذى من شأنه خلق مناخ إيجابى وثقة بين أسواق المستهلكين فى فوائد المنظومة الجديدة للعملات الأجنبية؟
محافظ المركزى بدأ حديثه بتوجيه الشكر للعاملين بالقطاع المصرفى ورؤساء البنوك المحلية وفريق البنك المركزى من العاملين ومجلس الإدارة لما تحملوه من العمل والتخطيط تحت ضغوط كبيرة من الصدمات الخارجية والمشكلات الداخلية، بهدف ترسيخ قطاع مصرفى قوى يمكنه اتخاذ هذه القرارات «الجريئة والمهمة» ضمن خطة واضحة المعالم، تعمل عليها مؤسسات الدولة المصرية كافة، لاستعادة قوة وحيوية الاقتصاد وإحداث التوازن والثقة بما يعود بنتائج إيجابية على كل فئات الشعب المصرى، ولعل أهمها انحسار التضخم واستقرار الأسعار.
حسن عبدالله قال إن قرار لجنة السياسة النقدية زيادة الفائدة 600 نقطة أساس، يستهدف وضع التضخم على مسار نزولى للوصول به إلى معدلات أحادية، متابعًا: «خطابى الآن للمواطن العادى.. ببساطة لدينا تضخم وهو أشرس وأخطر مرض يمكن أن يصيب أى اقتصاد، لأنه يعبر عن ارتفاع الأسعار وتراجع القيمة الشرائية للعملة، ودفع المواطنين طوال الفترة الماضية للتخلى عن الجنيه المصرى وشراء السلع من أول الثلاجة حتى الذهب والدولار وتخزينها للحفاظ على قيمة مدخراتهم ضد التوقعات المستقبلية باستمرار صعود معدلات التضخم».
أضاف المحافظ: “مع توقعات صعود التضخم كان لا بد من تطبيق زيادة قوية وجريئة لأسعار الفائدة؛ لتعزيز الاستثمار فى العملة المحلية وزيادة قيمتها مقارنة بالسلع والعملات الأجنبية”.
أكد أن الاقتصاد المصرى الآن على «مسار تنازلى” فيما يتعلق بأسعار الفائدة وليس “تصاعديًا” كما كان فى الماضى، موضحًا أن سعر الفائدة رغم أهميته الكبيرة يعد “جزءًا من الحل” لمشكلات الاقتصاد، وتتكامل معه إجراءات أخرى كثيرة تُتخذ بالتنسيق مع الحكومة، كالإفراج عن البضائع بالموانئ وغيرها، تمهيدًا للوصول على معدلات تضخم أحادية.
وأردف: “ما حدث مجرد بداية تحتاج إلى مواصلة العمل بقوة من جانب البنك المركزى والاقتصاد الحقيقى، فقد مررنا جميعًا بأوقات عصيبة بسبب التوقعات والمضاربات حول العملة والذهب والتضخم».
وفيما يتعلق بسعر الصرف، أكد حسن عبدالله أن البنك المركزى «لم ولن يستهدف سعر صرف محددًا للجنيه»، وأن التدخل فى السوق سيتم فى إطار الضوابط العالمية المتعارف عليها مثل حدوث تذبذب شديد وغير منطقى للعملة، يتم رصده داخل سوق تعاملات ما بين البنوك «الإنتربنك».
وأكد المحافظ أن مرتكز السياسة النقدية قائم فى الوقت الراهن ومستقبلا على «استهداف التضخم للوصول به إلى مستويات أحادية تقترب من المعدلات داخل الدول المتقدمة»، فى ظل خطة تجرى بتنسيق كامل بين البنك المركزى ووزارة المالية وجميع جهات الدولة، تشتمل على عناصر أخرى بجانب الفائدة من بينها ضبط الاإنفاق العام والاستثمارى.
أوضح أن سعر الصرف ليس حلاً بمفرده، وإنما هو «بوابة للطريق الصحيح»، فلا بد من العمل بقوة على الاقتصاد الحقيقى لتعزيز مواردنا من العملة الصعبة عبر تدشين صناعات قوية وإيجاد حلول مستدامة تضمن عدم العودة مرة أخرى لمشكلة عجز السيولة الأجنبية، «وهذا ما يحدث الآن على أرض الواقع بتنسيق كامل فى جميع الاتجاهات».
محافظ المركزى قال إن العديد من الأصوات كانت تنادى بالإبقاء على سعر الصرف عند مستوياته السابقة منعًا لحدوث موجة تضخمية جديدة، بينما كانت رؤيتنا فى البنك المركزى وجميع مؤسسات الدولة هى ضرورة توحيد سعر الجنيه، إذ إن وجود سعرين للعملة داخل أى اقتصاد يُعد «مرضًا لا تستقيم معه الأمور وخطرًا يمس كل مواطن»، فى ضوء ما يسببه ذلك من وجود أسواق موازية لكل السلع والخدمات وانتشار توقعات متضاربة وغير دقيقة حول القيمة المستقبلية للأسعار والعملات وحتى إدارة التدفقات النقدية للدولة ومدفوعات الدين.
ونصح المحافظ المواطنين بتأجيل وتقليص مشترياتهم من السلع والخدمات المختلفة خلال الفترة الراهنة خاصة أن «التضخم أصبح على مسار تنازلى»، بعد أن تم القضاء على مبررات زيادة الأسعار غير المنطقية من خلال البدء فى تدبير العملة بالأسعار الرسمية عبر الجهاز المصرفى لعدد كبير من قطاعات الاقتصاد المصرى، وتابع قائلا: «لدينا ما يكفى ويفيض لسداد التزاماتنا خاصة مع توحيد سعر الصرف»، نافيًا ما تردد عن تدخل البنك المركزى فى سوق الصرف، ومؤكدا أن عمليات تدبير العملة فى اليومين الماضيين تمت عبر موارد حقيقة للبنوك.
المحافظ قال أيضًا إن القطاع المصرفى لديه تراكمات من الطلب على العملة «ستتم تلبيتها جميعًا خلال فترة وجيزة»، مؤكدا أن الدولة المصرية الآن على المسار الصحيح لاستعادة توازن الاقتصاد بمجهود وتعاون جميع فئات الشعب ومؤسسات الدولة والدعم القوى من القيادة السياسية.
وحول تأثير الزيادة الكبيرة لأسعار الفائدة على مناخ الأعمال وتنفيذ التوسعات الاستثمارية الجديدة، أوضح محافظ المركزى أن «الفائدة» تشكل نسبة لا تتجاوز 12% من تكلفة أى منتج وعند ترجمة معدل الزيادة الأخير للفائدة فإن هذه النسبة سترتفع لنحو 12.8% بفارق 0.8 نقطة مئوية فقط، بينما ترك معدلات التضخم عند مستوياتها الحالية يؤثر بالسلب فى بقية تكلفة الإنتاج ويدفع لتآكل قدرة المواطنين على الشراء، ومن ثم إلحاق الضرر بالاقتصاد ككل على المديين المتوسط والطويل، مؤكدا أن “الحرب ضد التضخم والسيطرة عليه تأتى لمصلحة الجميع”.
وعن مخاطر العملة، قال المحافظ حسن عبدالله إن البنوك المحلية لديها الأدوات التى يمكن أن تساعد من خلالها مجتمع الأعمال على التحوط ضد هذه المخاطر عبر تثبيت سعر الصرف عند مستويات محددة المستقبل، داعيًا إلى ضرورة العمل على نشرها بين المتعاملين والتوعية بكيفية استخدامها والاستفادة منها.
وردا على سؤال حول بطاقات الائتمان، قال المحافظ إنها كانت سببًا فى مشكلات كبيرة خلال الفترة الماضية بسبب قيام بعض العملاء باستغلالها بطريقة غير منضبطة للحصول على الدولار بالسعر الرسمى وبيعه فى السوق الموازية بقيمة أعلى، ما أدى لارتفاع متوسط استخداماتها الشهرية من 200 مليون دولار إلى 750 مليونًا، وهو «أمر غير منطقى فى ظل نقص الموارد ووجود سلع إستراتيجية لها أولوية تدبير العملة»، لذا تم التوجيه بتقليص الحدود وضرورة إلزام العميل بإثبات السفر والوجود بالخارج.
وتابع المحافظ: إنه مع توحيد سعر الصرف وزيادة الموارد داخل البنوك، صدرت توجيهات بزيادة الحدود المتاحة لكروت الائتمان مع منح أولوية لاحتياجات التعليم والصحة