توقيت القاهرة المحلي 06:46:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من يُنفق؟ ومن يستفيد؟.. المعادلة الصعبة فى مصر

  مصر اليوم -

من يُنفق ومن يستفيد المعادلة الصعبة فى مصر

بقلم - دينا عبد الفتاح

دائماً ما تشغلنى الأوضاع الصعبة التى تمر بها مصر، من تحديات مالية وسياسية واجتماعية، وأشفق كثيراً على متخذى القرار فى الدولة، حيث أنك مطالب بالعمل لترضى جميع الأطراف، ومسألة إرضاء الجميع فى حد ذاتها تعد أصعب مهمة يمكن القيام بها.

فعلى سبيل المثال لو اتخذت الدولة إجراءات لترشيد الدعم وحركت أسعار الوقود والكهرباء؛ لتحجيم الخلل والعجز فى موازنة الدولة يغضب أصحاب الدخول المنخفضة، لكونهم الأكثر تضرراً من اتخاذ هذه القرارات.

ولو اتخذت الدولة قراراً بتحريك سعر الضريبة المفروضة على مرتفعى الدخل يغضب أصحاب الدخول المرتفعة، باعتبارهم يتحملون بالفعل نسبة لا بأس بها من الضريبة تضاهى النسب المطبقة فى كل أنحاء العالم.

وبالتالى أسعى بكل جهدى لمناقشة الملفات المغلقة التى قد تمثل فرصة مبتكرة لتحسين الوضع المالى للدولة، دون الضغط على محدودى الدخل الذين تحملوا الكثير والكثير، فى سبيل خطة الإصلاح المنضبطة التى تطبقها الحكومة، وبدون الضغط كذلك على مرتفعى الدخل الذين استجابوا لكل الإجراءات الحكومية خلال الفترة الماضية دون أدنى اعتراض.

ومن هذه الملفات الهامة ملف القطاع غير الرسمى الذى يمثل 40% من إجمالى الاقتصاد المصرى وفقاً لتقديرات وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، وأرى أن الـ 60% الذين يعملون تحت المظلة الرسمية للدولة هم من يتحملون أعباء الإنفاق الحكومى الذى يستفيد منه كل المواطنين، فى حين أن الـ40% الذين يعملون فى الخفاء فهم يحققون أرباحاً فقط، بدون الخضوع لأية ضرائب أو نفقات تمثل حق أصيل للشعب قبل الحكومة.

وبالتالى فمسألة انضمام هؤلاء المستثمرين للمنظومة الرسمية للدولة أصبحت تحدياً لا مفر من التغلب عليه أياً كانت العقبات، أو الضغوط التى يمكن أن تواجهها الحكومة فى سبيل تحقيق ذلك.

فالانعكاسات السلبية لتواجد القطاع غير الرسمى وانتشاره وتغلغله فى مختلف قطاعات الاقتصاد لا تقتصر على موازنة الدولة فقط، ولكنها تمتد لانتشار الفساد الممنهج، وسن «الرشاوى» كوسيلة للتخفى عن أعين القانون.

وتمتد كذلك للإضرار بصحة المواطنين نتيجة غياب الرقابة على كافة المنتجات التى يتم إنتاجها فى الخفاء، ولا تخضع لأى من المواصفات القياسية المعتمدة صحياً سواء فى الداخل أو الخارج، الأمر الذى يؤثر بالسلب على صحة المواطنين، ويدفع لانتشار الأمراض ويفاقم من فاتورة العلاج والدواء التى يشترك فى تحملها كل من الدولة والمواطن.

كما يؤثر تغلغل القطاع غير الرسمى على عدالة المنافسة فى السوق، فأنت أمام منتجيَن الأول يدفع الضرائب والرسوم المقررة عليه قانوناً، والثانى لا يؤدى أية نفقات بخلاف تكاليف الإنتاج الأساسية، وبالتالى هناك تباين واضح فى السعر بين المنتجين لصالح المنتج غير الرسمى الأمر الذى يؤدى للإضرار بتواجد المنتجين الرسميين ويقلص فرصهم فى الربح والاستدامة.

يأتى ذلك إلى جانب فقدان نسبة كبيرة من الطاقة التصديرية للاقتصاد نتيجة عدم امتلاك الكثير من المؤسسات الإنتاجية للتراخيص والموافقات اللازمة لممارسة الإنتاج والتصدير للخارج، على الرغم من قدرتها على تقديم منتج جيد تتقبله السوق العالمية، وبالتالى التأثير سلباً على تدفقات الاقتصاد من العملة الصعبة.

وصُدمت بكل صراحة عندما اطلعت على نتيجة الاستطلاع الذى أجراه «المصرى اليوم الاقتصادى» فى عدده الصادر يوم الأحد الماضى، والذى تم إجراؤه على عدد 50 مستثمرا من العاملين فى القطاع غير الرسمى، والذين يمارسون أنشطة إنتاجية وخدمية وتجارية متنوعة دون أن يمتلكوا سجلات، أو يدفعون الضرائب والتأمينات، وباقى المصروفات المقررة عليهم قانوناً.

حيث أفاد نحو 54% من هؤلاء المستثمرين أنهم لا يمتلكون أية معلومات عن مزايا الانضمام للمنظومة الرسمية للدولة، وأفاد 26% أنهم يمتلكون بعضا من هذه المعلومات، بينما أفاد 20% أنهم يمتلكون معلومات كاملة عن هذا الأمر.

وهذا يطرح أمامنا قضية هامة تتعلق بتقييم جهود الترويج الحالية لانضمام هؤلاء المستثمرين للمنظومة الرسمية، وضرورة اتباع وسائل ترويجية جديدة تستهدف الوصول لهؤلاء المنتجين والتجار، وتُقدم لهم كافة المزايا التى يمكن أن تعود عليهم من الانضمام لمنظومة الدولة سواء المتعلقة بالقدرة على التصدير والاستيراد، أو القدرة على الحصول على التمويل لتوسيع النشاط، أو القدرة على الحصول على الأراضى التى تطرحها الوزارات للمستثمرين بأسعار منخفضة ومزايا كبيرة، فضلاً عن القدرة على المشاركة فى المعارض الداخلية والخارجية وغيرها من المزايا التى تساعد هؤلاء المستثمرين على تعظيم أنشطتهم الاستثمارية.

وفى سؤال يتعلق بمحاولتهم فى السابق للانضمام للمنظومة الرسمية، أكد 20% أنهم حاولوا الانضمام وتقدموا ببعض الأوراق والطلبات لأجهزة الدولة، وتواصلوا مع مسئولى المحليات لتعريفهم بالأمر، ولكنهم فشلوا فى ذلك؛ نتيجة الكثير من العقبات التى واجهتهم، وكانت هذه المحاولات على مدار السنوات العشرة الماضية.

بينما أكد 80% انهم لم يحاولوا الانضمام للمنظومة الرسمية طيلة الفترة الماضية، وهذا الامر يضعنا أمام قضية جديدة تتعلق بضرورة مراجعة سجلات الدولة، والحصول على بيانات من سبق وأن تقدم للحصول على رخصة تشغيل أو ترخيص مزاولة نشاط معين، وتحليل هذه البيانات والتواصل مع أصحابها وتقديم الحوافز إليهم دون أية درجات من التخويف، التى قد تؤثر على خطوتهم فى الانضمام لمنظومة الدولة.

وأتوقع استجابة كبيرة فى هذا الاتجاه باعتبار أن 20% من المستثمرين تتوافر لديهم النية وحاولوا بالفعل الانضمام لهذه المنظومة الرسمية.

السؤال الثالث الذى طرحناه على المستثمرين كان يتعلق بمدى توافر النية للانضمام فى المستقبل للمنظومة الرسمية للدولة، حيث أكد 66% من هؤلاء المستثمرين توافر النية، بينما أفاد 34% بعدم توافرها، مفضلين العمل فى أجواء خفية بعيدة عن أعين القانون والحكومة ومصلحة الضرائب.

وهذا الأمر يبعث بالتفاؤل نتيجة امتلاك غالبية المستثمرين فى القطاع غير الرسمى النية الفعلية للانضمام لمنظومة الدولة، بما يعطى فرصاً أكبر فى نجاح الحكومة فى هذا الملف المصيرى.

خلاصة القول، أننا حاولنا من خلال أسلوب اقتصادى وإحصائى ممنهج رسم صورة عن وضع الاقتصاد غير الرسمى فى مصر، وتقييم جهود الحكومة فى دمجه ضمن المنظومة الرسمية للدولة، واستخلصت الدراسة مجموعة من الملاحظات والتوصيات الهامة التى ينبغى العمل عليها والاهتمام بها خلال الفترة المقبلة، وفى حالة توافر النية لدى الحكومة للعمل الجاد فى هذا الملف يمكنها إعداد استطلاع أوسع يضم عينة أكبر تكون أدق فى تمثيل مجتمع البحث، وتستخلص نتائج جديدة اتفقت أو اختلفت مع النتائج التى توصلنا إليها، ولكن ينبغى أن يتبعها قرارات فعلية على أرض الواقع. ونحن مستعدون لمساعدة الحكومة فى ذلك بفريق متكامل من المتخصصين.

نقلا عن المصري اليوم 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من يُنفق ومن يستفيد المعادلة الصعبة فى مصر من يُنفق ومن يستفيد المعادلة الصعبة فى مصر



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon