توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من يُنفق؟ ومن يستفيد؟.. المعادلة الصعبة فى مصر

  مصر اليوم -

من يُنفق ومن يستفيد المعادلة الصعبة فى مصر

بقلم - دينا عبد الفتاح

دائماً ما تشغلنى الأوضاع الصعبة التى تمر بها مصر، من تحديات مالية وسياسية واجتماعية، وأشفق كثيراً على متخذى القرار فى الدولة، حيث أنك مطالب بالعمل لترضى جميع الأطراف، ومسألة إرضاء الجميع فى حد ذاتها تعد أصعب مهمة يمكن القيام بها.

فعلى سبيل المثال لو اتخذت الدولة إجراءات لترشيد الدعم وحركت أسعار الوقود والكهرباء؛ لتحجيم الخلل والعجز فى موازنة الدولة يغضب أصحاب الدخول المنخفضة، لكونهم الأكثر تضرراً من اتخاذ هذه القرارات.

ولو اتخذت الدولة قراراً بتحريك سعر الضريبة المفروضة على مرتفعى الدخل يغضب أصحاب الدخول المرتفعة، باعتبارهم يتحملون بالفعل نسبة لا بأس بها من الضريبة تضاهى النسب المطبقة فى كل أنحاء العالم.

وبالتالى أسعى بكل جهدى لمناقشة الملفات المغلقة التى قد تمثل فرصة مبتكرة لتحسين الوضع المالى للدولة، دون الضغط على محدودى الدخل الذين تحملوا الكثير والكثير، فى سبيل خطة الإصلاح المنضبطة التى تطبقها الحكومة، وبدون الضغط كذلك على مرتفعى الدخل الذين استجابوا لكل الإجراءات الحكومية خلال الفترة الماضية دون أدنى اعتراض.

ومن هذه الملفات الهامة ملف القطاع غير الرسمى الذى يمثل 40% من إجمالى الاقتصاد المصرى وفقاً لتقديرات وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، وأرى أن الـ 60% الذين يعملون تحت المظلة الرسمية للدولة هم من يتحملون أعباء الإنفاق الحكومى الذى يستفيد منه كل المواطنين، فى حين أن الـ40% الذين يعملون فى الخفاء فهم يحققون أرباحاً فقط، بدون الخضوع لأية ضرائب أو نفقات تمثل حق أصيل للشعب قبل الحكومة.

وبالتالى فمسألة انضمام هؤلاء المستثمرين للمنظومة الرسمية للدولة أصبحت تحدياً لا مفر من التغلب عليه أياً كانت العقبات، أو الضغوط التى يمكن أن تواجهها الحكومة فى سبيل تحقيق ذلك.

فالانعكاسات السلبية لتواجد القطاع غير الرسمى وانتشاره وتغلغله فى مختلف قطاعات الاقتصاد لا تقتصر على موازنة الدولة فقط، ولكنها تمتد لانتشار الفساد الممنهج، وسن «الرشاوى» كوسيلة للتخفى عن أعين القانون.

وتمتد كذلك للإضرار بصحة المواطنين نتيجة غياب الرقابة على كافة المنتجات التى يتم إنتاجها فى الخفاء، ولا تخضع لأى من المواصفات القياسية المعتمدة صحياً سواء فى الداخل أو الخارج، الأمر الذى يؤثر بالسلب على صحة المواطنين، ويدفع لانتشار الأمراض ويفاقم من فاتورة العلاج والدواء التى يشترك فى تحملها كل من الدولة والمواطن.

كما يؤثر تغلغل القطاع غير الرسمى على عدالة المنافسة فى السوق، فأنت أمام منتجيَن الأول يدفع الضرائب والرسوم المقررة عليه قانوناً، والثانى لا يؤدى أية نفقات بخلاف تكاليف الإنتاج الأساسية، وبالتالى هناك تباين واضح فى السعر بين المنتجين لصالح المنتج غير الرسمى الأمر الذى يؤدى للإضرار بتواجد المنتجين الرسميين ويقلص فرصهم فى الربح والاستدامة.

يأتى ذلك إلى جانب فقدان نسبة كبيرة من الطاقة التصديرية للاقتصاد نتيجة عدم امتلاك الكثير من المؤسسات الإنتاجية للتراخيص والموافقات اللازمة لممارسة الإنتاج والتصدير للخارج، على الرغم من قدرتها على تقديم منتج جيد تتقبله السوق العالمية، وبالتالى التأثير سلباً على تدفقات الاقتصاد من العملة الصعبة.

وصُدمت بكل صراحة عندما اطلعت على نتيجة الاستطلاع الذى أجراه «المصرى اليوم الاقتصادى» فى عدده الصادر يوم الأحد الماضى، والذى تم إجراؤه على عدد 50 مستثمرا من العاملين فى القطاع غير الرسمى، والذين يمارسون أنشطة إنتاجية وخدمية وتجارية متنوعة دون أن يمتلكوا سجلات، أو يدفعون الضرائب والتأمينات، وباقى المصروفات المقررة عليهم قانوناً.

حيث أفاد نحو 54% من هؤلاء المستثمرين أنهم لا يمتلكون أية معلومات عن مزايا الانضمام للمنظومة الرسمية للدولة، وأفاد 26% أنهم يمتلكون بعضا من هذه المعلومات، بينما أفاد 20% أنهم يمتلكون معلومات كاملة عن هذا الأمر.

وهذا يطرح أمامنا قضية هامة تتعلق بتقييم جهود الترويج الحالية لانضمام هؤلاء المستثمرين للمنظومة الرسمية، وضرورة اتباع وسائل ترويجية جديدة تستهدف الوصول لهؤلاء المنتجين والتجار، وتُقدم لهم كافة المزايا التى يمكن أن تعود عليهم من الانضمام لمنظومة الدولة سواء المتعلقة بالقدرة على التصدير والاستيراد، أو القدرة على الحصول على التمويل لتوسيع النشاط، أو القدرة على الحصول على الأراضى التى تطرحها الوزارات للمستثمرين بأسعار منخفضة ومزايا كبيرة، فضلاً عن القدرة على المشاركة فى المعارض الداخلية والخارجية وغيرها من المزايا التى تساعد هؤلاء المستثمرين على تعظيم أنشطتهم الاستثمارية.

وفى سؤال يتعلق بمحاولتهم فى السابق للانضمام للمنظومة الرسمية، أكد 20% أنهم حاولوا الانضمام وتقدموا ببعض الأوراق والطلبات لأجهزة الدولة، وتواصلوا مع مسئولى المحليات لتعريفهم بالأمر، ولكنهم فشلوا فى ذلك؛ نتيجة الكثير من العقبات التى واجهتهم، وكانت هذه المحاولات على مدار السنوات العشرة الماضية.

بينما أكد 80% انهم لم يحاولوا الانضمام للمنظومة الرسمية طيلة الفترة الماضية، وهذا الامر يضعنا أمام قضية جديدة تتعلق بضرورة مراجعة سجلات الدولة، والحصول على بيانات من سبق وأن تقدم للحصول على رخصة تشغيل أو ترخيص مزاولة نشاط معين، وتحليل هذه البيانات والتواصل مع أصحابها وتقديم الحوافز إليهم دون أية درجات من التخويف، التى قد تؤثر على خطوتهم فى الانضمام لمنظومة الدولة.

وأتوقع استجابة كبيرة فى هذا الاتجاه باعتبار أن 20% من المستثمرين تتوافر لديهم النية وحاولوا بالفعل الانضمام لهذه المنظومة الرسمية.

السؤال الثالث الذى طرحناه على المستثمرين كان يتعلق بمدى توافر النية للانضمام فى المستقبل للمنظومة الرسمية للدولة، حيث أكد 66% من هؤلاء المستثمرين توافر النية، بينما أفاد 34% بعدم توافرها، مفضلين العمل فى أجواء خفية بعيدة عن أعين القانون والحكومة ومصلحة الضرائب.

وهذا الأمر يبعث بالتفاؤل نتيجة امتلاك غالبية المستثمرين فى القطاع غير الرسمى النية الفعلية للانضمام لمنظومة الدولة، بما يعطى فرصاً أكبر فى نجاح الحكومة فى هذا الملف المصيرى.

خلاصة القول، أننا حاولنا من خلال أسلوب اقتصادى وإحصائى ممنهج رسم صورة عن وضع الاقتصاد غير الرسمى فى مصر، وتقييم جهود الحكومة فى دمجه ضمن المنظومة الرسمية للدولة، واستخلصت الدراسة مجموعة من الملاحظات والتوصيات الهامة التى ينبغى العمل عليها والاهتمام بها خلال الفترة المقبلة، وفى حالة توافر النية لدى الحكومة للعمل الجاد فى هذا الملف يمكنها إعداد استطلاع أوسع يضم عينة أكبر تكون أدق فى تمثيل مجتمع البحث، وتستخلص نتائج جديدة اتفقت أو اختلفت مع النتائج التى توصلنا إليها، ولكن ينبغى أن يتبعها قرارات فعلية على أرض الواقع. ونحن مستعدون لمساعدة الحكومة فى ذلك بفريق متكامل من المتخصصين.

نقلا عن المصري اليوم 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من يُنفق ومن يستفيد المعادلة الصعبة فى مصر من يُنفق ومن يستفيد المعادلة الصعبة فى مصر



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

GMT 01:42 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

بايرن ميونخ يعلن ضم موتينج ودوجلاس كوستا في أقل من نصف ساعة

GMT 22:56 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب جديد للمُقاول الهارب محمد علي "يفضح" قطر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon