لفتت نظرى بشدة الفلسفة الجديدة التى تُدار بها سياسة مصر الخارجية خلال الفترة الحالية، والأفكار الجديدة التى يتم ضخّها فى هذا الملف، واللغة المتطورة التى تتحدث بها القيادة السياسية مع العالم، والأهداف التى ترجو تحقيقها من التعامل مع كل الأطراف.
وأرى أن إنجازات هذا الملف تُحسب للقيادة السياسية، والقائمين على إدارته، فقد شكلوا قصة نجاح حقيقية، علينا أن نرويها مرات ومرات، حتى يحصل كل ذى حق على حقه.
فقد استعادت مصر حيويتها فى الوجود على الساحة العالمية، بفضل الزيارات المتعدّدة للرئيس وتحركه بخطة منضبطة تحدد بشكل واضح، ماذا تريد مصر من العالم الخارجى، وماذا يمكنها أن تُقدم له.
ويعتبر تطوير العلاقات المصرية - الأفريقية من أهم مكاسب هذا الملف، بعد فترات طويلة من الخمول، ابتعدنا فيها عشرات الأميال عن القارة السمراء، حتى ظن شعوبها أننا لا نعترف بجغرافيتنا الواحدة، ومصيرنا الواحد، وبدأت الحكومات الأفريقية تتحرك فى إدارة أهدافها الخارجية، دون أدنى درجات التنسيق مع مصر، الأمر الذى أفقدنا الكثير من التأثير فى إدارة شئون الشرق الأوسط، وأفريقيا.
أما اليوم، فقد شكلت زيارات الرئيس السيسى لقارة أفريقيا، التى بلغ عددها 25 زيارة تقريباً لدول أفريقية، تمثل أكثر من 30% من إجمالى الزيارات الرئاسية الخارجية، تطوراً كبيراً فى علاقة مصر بالقارة، يمكن أن نلمسه فى الروح الجديدة التى يتعامل بها القادة الأفارقة مع مصر وقيادتها خلال الفترة الحالية، بعد إزالة أى أفكار مغلوطة عن التوتر أو التهميش فى العلاقات المصرية مع دول القارة.
الجميع أصبح مدركاً بشكل تام أن سياسة «المصالح المشتركة» هى التى تسيطر على توجهات مصر فى القارة، وحماية حقوق الشعوب الأفريقية الفقيرة هى محور تحدث القيادة السياسية المصرية مع العالم الخارجى، وبرز ذلك بشكل كبير فى الكلمة التاريخية التى ألقاها الرئيس السيسى أمام قمة المناخ التى انعقدت قبل أسابيع فى نيويورك، حيث تحدث للعالم قائلاً إن أفريقيا قد تكون القارة الأشد تضرّراً من تغيرات المناخ، رغم كونها الأقل إسهاماً فى مسبّبات هذه الظاهرة، مشدّداً على تمسّك القارة الأفريقية بمفاوضات تفعيل اتفاقية باريس التى تنص على أن تنشئ الدول الغنية صندوقاً سنوياً بقيمة 100 مليار دولار لمساعدة الدول الفقيرة، نظراً لعدم قدرة الدول الأفريقية النامية على تحمّل أعباء إضافية جراء التلوث البيئى.
هذه المفردات التى قالها الرئيس السيسى أمام العالم تُثبت بما لا يدع مجالاً للشك، نوايا مصر تجاه شعوب أفريقيا، وحرصها التام على مصالحهم، وقدرتها على عرض قضاياهم فى جميع القمم والمحافل الدولية.
وأعتقد أن ثمار التعاون المصرى - الأفريقى لن تقتصر على الشق السياسى فقط، وإنما ستمتد إلى الجانب الاقتصادى فى ضوء الفرص الكبيرة التى تزخر بها القارة والإمكانيات الضخمة، التى يمكن تسخيرها لتحقيق التكامل الاقتصادى، فى التجارة والاستثمار والتشغيل، حيث يمكن لمصر أن تكون بوابة أفريقيا للعالم، وبوابة العالم لأفريقيا، فى ضوء الموقع الجغرافى المميز الذى يربط بين أكبر 3 قارات فى العالم، والممرات الملاحية المميزة التى تمتلكها، ومشروعات الربط البحرى والنهرى التى يتم تنفيذها على أراضيها.
من الممكن أن تأتى لمصر أى دولة ترغب فى الاستثمار والتصدير السهل إلى السوق الأفريقية، ويمكن أن تكون مصر ممراً ملاحياً دائماً لمنتجات أفريقيا إلى العالم الخارجى.
يمكننا أن نتكامل فى تجارتنا، فنستورد من الشعوب السمراء ما تحتاجه السوق المحلية، ونصدّر إليهم ما تحتاجه أسواقهم، يمكننا استغلال الثروات التعدينية الضخمة فى إنشاء مشروعات مشتركة، يمكن أن نستغل المراعى الواسعة فى السودان والجزائر وإثيوبيا فى تصدير اللحوم إلى العالم، على غرار تجربة البرازيل التى قادت تقدّم السامبا فى الملف الاقتصادى.
وأدعو القطاع الخاص المصرى إلى أن يستثمر قنوات الاتصال رفيعة المستوى التى يفتحها الرئيس السيسى ليس مع قادة الدول فحسب، وإنما مع الشعوب نفسها، وقدرته الفائقة على رسم صورة جديدة لمصر أمام العالم، تُظهر حالة التغيير الحقيقية التى تشهدها، والمستقبل المزدهر الذى تُقبل عليه.
فعلى سبيل المثال، تمكن الرئيس أثناء وجوده مؤخراً فى الخرطوم من إلغاء حظر دخول المنتجات المصرية إلى السودان، وبالتبعية ينبغى على كل الشركات التحرّك السريع لاستثمار هذا القرار والحصول على نصيب جيّد من السوق السودانية التى تتسم بمستويات استهلاك مرتفعة، خاصة فى الصناعات الغذائية والملابس، والأدوية، والمنتجات الكيماوية.
ينبغى أن نتحرّك معاً من أجل استثمار هذه العلاقات، حتى لا يكون المردود منها اتفاقيات دون تفعيل، ونخسر جهوداً كبيرة بذلتها القيادة السياسية والقائمون على الملف الخارجى، من أجل إعادة هيكلة علاقة مصر بالعالم.
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع