إذا قمت بزيارة بريطانيا ولو مرة واحدة فى حياتك ستتعجب كثيرًا من تفاصيل أحداث الجريمة البشعة التى ارتكبها 10 بريطانيات متعصبات تجاه الطالبة المصرية مريم مصطفى، فكل ما فى بريطانيا مصوّر ومرصود بالصوت والصورة، حتى تظن أنك بداخل استديو ستحصل على «السى دى» الخاص بجميع تحركاتك عندما تخرج منه.
كما أنها دولة القانون التى تحترم حقوق الجميع كما تدعى، وكما كنت أظن، فكيف لتلك الجريمة التى وقعت على مسمع ومرأى عشرات البشر أن يغيب الجناة الحقيقيون فيها حتى الآن، ويتعلق الأمر بمنشادات «غريبة» من الشرطة البريطانية بضرورة مساعدتها فى ضبط الفتيات المعتديات على مريم مصطفى؟
مريم التى خرجت؛ لتتعلم وتُنمى من مهاراتها أملًا فى المساهمة بدور أكبر فى تنمية الحياة على أرض هذا الكوكب، دون أن تمارس أيًا من ممارسات العنف ضد أحد، ودون أن تُلحق الأذى بأى طرف.
أهذا ذنبها لتموت نتيجة ضربات همجية من فتيات متعصبات، مارسن أسوأ ما فى الغاب من ممارسات، وأقذر ما فى هذا العالم من سلوك؟!
حق مريم أصبح اليوم ديْنًا فى رقبة كل مصرى، لا ينبغى أن نفرط فيه، وعلينا أن ندافع عن الدماء البريئة التى سالت من تلك الفتاة لتُلطخ أرض بريطانيا العظمى التى قالت عن نفسها أنها أرض الحريات والمساواة والعدالة.
بريطانيا التى تدافع عن كل قطرة دم تسيل من أى مواطن بها، وقد تدخل فى تحقيقات دولية لحماية الحيوانات، أصبحت اليوم مطالبة أمام العالم أجمع بكشف ملابسات مقتل «روح طاهرة» على أراضيها، فى ممارسة جديدة قد يطلق عليها مصطلح «القتل من أجل التسلية». فمريم لم تفعل شيئًا لأحد حتى يتم طرحها أرضًا، وتعذيبها حتى الموت من عناصر بشرية افتقدت لكل معانى الإنسانية، وأساليب التحضر والتعايش السلمى، ومارسن أبشع ما يمكن أن يمارسه بشر على وجه الأرض.
الدبلوماسية المصرية اليوم أصبحت فى اختبار حقيقى للحصول على حق إحدى رعاياها فى الخارج، وباتت مطالبة بمتابعة مكثفة للموقف، وعدم التنازل بأى شكل من الأشكال عن حق هذه الضحية التى عاشت فى سلام، وماتت بسبب تمييز عنصرى أعمى.
تلك القضية من الممكن أن تفجر قضية عالمية تُعيد للأذهان الصراعات الطائفية والعنصرية فى الكثير من دول العالم خلال النصف الأول من القرن العشرين، حيث يبدو أننا عُدنا للمربع صفر، عندما يُمارس التهديد والقتل والاعتداء بحق الأبرياء بداعى اختلاف الدين أو اللون أو الانتماء!
ولم تكن بريطانيا هى الدولة الوحيدة التى شاهدت تلك الاعتداءات فتُشير، الإحصاءات الرسمية أن دول أوروبا شهدت أكثر من ألف حالة اعتداء عنصرى على مدار عام 2017، كما شهدت الولايات المتحدة الأمريكية تصاعدًا حادًا فى رفض البعض للبعض الآخر نتيجة الانتماءات والمعتقدات الدينية، وذلك على النقيض تمامًا مع ما تنشره الإدارة الأمريكية حول العالم بأنها راعى الحريات، والديمقراطية، والمُدافع الأول عن حقوق الأقليات.
القضية اليوم أصبحت صراعًا من أجل الإنسانية، إما أن ينتصر فيها العدل، ونُعيد لهذا العالم روح المساواة التى كانت تسوده، أو أن ينتصر الظلم، ويبدأ الأفراد من الأقليات فى تكوين جماعات تتحدث باسهم وتدافع عن انتماءاتهم.
جميع الدول اليوم مطالبة بحمل شعار عالمى لنبذ العنف والتطرف والعنصرية، تجنبًا لاستمرار تصاعد الممارسات العنيفة، وفقدان البعض للثقة فى القانون والعدالة واتجاههم لرد العنف بالعنف، بما يهدد وجودنا جميعاً.
على أى حال نحن ننتظر ما ستسفر عنه الأيام القادمة، والنتائج المُرتقبة للتحقيقات البريطانية التى أعلنت لندن إجرائها بشأن تلك القضية، وندعو سفيرنا فى لندن لإطلاع الرأى العام المصرى على كافة تطورات وملابسات تلك القضية، فاليوم الحق أصبح حق شعب يرغب فى الحفاظ على أبنائه فى كل شبر من من هذا الكون.
مصر اليوم باتت أقوى، بشعبها، وبرئيسها، وبإصلاحاتها، وبفرصها، ولا ينقصها شيء حتى تتهاون مع أى دولة، أو جماعة، أو قوة فى حق من حقوق أبنائها.
أثق بأن رئيس الجمهورية يتابع بنفسه تطورات هذا الحادث، وأثق كذلك بأنه سيتدخل فى الوقت المناسب لضمان استرداد الحق المسلوب من مريم مصطفى، بل منا جميعًا. فرئيسنا وبدون مبالغة هو أب لكل مصرى، ورجل صادق كما عاهدناه، لا يعرف الخوف، ولا يساوم على حقوق أبنائه ومؤكَدٌ أنه سيتخذ الإجراء المناسب لحفظ حق هذه الفتاة البريئة، التى قتلتها يد التعصب والتطرف فى بلد الحريات!
نقلا عن المصري اليوم القاهرية