توقيت القاهرة المحلي 00:05:00 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صناعة الفن الخاسرة!

  مصر اليوم -

صناعة الفن الخاسرة

بقلم - دينا عبد الفتاح

كل ما فى مصر تطور وتقدم عبر الزمن، إلا الفن، مستمر فى التراجع، ودائماً ما قدمه الفن فى الأمس أحسن مما يقدمه اليوم، وغد، هذا التراجع الحاد فى أداء منظومة الفن وخاصة على صعيد نشاط التمثيل جاء كنتاج طبيعى لجوهر الأعمال التى تُقدم للجمهور، والتى تبرز أسوأ ما فى المجتمع، وترسخ لمفاهيم خاطئة وتنشر ثقافات عدوانية ومُتخلفة، تحت ستار «هو ده الواقع».

الواقع يا سادة ليس كله سىء، الواقع ليس مقتصراً على جرائم الإدمان، والاغتصاب، والتحرش، والسجن، والانتقام، فمصر اليوم على سبيل المثال نجحت فى بناء قاعدة تنموية وحضارية للمستقبل، ولدينا نماذج مشرفة فى كل مناحى الحياة، حاضرة بيننا، ولكنها غائبة عن شاشات الدراما والسينما، لدينا نماذج مشرفة فى الخارج كل منها يصلح أن يكون قصة مثيرة لعمل سينمائى أو تلفزيونى، نملك طبيعة ساحرة فى الشواطئ والسواحل والجبال أصبحت محور جذب للعالم كله، كما نملك عشوائيات تسعى الحكومة وفق خطة ممنهجة للقضاء عليها.

وهذا التطور السئ فى مفهوم الفن التمثيلى ومستوى تناوله وتجسيده للقضايا كان السبب الرئيسى فى أن تصبح «صناعة الفن السينمائى والتلفزيونى» هى الصناعة الوحيدة الخاسرة مادياً، وعلى الرغم من خسارتها مستمرة فى إهدار مليارات الجنيهات كل موسم، دون ترسيخ مفهوم مثالى واحد، أو تحقيق نفع عام أو خاص فى المجتمع.

«الإفراط فى تناول المفاهيم السلبية وإظهار السئ والابتعاد عن تجسيد الجمال والقيم الإيجابية يؤثر فى ثقافة الإنسان ومستوى إدراكه للبيئة المحيطة به».. هكذا تقول الفلسفة، وخاصة فلسلفة الجمال التى تنادى بإبراز الجمال والقيم الإيجابية لكى تساهم فى بناء شخصية متفائلة ومُهذبة فى المجتمع.. فهل سنرى فى الموسم الرمضانى الذى يشهد زخم كبير بالأعمال الفنية والدرامية، ولو نموذج واحد يجسد مصر الحقيقية، دون أن يصورها على أنها موطن العشوائيات، ودولة العنف، ومجتمع التحرش والاغتصاب والإدمان، هل يمكن أن نرى الجميل يواجه القبيح؟، هل يمكننا تناول مفهوم إيجابى لهدم فكرة سلبية سائدة فى المجتمع؟، أم سنستمر على هذا المنوال السلبى الذى يذهب من سئ لأسوأ.

كلاسيكيات السينما والدراما المصرية اعتادت بناء نماذج وقيم مشرفة إلى جانب مناقشة موضوعية للقضايا التى يعانيها المجتمع، وجسد هذا الفن الكفاح المصرى فى أكثر من ملحمة تاريخية، وأبرز الشخصية المصرية الحقيقية الغيورة على وطنها، والهادمة للعنف، والمساندة لكل جميل فى المجتمع، فظهرت لنا أعمال رسخت ثقافة جديدة لعمل المرأة مثل فيلم «مراتى مدير عام»، وسوقت مفهوم الانضباط والوطنية فى الجيش بشكل كوميدى فى سلسلة أفلام إسماعيل ياسين عن الجيش المصرى وأسلحته المختلفة، وبنت ثقافة مثالية تقاوم السئ من خلال مسلسلات «رحلة السيد أبو العلا البشرى- نهاية العالم ليست غداً»، وقاومت فكرة «العمل الحكومى الروتينى»، وارتباط الشباب بالوظيفة الحكومية من خلال مسلسلات الفنان حسن عابدين ومنها «فى حاجة غلط- أنا وأنت وبابا فى المشمش»، وعظّمت العطاء والحب فى مسلسل «أبنائى الأعزاء شكراً» للراحل عبد المنعم مدبولى، فنجحت هذه الأعمال فى تشكيل وعى جديد لدى الجمهور، وكانت بمثابة كلمة السر فى تطوير الكثير من المفاهيم الاجتماعية، وعاش أصحابها بيننا حتى اليوم.

أدخل أى بيت مصرى فى المساء ستجد السمة الغالبة على مشاهداته التلفزيونية القنوات التى تعرض الكلاسيكيات، وتطلق عليها «الفن الجميل»، وهو حقاً فن جميل، بعيداً عن الابتذال، والتأخر وإهانة القيم الذى يتم ممارسته بكل استهتار فى أعمال التمثيل اليوم، لذا عاش أبطال وكتّاب ومخرجو الزمن الجميل بيننا، وعاشت أسمائهم وأعمالهم من جيل لجيل، ومن عقد لعقد حتى وصل أن بعض الأعمال التى مر على تمثيلها أكثر من 80 سنة ظل الناس مرتبطون بها حتى اليوم، ويثق الجميع أنه يصعب تكرارها، والدليل فى أعمال الفنان نجيب الريحانى، والفنان على الكسار.

«ما يمكن أن يغيره التعليم فى سنوات وعقود يمكن أن تغيره الدراما والسينما فى شهور»، فالقيم الإيجابية ومفهوم الوطنية والعمل المنتج، الذى يحاول التعليم الصحيح غرسهم فى النشئ على مدار سنوات وسنوات، يمكن أن يحققها الفن من خلال تناول موضوعى ومنطقى للقضايا التى نمر بها.

لابد أن نتعلم من ماضينا، ومن التجارب الدولية المحيطة بنا، فالسينما والدراما الأمريكية استغلت نفاذها للعالم أجمع، لتسوق لمفاهيم ترتبط بـ«الدولة العظمى» غير القابلة للقهر أو الهزيمة، حتى دفعت فى نفوس الجميع وأفكارهم عدة مفاهيم ترتبط بـ «القوة الخارقة للجيش الأمريكى - والقدرة الفائقة لهيئة الاستخبارات الأمريكية - والتسامح الذى تحول إليه الأمريكيون بعد انتهاء الحرب العنصرية - وقوة الدولة فى مواجهة المعتدى حتى ولو كان كائن فضائى ليس هناك حدود لقوته».

كما نجحت السينما التركية فى تعريف العالم بتاريخ الدولة العثمانية بصورة جديدة بالغت فى الجمال والقوة من خلال مسلسل «قيامة أرطغل»، كما سوقت كل البقاع الساحرة فى تركيا لتصبح أحد أهم المقاصد السياحية حول العالم.

ياسادة مطلوب مشروع قومى للفن يتبنى مفاهيم وقيم جديدة ويطور مبادئ أكثر احتراماً، ويقاوم ممارسات خاطئة وشاذة، مطلوب بناء متكامل من الفكر والفعل، يتشارك فيه الدولة والفنانون، والمنتجون، والكتّاب، مطلوب رسائل جديدة من مصر للعالم، تُظهر إلى أين وصلت دولة الـ 100 مليون خلال الأربع سنوات الماضية، بعيداً عن الممارسات الحالية التى تساهم فى هدم ما بنته الدولة، والتقليل من حجم الإنجاز الذى تحقق على أرض الواقع، مطلوب رسائل توضح إلى أين ستتجه مصر فى المستقبل، الجميل متوفر حولنا، ولكن يحتاج لمن يراه!

عن المصري اليوم القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صناعة الفن الخاسرة صناعة الفن الخاسرة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:02 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
  مصر اليوم - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:09 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
  مصر اليوم - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 05:09 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريل يعترف بعجز الاتحاد الأوروبي عن بناء بنية أمنية جديدة
  مصر اليوم - بوريل يعترف بعجز الاتحاد الأوروبي عن بناء بنية أمنية جديدة

GMT 05:23 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف

GMT 12:09 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

نانسي عجرم تشوق جمهورها لعمل فني جديد
  مصر اليوم - نانسي عجرم تشوق جمهورها لعمل فني جديد

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

غوغل تكشف عن خدمة جديدة لإنتاج الفيديوهات للمؤسسات
  مصر اليوم - غوغل تكشف عن خدمة جديدة لإنتاج الفيديوهات للمؤسسات

GMT 00:26 2020 الخميس ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

موعد نهائي دوري أبطال أفريقيا بين الأهلي والزمالك

GMT 07:19 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الخميس 8 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 05:34 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير مكرونة باردة بالجمبري

GMT 05:32 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير عصير الليمون باللبن

GMT 23:50 2020 الأربعاء ,23 أيلول / سبتمبر

انخفاض سعر نفط خام القياس العالمي

GMT 23:25 2020 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 19:23 2020 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

منال سلامة تكشف كواليس تعرضها لحادث مميت

GMT 23:49 2020 الأحد ,13 أيلول / سبتمبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الأحد 13 سبتمبر 2020

GMT 16:49 2020 السبت ,12 أيلول / سبتمبر

مقتل شخصين في تحطم طائرة قرب مطار لوس أنجلوس

GMT 04:59 2020 الأحد ,07 حزيران / يونيو

أحمد وفيق يحدد الجيل الذي احتفل بـ"النهاية"

GMT 14:22 2020 الجمعة ,22 أيار / مايو

أسعار الدواجن في مصر اليوم الجمعة 22 مايو

GMT 20:28 2020 السبت ,11 إبريل / نيسان

الهند تسجل 1035 إصابة جديدة بفيروس كورونا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon