«1.2 مليار شخص، أكثر من 40% منهم شباب، يمتلكون ثقافات متعددة، يعيشون على مساحة 30.7 مليون كيلومتر مربع، غنية بالثروات التعدينية والنفط، الموقع فى وسط العالم، يتوسط الممرات المائية الأهم فى مختلف القارات».. هذه العبارة توضح باختصار القوة النسبية التى تمتلكها قارة أفريقيا، بما يؤهلها لقيادة تجربة تنموية جديدة تصنع للعالم «نمور أفارقة» على غرار «النمور الآسيوية» الذين انطلقوا من جنوب شرق آسيا وغزوا العالم بمنتجاتهم وشركاتهم وأموالهم، حتى أصبحوا هم القوة الأكثر تأثيراً فى مجريات الاقتصاد العالمى، وفقاً للإحصائيات الصادرة عن المنظمات الدولية المختلفة، وتخطوا القوى العالمية التقليدية الممثلة فى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى.
«أفريقيا 2018»، هذا المنتدى الذى يمثل فرصة تاريخية لكل شعوب أفريقيا فى توحيد جهودهم، وتحقيق التكامل الاقتصادى بينهم، لا بد أن يخرج بأكبر المكاسب الممكنة، ويجب أن يسهم فى تشكيل استراتيجية عمل جديدة للدول الأفريقية تقودهم لتحقيق قفزات تنموية سريعة فى ضوء الثورة الصناعية الرابعة التى انطلقت حول العالم بمعطيات مختلفة تماماً عن الثورات السابقة، نتيجة لاعتمادها على رأس المال البشرى أكثر من النقدى، واعتمادها على الأفكار أكثر من الآلات والقلاع الصناعية.
لدينا جميعاً فرصة ذهبية كأبناء هذه القارة السمراء الغنية العريقة، فى أن نخرج من عباءة الشعوب النامية والفقيرة، ونتحول إلى مرحلة جديدة من التقدم والازدهار، ونتمرد على وصفنا بـ«العالم الثالث» الذى دأب على استيراد منتجات وثقافات الغرب واستعطافه فى بعض الأحيان للحصول على حفنة من الدولارات تحت مسمى «معونة أو مساعدة».
أتصور أن الحكومات الأفريقية أدركت خلال المرحلة الراهنة ضرورة التكامل فيما بينها، وتعزيز أواصر التعاون المشترك على كافة الأصعدة، وأتصور كذلك أننا كشعوب أفريقية لدينا الجاهزية الكاملة للتعاون فيما بيننا، وتقبل بعضنا البعض، وصهر ثقافاتنا المختلفة فى ثقافة واحدة، تؤمن بالعمل المنتج، وتعزز من الأفكار الإبداعية، وتشجع الشباب والمرأة نحو مزيد من التطور والازدهار.
ومن خلال عملية بحث طويلة فى هذا الملف الذى أهتم به اهتماماً شديداً منذ سنوات طويلة، أستطيع أن أضع أمام الجميع الآن باعتباره «الوقت المناسب» المفاتيح الرئيسية التى يمكن اللجوء إليها لإطلاق ثورة تنموية شاملة فى كل شعوب القارة السمراء.
المحور الأول يكمن فى الإسراع بمعدلات التنفيذ فى المشروعات القارية التى تخدم جهود التكامل بين الدول الأفريقية، وبالتحديد مشروع «فيكتوريا - البحر المتوسط» الذى يستهدف الربط الملاحى بين بحيرة فيكتوريا والبحر الأبيض المتوسط، ويعد أحد أهم مشروعات البنية التحتية فى قارة أفريقيا لما يمثله من شريان نقل مائى حيوى بين منطقتى شمال وجنوب البحر المتوسط محققاً أقصر مسارات الربط بين دول حوض النيل وأوروبا وبما لذلك من تأثير إيجابى فى تحقيق التنمية المستدامة بهذه الدول، و«مشروع أفريقيا العظيم» الذى يستهدف ربط مصر ودول شمال أفريقيا بالقارة الآسيوية لتيسير حركة التبادل والسياحة بين الدول الأفريقية من ناحية، وبينها وبين الدول الآسيوية من ناحية أخرى، ومشروع «المزارع المشتركة» الذى يستهدف إنشاء مزارع مشتركة بين الدول الأفريقية فى سبيل دعم الأمن الغذائى والتكامل بين دول القارة.
أضف إلى ذلك مشروع طريق «القاهرة - كيب تاون» الذى يعد أحد المشروعات التنموية الحديثة الذى تسعى الدول لتنفيذه لتيسير حركة التجارة من خلال الطرق البرية بين دول القارة، ومشروع «الربط الكهربائى بين مصر والسودان» الذى يمثل نقطة انطلاق للربط بين مصر وأفريقيا بما سيعزز من كفاءة إنتاج واستهلاك الكهرباء فى القارة بأكملها.
المحور الثانى يتعلق بضرورة وضع برنامج تنفيذى محكم لتنفيذ استراتيجية أفريقيا 2063، التى تستهدف تعزيز التكامل بين دول القارة، وتحقيق حلم البورصة الأفريقية الموحدة، والعملة الموحدة، والسلطة النقدية المركزية، وأتصور أن الدول الأفريقية لديها الرغبة حالياً فى تحقيق ذلك، بعد أن تأكدوا أن التعاون والتكتلات هى أسرع آليات النمو الاقتصادى حالياً، على غرار ما سلكه الاتحاد الأوروبى سابقاً، وما تسلكه دول تجمع «بريكس» حالياً.
المحور الثالث يتعلق بتنسيق المواقف السياسية بشكل أفضل بين الدول الأفريقية، بحيث تمثل قوة أكبر فى المجتمع الدولى، وتسهم بشكل أفضل فى اقتناص حقوقها التى تكفلها الاتفاقيات الدولية وبالتحديد اتفاقيات تغير المناخ التى تلزم الدول المتقدمة بتقديم دعم بقيمة 100 مليار دولار للدول النامية الأكثر تأثراً بظاهرة تغير المناخ، وطالب الرئيس السيسى فى قمة المناخ الأخيرة بضرورة تفعيل هذه الاتفاقية.
المحور الرابع يتعلق بضرورة صياغة سياسة تكامل تجارى بين الدول الأفريقية، والاستغلال الأمثل للاتفاقيات التجارية الموقعة بالفعل مثل الكوميسا وأغادير والتجمعات الأفريقية الثلاثة، بهدف تعزيز التجارة البينية، وخلق فرص إنتاجية أفضل للمصنعين المحليين، وتقليل نسب الاعتماد على أوروبا وجنوب شرق آسيا الذين يستنفدون جزءاً كبيراً من الموارد الدولارية للقارة السمراء.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع