فى واقعة جديدة تثبت عودة الدولة المصرية لريادتها الإقليمية، ودورها العالمى المؤثر، تستقبل مدينة السلام - شرم الشيخ - اليوم القمة العربية الأوروبية التى تعقد لأول مرة بهدف تعزيز التعاون الإقليمى بين الاتحاد الأوروبى والدول العربية، وصياغة رؤية مشتركة للتعامل مع العديد من القضايا التى تظهر على المستويين الإقليمى والدولى.
اختيار مصر لانعقاد هذه القمة يعود لعدد من العوامل؛ الأول: ريادة مصر العربية واحتضانها للجامعة العربية والمؤتمرات المشتركة على مستوى المنطقة.
الثانى: تألق مصر على خريطة المعارض الدولية خلال الفترة الماضية وظهورها بشكل مشرّف للغاية، لا يقل بأى حال من الأحوال عن المؤتمرات التى تستقبلها واشنطن وبروكسل وباريس وميونيخ، وخاصة النجاح المبهر الذى لاقاه منتدى شباب العالم، ومؤتمر أفريقيا 2018، نتيجة لنجاح مؤسسات الدولة.
الثالث: العلاقات الاستراتيجية المتميزة التى تجمع مصر بالدول الأوروبية والتى تمثل حافزاً كبيراً لحضور هذه الدول إلى مصر، وعقدها مباحثات ثنائية مع القيادة السياسية والمسئولين المصريين.
الرابع: تمتع مصر بالأمن والاستقرار مقارنة بالعديد من دول المنطقة، وموقعها الاستراتيجى الذى يتوسط قارات أفريقيا وأوروبا وآسيا، وبالتالى تصبح نقطة التقاء مناسبة لكل هذه الدول.
وأتوقع - وأنا أكتب مقالى من هنا من شرم الشيخ - أن تؤدى هذه القمة لتحديث وتطوير أطر التعاون العربى الأوروبى، وأن تصل لنتائج متميزة بشأن الموضوعات المطروحة للنقاش، وأن تنجح فى صياغة رؤية استراتيجية لمواجهة العديد من القضايا، وبالتحديد قضية المهاجرين غير الشرعيين التى تتصدر اهتمامات القمة.
فالعدد الكبير من المهاجرين غير الشرعيين الذى يتدفق من الدول العربية إلى أوروبا، يجب استيعابه فى مشروعات وطنية وفرص تشغيل مناسبة، بحيث يفضل البقاء فى بلاده، أو يتخذ وسيلة شرعية ومناسبة للهجرة والعمل بالخارج.
حيث نجحت الدول الأوروبية فى تخفيض عدد المهاجرين غير الشرعيين الوافدين إليها من 390 ألف مهاجر فى 2016 إلى 186 ألفاً فى 2017 ثم إلى 144 ألفاً فى 2018، وتعمل على ضغط هذا العدد خلال العام الحالى أيضاً. وفى تقديرى أن هذا حق أصيل لها، ولكن فى المقابل فهذه الدول مطالَبة بتعزيز مساعداتها للدول التى تصدّر إليها المهاجرين، حتى تستطيع تحسين أوضاعها الاقتصادية.
ويمكن تمويل هذه المساعدات من خلال الوفورات التى تحققها الدول الأوروبية نتيجة تحجيم الوافدين إليها، حيث تشير إحصائيات منظمة الهجرة الدولية إلى أن كل وافد غير شرعى للدول الأوروبية يكلف الدولة 12 ألف يورو فى العام الأول من إقامته فقط!
ومن المتوقع أن تتوصل الدول العربية والأوروبية لاستراتيجية تعاون اقتصادى متطورة، تقوم على التنسيق الإقليمى، فى وقت أصبحت فيه التكتلات هى المحرك الرئيسى للاقتصاد العالمى، والمؤثر الأول فى حركة التجارة والاستثمار والعمالة.
وسيدعم التوصل لهذا الاتفاق الحضور رفيع المستوى فى القمة، حيث من المتوقع مشاركة 50 دولة، من بينها 22 دولة عربية، و28 دولة أوروبية، بالإضافة لعدد كبير من الزعماء العرب والأوروبيين، يتصدرهم الملك سلمان بن عبدالعزيز، العاهل السعودى على رأس وفد يضم عدداً من الأمراء، وميشيل عون الرئيس اللبنانى، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وتيريزا ماى رئيسة الوزراء البريطانية، والرئيس الرومانى كلاوس يوهانيس، والمستشار النمساوى سيبستيان كورتس، ودونالد توسك رئيس المجلس الأوروبى.
فتجمّع كل هذه القيادات كفيلٌ بتحقيق نقلة نوعية فى العلاقات الاقتصادية بين الجانبين تحت غطاء سياسى قوى، يدعمه تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى لرئاسة الاتحاد الأفريقى لعام 2019، وقدرته على توسيع نطاق التنسيق والتعاون الإقليمى ليشمل الدول العربية والأوروبية، ودول أفريقيا جنوب الصحراء.
خاصة فى ظل الاستراتيجية التى ينتهجها الرئيس السيسى فى زعامته للاتحاد الأفريقى، وتركيزه الشديد على فتح قنوات تعاون جديدة للقارة السمراء، وتعزيز انفتاحها على العالم، بالإضافة للاستراتيجية المحكمة التى تستهدف دعم العلاقات البينية الأفريقية، واتخاذ خطوات فعلية نحو تنفيذ أجندة أفريقيا 2063.
وأعتقد أن الاستفادة من هذه القمة ستكون مشتركة بين الجانبين العربى والأوروبى، وليس استفادة من جانب واحد، تقوم على المساعدات والمنح من الدول الغنية للدول الفقيرة، خاصة فى ظل احتياج قادة الاتحاد الأوروبى لدعم إقليمى للاتحاد فى مواجهة تطور نفوذ تجمع بيركس الذى يضم الصين والهند والبرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا من ناحية، ومواجهة المشاكل الداخلية التى تهدد بتفككه من ناحية أخرى، ولعل ذلك هو أحد أهم الأسباب التى دعمت موافقة الاتحاد الأوروبى على انعقاد القمة فى هذا التوقيت والاهتمام رفيع المستوى بالمشاركة فيها، على الرغم من بدء المباحثات المشتركة عام 2012.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع