فى مثل هذا اليوم.. وبالتحديد فى 3 نوفمبر 1839.. انطلقت حرب بين المملكة المتحدة (بريطانيا حالياً) والصين.. كان السبب الرئيسى وراءها أن الصين حاولت أن يستفيق شعبها من تعاطى الأفيون الذى تصدّره بريطانيا إليها.. ونشرت استخدامه على نطاق واسع من الصين.. فرفضت بريطانيا هذه الفكرة.. معلنة أن شعب الصين لا بد أن يستمر فى حالة «سطل».. حتى تتمكن المملكة المتحدة من الحصول على الفضة الصينية لتسدد بها مدفوعاتها عن الواردات التى تحصل عليها من الصين.. والتى كان أبرزها الحرير والبورسلين المستخدمان فى الصناعة.. والشاى الذى يوقظ العاملين البريطانيين من أجل تحقيق إنتاج أكبر!
هذا هو المنطق الذى حكم العالم على مدار عصور طويلة.. فالقوى لا بد أن يحافظ على قوته.. من خلال أن يبقى مَن حوله ضعفاء!
ولو عدنا لبداية هذه القصة.. سنجد أن الصين وسّعت من صادراتها لبريطانيا فى نهاية القرن الثامن عشر.. وهنا طلب الملك جورج الثالث من الإمبراطور الصينى شيان لونج توسيع العلاقات التجارية بين البلدين وفتح أسواق بلاده أمام الصادرات البريطانية حتى تحدث الموازنة.. إلا أن الإمبراطور أجابه أن إمبراطورية الصين السماوية لديها ما تحتاجه من السلع.. وليست فى حاجة لاستيراد سلع أخرى من البرابرة!
وهنا كانت الحيلة الجديدة.. فى أن أسست بريطانيا شركة متخصصة فى زراعة الأفيون وبيعه للصينيين.. مقابل أى ثمن.. وبأى طريقة.. وبالفعل تقبّل الصينيون الفكرة.. وأدمنوا الأفيون.. وارتفعت أسعاره.. وزادت صادرات بريطانيا للصين.. حتى تحدث الموازنة فى تجارتها.. ولا تخرج خاسرة من التعاون مع دولة فقيرة.. وعندما قاومت دولة الصين انتشار الأفيون.. حاربها البريطانيون!
هذا المنطق ما زال يحكم.. ولكن اختلفت الأدوات.. فمن مصلحة كل الدول المتقدمة حول العالم أن تبقى الدول الفقيرة شعوباً استهلاكية.. لا تنتج.. وتستنزف ثرواتها من خلال تصديرها فى شكلها الخام.. للحصول على العملة الأجنبية لدفع قيمة الواردات.. أو حتى تقترض من أجل دفع الثمن.. وتضع أنفسها تحت مقصلة الديون الخارجية.. التى دائماً ما ترتبط بأجندات واستراتيجيات بعيدة المدى.. غالباً لا يستطيع الاستهلاكيون والجوعى فى الدول الفقيرة قراءتها.
والسبب فى ذلك بسيط للغاية وواضح جداً.. ماذا لو كانت كل دول العالم متقدمة؟.. فى هذه الحالة سيكون المنتج المحلى فى كل بلد هو المساهم الأكبر فى سد احتياجات السوق المحلية.. وسيبحث المنتجون عن تصريف إنتاجهم فى الخارج.. وستشتعل المنافسة فى السوق العالمية.. فكل دولة تسعى لأن تصبح فائزة فى هذا السباق.
ولأن جميع دول العالم المتقدمة حالياً تحقق فائضاً فى موازين تجارتها مع العالم.. من المتوقع أن ينهار هذا الفائض.. ويتحول إلى عجز فى بعض الدول.. وهنا تتراجع الصناعة.. وتنخفض العمالة.. وتستنزف الموارد النقدية الأجنبية.. وتكون كل الدول على قدم المساواة أو أقل تفاوتاً فى الدخول.. والرفاهية.. والثروات.
وهنا كيف يقبل المتقدمون هذا السيناريو؟!.. وكيف يوافقون على مساندة الدول الفقيرة لتتقدم؟!.. حتى تحصل على جزء من نصيبهم من التجارة الدولية.. وتستنزف جزءاً من ثرواتهم.. وممتلكاتهم!
وفى ضوء الإجابة بالنفى المؤكد على هذه التساؤلات.. ستبقى الدول المتقدمة حائط الصد الأول أمام تقدم الدول النامية والفقيرة.
ولكن يبقى تساؤل مهم: هل ستظل الدول النامية فقيرة.. ولا مفر لتقدمها فى ضوء الصراع الشرس غير المتوازن مع الدول الغنية؟
الإجابة: «ليس بالضرورة».. فالطريق صعب للغاية.. ولكنه ليس مستحيلاً.. ويمكن الارتكاز فيه إلى ما يلى:
أولاً: الدول المتقدمة ليست أصدقاء جميعها والعلاقات بينها على ما يرام، ويبقى الصراع قائماً بينها من أجل الحصول على نصيب أكبر من السوق.. ومن الهيمنة السياسية والعسكرية، وهنا يأتى دور السياسة الخارجية للدول الفقيرة.. لترسم أهدافها فى ضوء مصالحها الخارجية.. وتتقارب سياسياً مع الدول التى تفيدها اقتصادياً، باعتبارها حليفاً ستدعم قوتها قوة الدول المتقدمة.
ثانياً: لا بد أن تكون شعوب الدول الفقيرة أكثر وعياً بكافة المخططات التى تستهدف الإطاحة بكافة مشروعات التقدم فيها، وأكثر إلماماً بأدوات هذه المخططات ومقاومتها بنفس الأدوات.
ثالثاً: قاعدة «لكل مجتهد نصيب» تسرى فى هذا الصراع.. والدليل نجاح الصين فى التقدم وأن تصبح ثانى أقوى اقتصاد فى العالم متفوقة على بريطانيا التى أقامت ضدها حرب الأفيون!
الخلاصة.. الأمل موجود.. ويبقى على الجميع العمل!