يتسلم اليوم الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة الاتحاد الأفريقى لعام 2019، بعد أن منحته دول القارة السمراء الثقة فى قيادة جهود التنمية والتنسيق الإقليمى بداخل القارة خلال العام الحالى.
وفى تقديرى أن تولى مصر رئاسة الاتحاد الأفريقى خلال هذا العام، وللمرة الأولى منذ نشأة الاتحاد الأفريقى فى 2002، هو إنجاز بكل المقاييس، ودليل على التحول الواضح فى موقف الدول الأفريقية تجاه مصر، خاصة بعد فترة العزلة الطويلة، التى عاشت فيها مصر بعيدة عن قضايا القارة حتى عام 2014 تقريباً.
وتبدأ باكورة أعمال الرئيس فى قيادته للاتحاد الأفريقى بترؤس القمة الأفريقية، التى تُعقد تحت شعار «اللاجئون والعائدون والنازحون داخلياً: نحو حلول دائمة للنزوح القسرى فى أفريقيا»، بسبب تفشى ظاهرة الهجرة والنزوح، والاتجار بالبشر.
وتُعد هذه القضية هى المحور الرئيسى لعملية التنمية، بسبب تركيزها المباشر على المورد البشرى، وحمايته من الكثير من الممارسات غير الشرعية.
وتمتلك القارة الأفريقية فرصة ذهبية لتعزيز العلاقات الاقتصادية البينية بين دول القارة، من استثمار وتجارة وتمويل وتوظيف، خاصة فى ظل وجود أجندة الاتحاد الأفريقى لعام 2063، التى تمثل رؤية بعيدة المدى لتحقيق الوحدة الأفريقية، وتعميق التعاون الاقتصادى، وصولاً إلى العملة الأفريقية الموحدة، والبنك المركزى الأفريقى الموحد، والبورصة المشتركة.
فالموارد التى تمتلكها القارة تكفى لانطلاق ثورة تنموية فى الـ55 دولة الأعضاء فى الاتحاد الأفريقى، بشرط تعزيز كفاءة استغلال هذه الموارد، وتحقيق التكامل بين الدول وبعضها البعض، والعمل وفق رؤية مشتركة تراعى مصالح الجميع، وتحدّد المساحات المشتركة التى يمكن التحرك فيها.
حيث تشير الإحصائيات إلى وفرة كبيرة فى العنصر البشرى، إذ تحوى القارة 1.2 مليار نسمة، 40% تقريباً من الشباب القادرين على العمل فى الحاضر والمستقبل.
كما ذكر أحدث تقرير سنوى صادر عن البنك الأفريقى للتنمية تحت عنوان «التوقعات الاقتصادية لأفريقيا» أن «الموارد الزراعية والطاقية والتعدينية فى أفريقيا، التى لم يُستغل معظمها بعد، هى مفتاح تسريع النمو الاقتصادى» للقارة، حيث تشير الأرقام الواردة فى هذا التقرير إلى أن «سلة غذاء العالم» كما يطلق على القارة الأفريقية، تضم 60% من الأراضى الصالحة للزراعة «غير المستغلة» بعد فى العالم. ويكفى استغلال 80 مليون هكتار من هذه الأراضى فى جمهورية الكونغو الديمقراطية وحدها «لإطعام مليارى شخص حول العالم»، أى ما يعادل سكان قارتى أفريقيا وأوروبا.
وبحلول عام 2030، يمكن لقطاع الزراعة والصناعات الغذائية فى أفريقيا إنشاء سوق بقيمة 1000 مليار دولار، فى حال استغلال أقوى لهذه الموارد المائية فى الزراعة، حسب تقرير صدر حديثاً للبنك الدولى بعنوان «نمو أفريقيا.. إمكانات قطاع الصناعات الغذائية»، حيث لم تستغل الأراضى المزروعة فى أفريقيا سوى 2% من الموارد المائية المتجدّدة للقارة.
وفى هذا السياق، استثمرت الصين حتى الآن فى استزراع نحو 1.5 مليون هكتار من الأراضى الزراعية فى الكاميرون وموزمبيق وأوغندا وتنزانيا. والحال نفسه بالنسبة للهند واليابان اللتين تستثمران على التوالى مليوناً و600 ألف هكتار و900 ألف هكتار فى أفريقيا.
من جانبها، تستغل المملكة العربية السعودية إجمالاً نحو 2 مليون هكتار فى القارة.
وهنا يمكن تعزيز استفادة مصر من الإمكانات الزراعية الهائلة لدول القارة، خاصة فى ضوء محدودية الموارد المائية المتجدّدة فى مصر، نتيجة تقلص حصة مصر من نهر النيل، والفاقد الكبير، نتيجة اتباع أنظمة الرى التقليدية.
وعلاوة على حصول القارة السمراء على لقب «سلة غذاء العالم» تُعرف القارة الأفريقية تاريخياً باسم «خزان العالم» من الثروات التعدينية فى باطن الأرض، حيث تملك نحو ثلث احتياطى الثروات المنجمية فى العالم، وتستحوذ القارة الأفريقية على 89% من البلاتين فى العالم، و81% من مادة «الكروم» و61% من «المنجنيز» و60% من «الكوبالت»، وفقاً لأرقام نشرتها مجلة «أفريك إكسبانسيون»، التى تصدر من باريس.
الخلاصة أن هذا الكنز الأفريقى الذى لم يُفتح بعد، آن لأصحابه أن يستفيدوا منه، وألا يسمحوا بأن يتم فتحه لدول الغرب الذين استنزفوا ثروات القارة على مدار قرون طويلة من الاستعمار الغاشم، وبعض الدول الآسيوية التى تمارس اليوم نوعاً آخر من الاستعمار يقوم على عنصر «المادة» وليس السلاح!
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع