«المستقبل ليس كما اعتاد أن يكون»، هذه حقيقة القرن الحادى والعشرين.
فالثروة الحقيقية لم تعد تلك التى نفهمها حسابياً، كالدولار والذهب والنفط، فهى وإن كانت ضرورة، إلا أنها فى العصر الحالى لا تحمى الدول بأن تظل على القمة، ولا ترسم طريقاً لمن يريدون الذهاب إليها.
ما الذى تغيَّر؟
العالم أصبح يتحدث لغة رقمية بامتياز فى جميع النواحى الاقتصادية والتجارية والمالية، فالتكنولوجيا لم تعد تلك الرفاهية التى فى أيدينا، لكنها أصبحت «السحر» الذى يتسابق الجميع للحصول على حصة منه، خاصة للدول التى تبحث عن أفكار متاحة للصعود فى سوق وصل فيها حجم الإنفاق على تقنية المعلومات عالمياً إلى 3.7 تريليون دولار فى عام 2018.
وبقراءة لبعض الأرقام، نرصد اختلاف الماضى عن الحاضر، حيث نلاحظ وجود شركة تكنولوجيا واحدة ضمن قائمة أقوى 10 شركات حول العالم فى عام 2006، بينما فى عام 2017 حلَّت 5 شركات ضمن القائمة: «جوجل، أبل، فيس بوك، أمازون، ومايكروسوفت».
وأمام هذه الحقيقة، لا يمكننا كدولة أن ندفن رؤوسنا فى الرمال، بل يجب أن نعيد التفكير فيما يحدث وفيما يمكن أن يحدث فى المستقبل، وأن نعيد ابتكار أنفسنا من جديد!.
القيادة السياسية قامت بشكل استثنائى وجرىء بإعادة تركيب المنظومة الاقتصادية عبر برنامجها الشامل للإصلاح الاقتصادى، وأعادت الثقة للقطاع الخاص فى مستقبل الدولة، بعد فترة صعبة فى حياة الدولة، فقدت فيها التماسك الوطنى، وخسرت خلالها كل الرهانات الممكنة.
لكنها فى اتجاه المستقبل وللاطمئنان على برنامجها نحو المستقبل، يجب أن تواصل العمل بنفس الروح والتمرد على المألوف، وأن تتمسك بقاعدة تقول: «يجب أن تكون عالمياً فى كل ما تفعله»، عبر التعلم من تجارب الابتكار والإبداع فيما حولنا، ووضع أسس نبدأ من خلالها اللحاق بركب التكنولوجيا والمشاركة فى صناعتها.
فليس مطلوباً أن نعيد اختراع العجلة، لكن يجب أيضاً ألا نُطرد من اللعبة للأبد!.
الواقع يقول إننا كدولة نمتلك العديد من المقومات التى تمكننا من الوجود بقوة فى هذا المجال بسرعة، وتحقيق ما يطلق عليه التقدم الاقتصادى الحديث، وإحداث طفرة نوعية فى أساليب العمل فى العديد من القطاعات الاقتصادية التى نراهن عليها للمستقبل، كقطاعات الصناعة والطاقة والبنوك والتجارة والسياحة، مما يعنى خلق فرص عمل نوعية، والمساهمة فى النمو الاقتصادى من خلال الابتكار.
ويتم ذلك من خلال الاستخدام الأمثل لقوة جيل من الشباب المصرى، الذى يمتلك من المهارة والقدرة التى تؤهله لبناء جيل جديد من الشركات التى تعمل على الابتكار والإبداع، وتقديم منتجات يكون العالم فى حاجة إليها، فى سوق عالمية لا يمكن أن تعاند نفسك فيها، وتتبنى سياسات اقتصادية تقوم على المنافسة بمنتجات تقليدية لا تعطى قيمة مضافة، سواء للاقتصاد أو المجتمع.
وهو الأمر الذى يحتاج إلى سياسات تعليمية واقتصادية تتواءم مع هذا التوجه وتنميته، وأيضاً إلى أجهزة حكومية تؤمن بأن بابها يجب أن يكون مفتوحاً دائماً، فالثروة الجديدة عنوانها «صناعة البيانات والذكاء الاصطناعى وإنترنت الأشياء والتحول الرقمى والبلوك تشين».
أيضاً نحن بحاجة إلى «المعرفة»، خاصة فى هذه الصناعة، التى لا يمكن أن تحدث بمستويات التعليم الحالية حتى ولو طوّرت المناهج، لأننا سننتظر طويلاً أو حتى مراكز الإبداع التقليدية، فالتطبيق العملى والمرور بالتجارب الناجحة والفاشلة هى ما تؤسس للتكنولوجيا والتطبيقات الحديثة، وبالتالى نحن بحاجة إلى استضافة مراكز أبحاث رئيسية ومراكز للتميز للعديد من شركات التكنولوجيا الموجودة بالفعل فى مصر، فمسألة وجودها فى مصر يجب أن تتعدى مجرد «البيزنس» والمسئولية الاجتماعية التقليدية.
ويكفى أن نعرف أن إسرائيل تستضيف معظم المراكز البحثية الرئيسية لشركات التكنولوجيا العالمية فى منطقة الشرق الأوسط، وهو ما ساعدها على خلق العديد من الشركات التقنية المحلية التى أصبحت تنافس عالمياً، حتى وصلت إلى أن تحصل على 20% من الاستثمار العالمى فى مجال الأمن السيبرانى الخاص بحماية الدول من الهجمات الإلكترونية.
بالتالى نحتاج فى عقودنا مع شركات التكنولوجيا العالمية الاشتراط عليها إنشاء مراكز للأبحاث، وتمويل البحث والتطوير فى المشروعات الريادية لشبابنا، ومضاعفة حضانات التكنولوجيا الموجودة عشرات المرات.
أمر آخر يعد من المقومات الرئيسية التى يمكن البناء عليها فى هذه الصناعة، وهو الموقع الجغرافى لمصر، ليس بالمعنى الأجوف أو بنمط الشعارات القديمة، ولكن بحقيقة تشير إلى أن مصر تتصدر قائمة الدول المستضيفة للنواقل والكابلات البحرية حول العالم، حيث يوجد بها 17 من أكبر الكابلات البحرية فى العالم، تربط الشرق بالغرب، وهى الكابلات المسئولة عن نقل البيانات عبر الإنترنت، ولدينا واحدة من أكبر الشركات فى هذا المجال المملوكة للدولة، وهى «المصرية للاتصالات»، والتى حققت مستويات نمو قياسية تدعو للفخر فى هذا الاستثمار.
وهو ما تتبناه الدولة حالياً بشكل نوعى، لاستضافة عدد من مراكز البيانات العملاقة العالمية خلال السنوات المقبلة، وأقر البرلمان مؤخراً قانونين لحماية البيانات، بهدف وضع إطار تشريعى يخدم خطة مصر فى وضعها على خريطة صناعة مراكز البيانات، وجارٍ الانتهاء من مشروع تكامل قواعد البيانات القومية تزامناً مع تنفيذ خطة للاستفادة من مزايا الشمول المالى للمواطن.
الإدارة المصرية، تحت قيادة الرئيس السيسى، مُلمة بشكل كبير بهذا التوجه المستقبلى، وقد وضح ذلك جلياً فى العديد من المبادرات التى أطلقها الرئيس فى فعاليات معرض القاهرة الدولى للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات «CAIRO ICT» فى العديد من دوراته، وآخرها الدورة 22 التى افتتحها الرئيس بالأمس، حيث تستهدف جميع المبادرات بناء الإنسان وتطوير قدراته بما يتواكب مع عالم اليوم.
نقلا عن الوطن القاهرية