ينطلق عام 2019 وسط متغيرات محلية ودولية شديدة الاختلاف عن مطلع العام الحالى 2018، فالاقتصاد المصرى شهد مزيداً من التحسن على صعيد مؤشراته الرئيسية المتعلقة بالنمو الاقتصادى ورصيد الاحتياطى النقدى ومعدلات البطالة والتوظيف، وحجم الصادرات للخارج. وذلك فى ظل انتظام تنفيذ المشروعات القومية التى أطلقتها الدولة والتزمت بها القيادة السياسية، وكذلك بالنسبة لتعزيز فرص الشركات الناشئة وتهيئة مناخ الاستثمار لاستقبال مشروعات ريادة الأعمال بعد التعديلات التشريعية الأخيرة.
أما على المستوى العالمى فاشتد الصراع الاقتصادى بين العملاقين؛ الولايات المتحدة الأمريكية، والصين الشعبية، بالإضافة لتعديل سياسات الاتحاد الأوروبى لحماية الصناعات الوطنية فى الدول التابعة له، وتطبيق المعاملة بالمثل على السلع الأمريكية الوافدة إليه. وهددت هذه السياسات الاقتصاد العالمى بمزيد من الانكماش خاصة فى ظل موجة الارتفاع شبه المستمرة لمعدلات الفائدة عالمياً بما يضع قيوداً على حركة الاستثمارات المباشرة سواء المحلية أو الدولية، بالإضافة إلى الاضطرابات التى شهدتها الأسواق الناشئة على مدار الفترة الماضية، وبالتحديد السوق التركية والسوق الأرجنتينية وغيرهما.
وتأتى كل هذه التطورات بالتزامن مع انطلاق الثورة الصناعية الرابعة التى انطلقت خلال عام 2018، وفقاً لتقرير صادر عن «منتدى دافوس العالمى»، الأمر الذى ينذر بتغيرات فى خريطة اقتصاديات العالم، وظهور «نمور جديدة» على غرار «النمور الآسيوية» التى ظهرت بشكل مفاجئ فى الربع الأخير من القرن العشرين.
هذه المتغيرات الداخلية والخارجية فرضت على المحللين نظرة «التفاؤل الحذر» بالنسبة لأداء الاقتصاد المصرى فى 2019، فهناك العديد من الفرص التى تبشر بتنامى المؤشرات الاقتصادية والإيجابية، ولكن هناك مؤشرات عالمية على ظهور أزمات جديدة خلال الفترة المقبلة ستنعكس على اقتصاديات العالم بشتى فئاتها، وبالتحديد الدول النامية التى لا تمتلك هياكل إنتاجية وتصديرية قوية.
وأتصور أنه رغم التحديات الكبيرة التى تقف أمام الاقتصاد المصرى فى العام الجديد، فإن هناك العديد من الفرص المتاحة والتى يجب العمل عليها بشكل مستمر، وفى تقديرى أن هناك 5 ملفات رئيسية لا بد أن تركز عليها الدولة خلال 2019 لخدمة الأهداف التنموية الطموحة التى تضمنتها الخطة الحكومية قصيرة المدى، والتى تمهد لانطلاقة كبرى للاقتصاد المصرى خلال العقد الثانى من الألفية الثالثة.
الملف الأول هو ملف تعميق الصناعة المحلية، حيث ما زالت المدخلات المستوردة تمثل نحو 40% فى المتوسط من المنتجات المحلية النهائية، على الرغم من امتلاكنا قدرات إمكانية لتخفيض هذه النسبة إلى ما دون 20%، ويمكن تحقيق ذلك من خلال ربط المشروعات الكبرى بالمشروعات الصناعية الصغيرة والمتوسطة، والتوسع فى إنشاء التجمعات الصناعية التى تركز على إنتاج المدخلات الصناعية المختلفة.
الملف الثانى يتعلق بالتركيز على سياحة المؤتمرات كركيزة أساسية لتنمية إيرادات القطاع السياحى فى مصر خلال العام الجديد، خاصة مع نجاح الدولة فى استقطاب العديد من المؤتمرات الدولية المهمة مثل «شباب العالم» و«أفريقيا 2018» و«التنوع البيولوجى»، وغيرها من المؤتمرات التى تحظى باهتمام ومشاركة واسعة لمختلف دول العالم، وتمثل إيرادات دبى من سياحة المؤتمرات والمعارض أكثر من 20% من إيراداتها السياحية الإجمالية، وكذلك الحال بالنسبة لجنوب أفريقيا، بينما تمتلك مصر إمكانيات مماثلة لهاتين الدولتين ولكن لم يحسن استغلالها بعد فى هذا المجال!
الملف الثالث يرتبط بتعميق التعاون مع الدول الأفريقية، باعتبار أن أفريقيا تمثل «ذهب العالم» فى القرن 21 وفقاً للتقارير الدولية المختلفة، وتركز كافة القوى العالمية على الوجود الموسع بها خلال الفترة المقبلة، بينما تمتلك مصر إمكانيات كبيرة لتعميق تعاونها مع القارة السمراء فى ضوء سياسات التكامل الأفريقى التى ينتهجها الاتحاد الأفريقى، تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى 2019. وتمثل مجالات صناعة وتصدير الأدوية والغذاء والمحاصيل الزراعية أبرز أدوات التعاون التى يمكن إعطاؤها أولوية فى هذا الملف.
الملف الرابع يتعلق بـ«تصدير العقار» حيث بلغ حجم سوق تصدير العقار عالمياً 200 مليار دولار فى 2017، وحصلت مصر على أقل من 0.1% منه على الرغم من امتلاكها قدرات كبيرة للفت أنظار العالم لشراء العقار فى مصر، أهمها الانخفاض النسبى الكبير فى أسعار الوحدات، وتوافر مزايا الإقامة الدائمة والمؤقتة الجيدة للأجانب.
الملف الخامس يرتبط بضرورة إعطاء دفعة قوية للصادرات المصرية، من خلال فتح أسواق جديدة واتباع سياسات تسويق متطورة، وانتظام صرف المساندة التصديرية من قبل الحكومة، خاصة فى ظل التحديات الكبيرة التى تشهدها حركة التجارة العالمية والتى تأثرت بانتشار السياسات الحمائية عالمياً، والصراع التجارى بين الصين والولايات المتحدة، وارتفاع أسعار النفط، بالتزامن مع قرارات «أوبك» بتخفيض الإنتاج.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع