بقلم: سلمان الدوسري
لطالما كان التعايش حلاً لكثير من القضايا الاجتماعية، واليوم أصبح هو الحل الأكثر ملاءمة للتعايش مع جائحة القرن: كورونا. لم يعد أمام الحكومات خيار لمواجهة الفيروس سواه بدلاً من الإغلاق الكامل والمخاطرة باستمرار شلل الحياة شهوراً أطول، فكان الانحياز عند أغلب دول العالم للخيار الأول، بعد أن ظهر إجماع بين العلماء البارزين والعديد من الحكومات على أنه من غير المحتمل أن يتم استئصال الفيروس نهائياً، رغم إجراءات الحجر الصحي التي تسببت في تعطيل الاقتصاد العالمي، وأنه لا يمكن استئصال الفيروس التاجي الجديد كليا من العالم، كما حدث مع فيروس سارس مثلاً، والأرجح أن يصبح فيروساً موسمياً يضطر العالم إلى التعايش معه بذكاء حتى يتمكن من الانتصار عليه قبل أن ينتصر هو عليهم. لكن لماذا كان الإغلاق الكامل وحظر التجول الكامل هما الحل، بينما اليوم نجد أنفسنا أمام سيناريو آخر غدا هو الحل: التعايش مع الفيروس الذي لا مفر من أن يصبح صديقاً للجميع؟ والحقيقة أن دول العالم أجمع لم يكن أمامها خيارات عدة عندما تفشى الوباء وداهمها حين غرة، فكان الخوف الأكبر هو انهيار الأنظمة الصحية وعدم قدرتها على مواكبة أعداد الإصابات المهولة المتوقعة، حينها لم يكن هناك سوى سيناريو وحيد تم اتخاذه، وهو الإغلاق الكامل، ومع مرور الوقت تمكنت الحكومات شيئا فشيئا من تعزيز أنظمتها الصحية من جهة، والتوسع بشكل كبير في الفحوص الطبية حتى يتم عزل المصابين عن بقية أفراد المجتمع من جهة أخرى، وهو ما يعني سرعة تقصي وعلاج الحالات المكتشفة بشكل عاجل، حيث أصبح لدى النظام الصحي القدرة على رصد أي بؤرة جديدة للإصابة للتعامل معها بشكل سريع، مع القدرة على استيعاب حالات الإصابة المتوقعة عند تخفيف القيود، وكذلك تحديد المجموعات الأكثر عرضة للخطر، وتكثيف التوعية بين هذه المجموعات للالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعي. ومع توجه العديد من الدول إلى التعايش مع كورونا، سيكون من المفزع ما إذا استهان الناس بقواعد ذلك التعايش، فبعد أن كانت الحكومات تقر تلك القواعد وتضبطها خلال فترة منع التجول، جاء الدور على الناس الذين بدورهم سيحددون تلك القواعد ويضعون ضوابطها وأيضاً مدى التزامهم بها من عدمها، وفي حال ظن هؤلاء أن الوباء قد ذهب إلى غير رجعة، فإن الكارثة قادمة لامحالة، ولن تكون موجة ثانية كما توصف، بل ستكون أقسى من الأولى بكثير، وقد تضطر الدول إلى العودة إلى الإغلاق من جديد لاحتواء تلك الموجة الكارثية متى ما حدثت.
مع عودة الحياة التدريجية لاشك أنَّ تأثيرات كورونا على كل من الصحة العامة والاقتصاد ستكون أكبر من كل التحليلات ولن يكون التعافي سريعاً في الغالب، ومع ذلك فليس أمام الشعوب والحكومات سوى القيام بأقصى ما يستطيعان فعله للحد من تفشي الفيروس والاستعداد للتحديات اللاحقة المرتقبة والتي لن تنتهي مع هذه العودة التدريجية، وكلما طال أمد انتشار الوباء، صعب التخلص من آثاره الاقتصادية والصحية.
لم يعد ممكنا أن تقرر الحكومات الاختيار بين الصحة العامة أو شلل الاقتصاد كما كان سابقاً، وإنما المعادلة الوحيدة الممكنة أضحت تتمثل في رفع مستوى استجابة وقدرات النظام الصحي إلى أقصى حد والتعايش الآمن مع الوباء للحفاظ على أرواح البشر ورفع وعي المجتمع والتزامه، وفي الوقت نفسه تخفيف الأضرار الاقتصادية المحتملة قدر الإمكان.