بقلم : سلمان الدوسري
بعد ستة أسابيع من إعادة انتخاب رجب طيب إردوغان رئيساً لبلاده، تشهد الليرة التركية انحداراً رهيباً لم يعرف مثيله الاقتصاد التركي، بعد انخفاضها أكثر من 40 في المائة منذ بداية العام، قبل أن تأتي القشة التي قصمت ظهر البعير بتطبيق العقوبات الأميركية، مع التذكير هنا بأن الرسوم الجمركية على الألمنيوم والحديد الصلب التركي، ليست كامل القصة في الأزمة التي تعصف بالاقتصاد التركي بل جزء منها.
لم يتأخر الساسة الأتراك في الرد، وعلى رأسهم إردوغان ورئيس وزرائه ووزير خارجيته، في توجيه أصابع الاتهام إلى وجود مؤامرة، وأن ذلك أفضى إلى هذه الحالة المزرية التي بلغها الاقتصاد التركي، الذي أساساً يكابد ديوناً خارجية عالية للغاية، وتضخماً مرتفعاً بشكل حاد بنحو 15 في المائة («ستاندرد أند بورز» توقعت أن التضخم سيصل إلى ذروته عند 22 في المائة على مدار الأشهر الأربعة المقبلة).
وبالطبع، فإن مبرر المؤامرة كان الأسهل تناولاً لدى سياسيي أنقرة، بدلاً من الاعتراف بما يحدث، كان من الصعب عليهم الإقرار بهشاشة الاقتصاد التركي الذي كان آخر ما يحتاج إليه في هذه المرحلة الحساسة، قرارات سياسية متهورة تصل بالبلاد إلى حافة الهاوية.
إردوغان الذي فاز منذ عام 2002 بخمسة انتخابات برلمانية، وثلاث دورات من الانتخابات المحلية، واثنين من الانتخابات الرئاسية بالاقتراع الشعبي واستفتاءين بين عامي 2002 وأوائل 2018، اعتمد في نجاحاته السابقة كلياً على التحسن الاقتصادي الكبير، الذي حققه في بلاده كبوابة لصعود نجمه على الساحة السياسية.
يتساقط خصومه وحلفاؤه داخل الحزب وخارجه إلا هو الوحيد الباقي، تارة رئيساً للوزراء وتارة زعيماً للحزب وتارة ثالثة رئيساً للبلاد. يتغير الطربوش والزعامة ثابتة. مَن أسهم في تحقيق النمو الاقتصادي وتحسين مستويات المعيشة، عندما دقّت الساعة، وأتت اللحظة التي ينتهي فيها شهر العسل لاقتصاد بلاده، رمى الكرة في ملعب الشماعة الشهيرة «المؤامرة»، متخلصاً من عبء الانكسار الاقتصادي على يدي الشخص نفسه الذي أسهم في صعودها، مع عدم إغفال أن اللغة الشعبوية تعجب الجماهير، وإلقاء اللوم على الغرب الإمبريالي تطرب له الآذان، لذلك ومع أن الأزمة الاقتصادية في تركيا غير مسبوقة، فإن خيارات الرد من السلطات النقدية والمالية شبه مشلولة، فلا أحد يريد مواجهة الأزمة بحلول اقتصادية ضرورية، مثل التقشف الاقتصادي أو رفع أسعار الفائدة أو كبح النمو الاقتصادي قليلاً.
بقي أن نشير إلى الصحوة القطرية ودعمها لتركيا في أزمتها هذه، بعد أن انتقدت بعض الصحف التركية الدوحة على «نكران الجميل»، والتزامها الصمت تجاه الأزمة الاقتصادية التي تعانيها تركيا، وعلى أثر ذلك، تحركت الدوحة بسرعة من أجل إنقاذ حليفتها، لكن الخبر السيئ هنا أن الـ15 مليار دولار التي وعدت باستثمارها لن تفعل إلا القليل، فما يحتاج إليه الاقتصاد التركي من دعم اقتصادي وبصورة عاجلة يُقدّر بنحو 150 مليار دولار، فإذا أضفنا أن الشركات التركية تعدّت ديونها 340 مليار دولار، فليس هناك دولة في العالم مهما كانت قوية وغنية، تستطيع أن تقدم مثل هذا الدعم المالي الهائل السريع، سوى صندوق النقد الدولي، وهو ما ترفضه أنقرة حتى الآن، لقناعتها وإصرارها على أن الأزمة ليس اقتصادية أبداً، وإنما مؤامرة سياسية.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع