بقلم : سلمان الدوسري
«لقد جرى تناول قضية خاشقجي لوقت طويل بالفعل. لقد تحدثنا عن هذه القضية وسنحفظها في الذاكرة بطبيعة الحال. ولكن لن نطيل هذه القضية إلى مائة عام قادمة»، من المنتدى الأشهر عالمياً «دافوس»، هكذا وصف أولي ماورر رئيس الاتحاد الفيدرالي السويسري نهاية القضية التي أشغلت العالم بشكل استثنائي وغير مسبوق. وكأنه كُتب على العالم الانشغال بقضية واحدة، بينما لديهم آلاف القضايا التي تهز استقرار الدول. يومياً يقتل الأطفال بالمئات. تستباح حرمات الأبرياء. تغتصب النساء. تغلق حكومات. تحدث الانقلابات. وتواصل دول إرهابها، ثم فجأة يُنسى كل هذا ولا يبقى في الذاكرة إلا قضية واحدة بعينها. بالطبع المفارقة العجيبة هنا ليس لأنه ليست هناك جريمة بشعة في مقتل خاشقجي، أو أن الجريمة ليست مستنكرة، بالعكس كل هذا متفق عليه من السعوديين قبل غيرهم، إنما لأنه تم استغلال القضية بطريقة مقيتة، فالتحقيقات جارية والمحاكمة السعودية للمتهمين تجري على قدم وساق، والنائب العام وجه التهم إلى 11 شخصاً من الموقوفين، وتقام الدعوى الجزائية بحقهم مع المطالبة بقتل من أمر وباشر الجريمة منهم، وبالتالي أصبحت القضية من الماضي، واجترارها وكأنها حدثت أمس فيه استغلال سياسي رخيص لم تشهده أي قضية أخرى في التاريخ الحديث.
الأمر الإيجابي هذه المرة أتى من منتدى دافوس، حيث كان واضحاً أن هناك من يسير نحو تجاوز قضية خاشقجي إلى حد كبير بإغلاقها ووضعها في حجمها الطبيعي، عندما أكد مسؤولون غربيون رغبتهم في تجاوز القضية ووضعها خلف ظهورهم ومواصلة إعادة العلاقات على طبيعتها، فبخلاف الرئيس السويسري، هناك باتريك بويان رئيس شركة النفط الفرنسية «توتال» الذي حث حضور مناسبة على هامش المنتدى على وضع سوء قضية مقتل خاشقجي وراء ظهورهم «دعونا نبدو أكثر إيجابية ونمضي قدماً»، فيما دلل محمد الجدعان وزير المالية السعودي على أن المستثمرين الدوليين استعادوا ثقتهم بالمملكة بالطلب على إصدار السندات السعودية بقيمة 7.5 مليار دولار عندما تجاوز العرض بشكل ملحوظ، مما يشير إلى أنه عملياً لم تعد هذه القضية تشغل بال العالم كما أريد لها، وأن الدول والحكومات والمستثمرين، وحتى الشعوب، انصرفت لمصالحها وقضايا أكثر أهمية بالنسبة لهم، حتى مع كل المحاولات التركية الحثيثة لإبقاء حملتها الإعلامية مستمرة، التي أصبحت بالفعل مسلسلاً تركياً مملاً من كثر حلقاته ومبالغاته وتجاوزاته، حتى المخرج نفسه لا يعرف ما هي النهاية المناسبة له.
لا جدال أن قضية جمال، رحمه الله، ليست أكثر من ورقة استخدمت للنيل من مشروع الدولة السعودية في التطور والتحديث، والجميل أنه رغم كل الحملة الشرسة المحمومة إلا أنها لم تفت في عضد المشروع نفسه، بل بالعكس أصبح أكثر قوة وحصانة وقدرة على المضي إلى النهاية السعيدة المنتظرة. صحيح أن الأمور لم تحدث بطريقة مثالية كما يتمناها الجميع، لكن في الوقت نفسه، فإن أي تحول له تحدياته الخاصة وعقباته التي يواجهها بالطريق، وليس معقولاً لبلد يبلغ عدد سكانه 30 مليوناً أن يكون محصوراً في قضية ما، مهما بلغت بشاعتها، في الوقت الذي يمضون لتحول كبير في بلادهم سيكون انعكاسه كبيراً على المنطقة والعالم.
المملكة تمضي قدماً في مشروعها، ورمت بأزمة خاشقجي، كما يفعل العالم أيضاً، خلف ظهرها، فلديها تحديات أكبر من أن تقف على أزمة وحيدة لها مسارها القانوني والقضائي، ومن المهم التأكيد أن السعوديين لن ينسوا كل من وقف معهم وكان موضوعياً وعقلانياً، وأيضاً لن ينسوا أولئك الذين جعلوا من القضية قميص عثمان. كل منهم له يومه سواءً لرد الجميل أو لرد الأذى.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع