بقلم: سلمان الدوسري
في سنتها الأولى كانت أزمة قطر تحسب بالشهور، ثم في سنتها الثانية حُسبت بالسنين، أما اليوم بعد ثلاث سنوات من المقاطعة، فحتى السنوات تمر ولا يلتفت أحد، بالطبع ما عدا الدولة المقاطعة التي تكبر أزمتها كلما طال أمدها. من أغلقت أجواؤه: قطر. من لا يملك حدودا برية: قطر. من يلف الدنيا بحثاً عن حلول: قطر. من يستميت للوساطة تلو الوساطة: قطر. من لا قصة له في إعلامه إلا خصومه: قطر. ومن تحالف مع أسوأ حليفين بالعالم، إيران وتركيا، أيضاً قطر. واليوم والأزمة القطرية تدخل عامها الرابع، غدت نسياً منسياً إلا من طرف وحيد يعاني أشد المعاناة من مقاطعة هدّت حيله وجعلته معزولاً عن محيطه، أما الدول الأربع فشعارها بسيط جداً: قاطعنا قطر... وكفى الله المؤمنين القتال.
تزعم الدوحة كل سنة وكل شهر وكل ساعة بأنها باتت أقوى مما كانت عليه قبل 5 يونيو (حزيران) 2017؛ حيث تعتمد استراتيجيتها الدبلوماسية والإعلامية على هذه السياسة، التي تروجها بشكل كبير داخلياً وخارجياً، وفي نفس الوقت تستميت بحثاً عن وساطات إقليمية ودولية لإعادة المياه لمجاريها، وفي هذا قمة التناقض والازدواجية، فمن أصبح أقوى بعد المقاطعة ما له وللعودة لـ«الضعف»، ومن «تمسك باستقلالية قراره السياسي في مواجهة فرض الوصاية عليه» كيف يسلم قراره لأنقرة وطهران تتلاعبان به كيفما تشاءان، ومن حافظ على «عدم الإملاء في السياسة الخارجية، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية»، كيف يقبل أن تصبح بلاده ساحة مشاعة للجنود الأتراك. الحقيقة المرة التي كشفتها المقاطعة الرباعية، وتعرفها الدوحة قبل غيرها، أن قطر كانت عزيزة بجيرانها مستقلة بقرارها، ثم أصبحت تحت الوصاية السياسية لحلفائها الجدد.
ما يحزن قطر ليس فقط العزلة التي تعيشها منذ ثلاث سنوات، وإنما عدم قدرتها على ممارسة سياساتها السابقة المعتمدة على استغلال علاقاتها الخاصة مع جيرانها، في دعم التنظيمات والجماعات الإرهابية ومساعيها الرامية إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وأن ذلك الدور رغم استمراره إلى حد ما، إلا أنه فقد القطعة الذهبية التي اعتمد عليها النظام القطري، وهي العلاقات المتميزة التي كانت تجمع الدوحة بالرياض وأبوظبي والقاهرة والمنامة، فلا هي التي تستطيع العودة كدولة طبيعية لها ما لجيرانها وعليها ما عليهم، ولا هي القادرة على التأقلم مع وضعها الجديد كدولة معزولة يتحكم فيها التركي والفارسي، إنها العقيدة القطرية المتطرفة التي جعلتها في مأزق كبير يتضخم كلما استمرت عزلتها، ولعل في ظهور تسجيلات جديدة لأميرها السابق ورئيس وزرائها دليلا جديدا على العدوانية التي مارسها النظام في الدوحة سنين طوالاً، فقرار المقاطعة يثبت يوماً بعد الآخر أنه لم يكن صحيحاً فحسب وإنما تأخر أيضاً، باعتباره نتيجة طبيعية لتاريخ طويل من المؤامرات والتدخلات القطرية، التي استهدفت زعزعة أمن جيرانها واستقرارهم ودعم أعدائهم، ونشر الفوضى والتخريب، بل بلغت محاولة قلب نظام الحكم الشرعي في البحرين، فأي مكاسب جمة أتت بعد إغلاق رياح الشر القادمة من النظام القطري؟!
ثلاث سنوات من عمر المقاطعة الرباعية لقطر، مرت على السعودية ومصر والإمارات والبحرين كما هي في حساب السنين، بينما مرت على الدوحة وكأنها ثلاثون عاماً.
مكابرة قطر لم تنفعها وإنما كالبت عليها الخسائر السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي نفسها من تؤكد أوجاعها وخسائرها بولعها بالوساطات، فخلال 1096 يوماً من عمر أزمتها تتصدر أجندتها قضية واحدة فقط لا غير: العودة من العزلة، فمن يفعل كل هذا طوال 36 شهراً هل بات أقوى؟!