توقيت القاهرة المحلي 13:33:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الدرس السعودي... ما بعد «كورونا»

  مصر اليوم -

الدرس السعودي ما بعد «كورونا»

بقلم: سلمان الدوسري

مع بدء السعودية أمس المرحلة الأولى من حملة التطعيم بلقاح فيروس «كورونا المستجد»، ابتدأت الانفراجة الحقيقية لأزمة الوباء في المملكة، بعد ما يقارب 11 شهراً من معاناة عالمية غير مسبوقة، لم تحدث منذ الحرب العالمية الثانية، روعت البشرية وخنقت اقتصادات العالم، وفعلت ما لم تفعله حتى الحروب، وإذا كانت السعودية سجلت نفسها من أوائل الدول في العالم التي تمنح مواطنيها والمقيمين فيها اللقاح مجاناً، فإنها ستكون أيضاً من أوائل الدول التي تبدأ بالتخلص من هذه الجائحة، فيما لا تزال دول كثيرة متقدمة تعاني الأمرّين للسيطرة على انتشار الوباء بين سكانها قبل المضي في حملة التطعيم. سعت المملكة في استراتيجيتها لمكافحة فيروس «كورونا المستجد» (كوفيد 19) لأن تجري في إطار نهج قائم على حقوق الإنسان، ضمن مسارين متوازيين يتمثلان في مكافحة الوباء والحد من انتشاره من جهة، ومعالجة الآثار المترتبة عليه أو على التدابير الاحترازية المتخذة للحد من انتشاره على حقوق الإنسان من جهة أخرى.
الدرس السعودي الذي لا يستطيع أحد إلا النظر إليه بإعجاب، هو إعادة تعريف مفهوم حقوق الإنسان، بعيداً عن التعريفات الغربية النمطية التي يفترض أن تؤمن بها الشعوب وكأنها كلام منزل، فهذا المفهوم تعرض للتشويه طويلاً وحُصر في حقوق الإنسان السياسية وحدها، ثم نكتشف أن حقوق الإنسان في المحافظة على حياته وقت الأزمات والكوارث تقبع في آخر الصفحة، لذلك من الطبيعي أن مفهوم الدولة المستقرة وحماية مواطنيها من الأخطار المحدقة التي تتعرض لها، بعد «كورونا»، سيعاد تعريفه بطريقة تختلف كلياً عن المفاهيم السائدة، التي أثبتت أنها غير مثالية لكي يتم اعتبارها نموذجاً، ولو درسنا بموضوعية كيفية تعاطي دول غربية متقدمة مع الجائحة، لكانت النتيجة أنها فشلت فشلاً ذريعاً، ومرد ذلك أنها حصرت مفهوم حقوق الإنسان والحقوق الأساسية لمواطنيها في زاوية ضيقة، فلما أتت الجائحة ظهر أن هناك من الحقوق والاحتياجات ما هو أهم بكثير تم التغافل عنه، ألم تتعرض تلك الدول التي نظرت كثيراً في مفاهيم حقوق الإنسان إلى انكسارات عميقة في نظامها الاجتماعي، بسبب طريقة تعاملها مع «كورونا» منذ اليوم الأول، وهي التي لا تزال في دوامة الخروج من الجائحة؟ ومع ذلك فإن الطريق لا يزال طويلاً على دول متقدمة، بينما دول أخرى، مثل المملكة، كان ينظر إليها على أنها أقل قدرة على حماية حقوق الإنسان، ها هي تقدم نفسها نموذجاً دولياً رائداً، بعد نجاح تجربتها في حمايتها لحقوق الإنسان الحقيقية.
درس «كورونا» لفت أنظار العالم على حقيقة أن السعودية، وهي هنا لا تزعم أن تجربتها مثالية ولا مكتملة ولا متفوقة، ولا تدعي أن هذه التجربة يجب أن تكون نموذجاً للآخرين، باعتبار أن لكل دولة تجربتها الخاصة التي تناسب طبيعتها السياسية والاجتماعية، استطاعت في كل مرة أن تثبت، بفضل نظامها السياسي والاجتماعي، قدرتها على تجاوز أقسى العواصف وأسوأ الكوارث بأقل الأضرار، بعد أن تمكنت من ترسيخ مفهوم الدولة وقوة مؤسساتها وتكاتف شعبها مع النظام السياسي، ويمكن للعالم بأسره اليوم التفريق بين مَن تمكن مِن الحفاظ على حقوق الإنسان الحقيقية والأساسية، مهما كانت كلفته الاقتصادية، وبين من اهتز تعريفه لهذا المفهوم بشكل صادم، والسبب أن هناك من اختلطت عليه الأولويات، وفوق ذلك أراد أن يصدرها للعالم على أنها مقدسة وواجبة التنفيذ.
مرارة السعوديين الطويلة ومعاناتهم من مساعي فرض تعريفات مفاهيم حقوق الإنسان وفق المفاهيم الغربية، كلفتهم كثيراً وهم يستميتون لإثبات أنه ليس كل مفهوم غربي يناسب مجتمعهم، وأن ما يناسبهم ربما لا يناسب غيرهم، واليوم من حقهم أن يقطفوا ثمرة صبرهم وإصرارهم على مبادئهم ومواقفهم.
صحيح أن الضريبة كانت عالية في الوقوف أمام مد من محاولات فرض الوصاية لتطبيق مفاهيم بعينها، لكن النتيجة تستحق أن يقف السعوديون بإعجاب لبلادهم وأفعالهم تسبق أقوالهم، وأن مفاهيمهم لحقوق الإنسان تفوقت على من كانوا ينظرّون عليهم، فإن لم تحمِ هذه المفاهيم حق الإنسان في الحياة وحمايته من الكوارث والأزمات، فما فائدتها؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدرس السعودي ما بعد «كورونا» الدرس السعودي ما بعد «كورونا»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 13:18 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
  مصر اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon