توقيت القاهرة المحلي 10:14:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«اليوم التالي» في السودان

  مصر اليوم -

«اليوم التالي» في السودان

بقلم : سلمان الدوسري

من النادر أن تنجح عمليات تغيير الأنظمة السياسية إذا تمت بصورة سريعة ودراماتيكية، أما إذا كانت هذه الأنظمة عسكرية، وحكمت لعقود، فإن نتائج التغيير تكون مكلفة جداً وباهظة الثمن. تاريخياً، وخصوصاً في الدول العربية، ولنا في «الربيع العربي» أسوأ مثال، فإن التغيير غالباً ما يكون للأسوأ وليس للأفضل، بسبب غياب التنظيمات السياسية ومكونات المجتمع المدني القادرة على تعويض الفراغ الناجم عن إسقاط الأنظمة التي تستمر طويلاً مستأثرة بالحكم، إلا أن ما يشهده السودان بعد نحو أسبوع من عزل الرئيس السابق عمر البشير وتولي المجلس الانتقالي سدة الحكم، دون إراقة دماء أو اشتباكات مسلحة، يجري بعكس تلك القاعدة تماماً، ويثبت أن الشعب السوداني حتى الآن نجح في حراكه بإسقاطه البشير بأقل الأضرار وأكبر المكاسب، حتى أن صدى التغيير في المؤسسة العسكرية مخالف لطبيعة العسكر، فالجيش حتى هذه اللحظة متجاوب للغاية مع مطالب المحتجين، والمجلس العسكري الانتقالي طلب من القوى السياسية تقديم شخصية قومية متفق عليها لرئاسة الحكومة المدنية خلال الفترة الانتقالية، وهي مفاجأة لم يتوقعها أكثر المتفائلين بعدم استئثار العسكر على الحكومة، وقبل ذلك تنازل رئيس المجلس عوض بن عوف بعد يوم من تنصيبه عن رئاسة المجلس، كما صدرت سلسلة من القرارات القوية شملت إعفاء مسؤولين كبار من مناصبهم في القضاء والجيش والأجهزة الإعلامية تجاوباً مع مطالب الشارع والمعارضة.
يحسب للمجلس الانتقالي قدرته حتى الآن، وخلال أسبوع فقط من عزل البشير، على حشد تأييد ودعم دول عربية كبرى، مكنه من تحييد المواقف الدولية بشكل إيجابي، وعدم خروج مواقف دولية صدامية تنعكس على ثقة الشعب السوداني في المجلس الذي يحكمهم، وهو ما سيساعد على قدرة المجلس الانتقالي من فرض نفسه كنظام قادر على إدارة المرحلة المؤقتة حتى تسليم السلطة بالكامل للحكومة المدنية المنتخبة، فالمراحل الانتقالية المماثلة التي حدثت فيها تحولات سياسية كبرى شهدت خلافات وتوترات حتى اضطرابات، وهذا الأمر من الطبيعي أن نشهده في السودان، كما شهدته دول أخرى حدثت فيها مثل هذه التغييرات نفسها، ومع ذلك فإن رياح التغيير السودانية من الواضح أنها مختلفة تماماً عن غيرها. من يدري ربما تقع المفاجأة مرة أخرى بعد 34 سنة من حدوثها، وتتكرر تجربة المشير سوار الذهب عام 1985 عندما فعلها ونقل السلطة سلمياً، وتنازل عن الحكم طواعية.
لا يمكن بطبيعة الحال القول إن السودان استطاع أن يعبر المرحلة الانتقالية الحرجة، وفي الوقت نفسه فإن تعاظم الثقة بين المجلس الانتقالي من جهة، وبين الشارع من جهة أخرى، وحده الضامن لخروج السودانيين من أزمتهم بأقل الخسائر. الخوف الحقيقي من غياب استراتيجية «اليوم التالي» من قبل المعارضة، التي كما يبدو لم تتوقع سقوط النظام بهذه السهولة، فلم يستعدوا جيداً لمرحلة «اليوم التالي» لسودان من دون البشير، وغاب توافقها على تشكيل حكومة مدنية تتولى تسيير الفترة الانتقالية وانتخاب البرلمان وإعادة هيكلة المحكمة الدستورية، كما أن الاعتصام لا يزال متواصلاً أمام مقر قيادة الجيش، وهي معضلة لن تكون من مصلحة السودان إذا ما استمر طويلاً، ولذلك تبقى المخاوف قائمة في ظل كثير من الخلافات وعدم التوافق الذي كان حاضراً في رؤية القوى السياسية لترتيبات المرحلة الانتقالية، مع عدم إغفال أن الحراك الشعبي الذي شارك في الاحتجاجات واسع ومتنوع ومكون من جميع الأطياف والنقابات المهنية والأحزاب السياسية، وهم إن استطاعوا توحيد أهدافهم حتى تم عزل البشير، إلا أن ضبابية مرحلة «اليوم التالي» لا يمكن إنكارها. وفي ظل غيابها فإن الفجوة تزداد بين تحقيق مطالب المحتجين من قبل المجلس الانتقالي، وسقف المطالب المستمر في الارتفاع تدريجياً لدى المعارضة، فالتحولات الكبرى تستحق بعض التنازلات الصغيرة من أجل مستقبل أفضل.

 

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع   

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«اليوم التالي» في السودان «اليوم التالي» في السودان



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon