توقيت القاهرة المحلي 10:50:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«اليوم التالي» في السودان

  مصر اليوم -

«اليوم التالي» في السودان

بقلم : سلمان الدوسري

من النادر أن تنجح عمليات تغيير الأنظمة السياسية إذا تمت بصورة سريعة ودراماتيكية، أما إذا كانت هذه الأنظمة عسكرية، وحكمت لعقود، فإن نتائج التغيير تكون مكلفة جداً وباهظة الثمن. تاريخياً، وخصوصاً في الدول العربية، ولنا في «الربيع العربي» أسوأ مثال، فإن التغيير غالباً ما يكون للأسوأ وليس للأفضل، بسبب غياب التنظيمات السياسية ومكونات المجتمع المدني القادرة على تعويض الفراغ الناجم عن إسقاط الأنظمة التي تستمر طويلاً مستأثرة بالحكم، إلا أن ما يشهده السودان بعد نحو أسبوع من عزل الرئيس السابق عمر البشير وتولي المجلس الانتقالي سدة الحكم، دون إراقة دماء أو اشتباكات مسلحة، يجري بعكس تلك القاعدة تماماً، ويثبت أن الشعب السوداني حتى الآن نجح في حراكه بإسقاطه البشير بأقل الأضرار وأكبر المكاسب، حتى أن صدى التغيير في المؤسسة العسكرية مخالف لطبيعة العسكر، فالجيش حتى هذه اللحظة متجاوب للغاية مع مطالب المحتجين، والمجلس العسكري الانتقالي طلب من القوى السياسية تقديم شخصية قومية متفق عليها لرئاسة الحكومة المدنية خلال الفترة الانتقالية، وهي مفاجأة لم يتوقعها أكثر المتفائلين بعدم استئثار العسكر على الحكومة، وقبل ذلك تنازل رئيس المجلس عوض بن عوف بعد يوم من تنصيبه عن رئاسة المجلس، كما صدرت سلسلة من القرارات القوية شملت إعفاء مسؤولين كبار من مناصبهم في القضاء والجيش والأجهزة الإعلامية تجاوباً مع مطالب الشارع والمعارضة.
يحسب للمجلس الانتقالي قدرته حتى الآن، وخلال أسبوع فقط من عزل البشير، على حشد تأييد ودعم دول عربية كبرى، مكنه من تحييد المواقف الدولية بشكل إيجابي، وعدم خروج مواقف دولية صدامية تنعكس على ثقة الشعب السوداني في المجلس الذي يحكمهم، وهو ما سيساعد على قدرة المجلس الانتقالي من فرض نفسه كنظام قادر على إدارة المرحلة المؤقتة حتى تسليم السلطة بالكامل للحكومة المدنية المنتخبة، فالمراحل الانتقالية المماثلة التي حدثت فيها تحولات سياسية كبرى شهدت خلافات وتوترات حتى اضطرابات، وهذا الأمر من الطبيعي أن نشهده في السودان، كما شهدته دول أخرى حدثت فيها مثل هذه التغييرات نفسها، ومع ذلك فإن رياح التغيير السودانية من الواضح أنها مختلفة تماماً عن غيرها. من يدري ربما تقع المفاجأة مرة أخرى بعد 34 سنة من حدوثها، وتتكرر تجربة المشير سوار الذهب عام 1985 عندما فعلها ونقل السلطة سلمياً، وتنازل عن الحكم طواعية.
لا يمكن بطبيعة الحال القول إن السودان استطاع أن يعبر المرحلة الانتقالية الحرجة، وفي الوقت نفسه فإن تعاظم الثقة بين المجلس الانتقالي من جهة، وبين الشارع من جهة أخرى، وحده الضامن لخروج السودانيين من أزمتهم بأقل الخسائر. الخوف الحقيقي من غياب استراتيجية «اليوم التالي» من قبل المعارضة، التي كما يبدو لم تتوقع سقوط النظام بهذه السهولة، فلم يستعدوا جيداً لمرحلة «اليوم التالي» لسودان من دون البشير، وغاب توافقها على تشكيل حكومة مدنية تتولى تسيير الفترة الانتقالية وانتخاب البرلمان وإعادة هيكلة المحكمة الدستورية، كما أن الاعتصام لا يزال متواصلاً أمام مقر قيادة الجيش، وهي معضلة لن تكون من مصلحة السودان إذا ما استمر طويلاً، ولذلك تبقى المخاوف قائمة في ظل كثير من الخلافات وعدم التوافق الذي كان حاضراً في رؤية القوى السياسية لترتيبات المرحلة الانتقالية، مع عدم إغفال أن الحراك الشعبي الذي شارك في الاحتجاجات واسع ومتنوع ومكون من جميع الأطياف والنقابات المهنية والأحزاب السياسية، وهم إن استطاعوا توحيد أهدافهم حتى تم عزل البشير، إلا أن ضبابية مرحلة «اليوم التالي» لا يمكن إنكارها. وفي ظل غيابها فإن الفجوة تزداد بين تحقيق مطالب المحتجين من قبل المجلس الانتقالي، وسقف المطالب المستمر في الارتفاع تدريجياً لدى المعارضة، فالتحولات الكبرى تستحق بعض التنازلات الصغيرة من أجل مستقبل أفضل.

 

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع   

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«اليوم التالي» في السودان «اليوم التالي» في السودان



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان
  مصر اليوم - غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon