توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل انهارت أسعار النفط؟

  مصر اليوم -

هل انهارت أسعار النفط

بقلم: سلمان الدوسري

كُتب على جيلنا أن يشهد أحداثاً تاريخية لم يتوقعها بشر، فلم يفق العالم بعد من أزمة «كورونا» في انتشارها وآثارها وسلوكيات الناس التي تغيرت بالكامل بسببها، حتى عاجلهم النفط بأسعار تاريخية، فات الأجيال الماضية حضور إثارتها، بعد أن هوت الأسعار لتهبط دون حاجز الصفر، فلأول مرة في التاريخ يشهد النفط حلقة ما يسمى بالأسعار السلبية، إثر تسجيل سعر بعض العقود 37- دولاراً، حتى أصبحت السفن البحرية تجوب المحيطات ملأى ببراميل النفط ولم تتحرك منذ أيام.
اليوم فقط تذكَّر العالم أن الفوضى التي تعصف بأسواق النفط العالمية، سببها - أولاً وقبل كل شيء - تراجع الطلب على النفط الخام عالمياً، بعد أن شُلَّت حركة إنتاج السلع والخدمات والصناعات في جميع أنحاء العالم، وكذلك تدابير العزل، كل هذا أدى لانخفاض الطلب بنسبة 30 في المائة في غضون أسابيع قليلة، فمئات الملايين من البشر لا يذهبون لأعمالهم، وعشرات الآلاف من المصانع توقفت عن الإنتاج، والناس أصبحت لا تنتقل بالسيارات إلا نادراً، والسفر بالطائرة في حده الأدنى، والقطارات شبه متوقفة، فهل بعد هذا كله فعلاً انهارت أسعار النفط، وأصبح الذهب الأسود شيئاً من الماضي؟!
لا يحتاج المراقب لعصا سحرية لكي يعرِّف ما يحدث في أسواق النفط العالمية بالفوضى النابعة من أزمة «كورونا»، لا انهياراً لأسعار سلعة لا يمكن للعالم أن يحيا من دونها. وليس من التنجيم القول إن انخفاض أسعار النفط سيكون لفترة قصيرة، مرتبطة بالسيطرة على فيروس «كورونا». صحيح أنه لا يمكن لأحد أن يتنبأ بموعد السيطرة المنتظر، وصحيح أيضاً أن التشغيل التدريجي للاقتصاد العالمي سيساهم في استمرار وفرة المعروض وتراجع الطلب، إلا أن كل ذلك مسألة وقت وإنْ طال الزمان.
في تقديري، هناك أربعة أسباب رئيسية تجعل النفط يواصل مكانته كذهب أسود، ولا يتحول إلى فضة أو صفيح كما يتوقع البعض، ويتمنى البعض الآخر: أول هذه الأسباب أن الأسعار المنخفضة ستشجع الاستهلاك الكبير، وترفع الطلب بشكل قوي، وهي معادلة تدرَّس في مبادئ الاقتصاد، ولا تحتاج معجزة لحصولها. السبب الثاني أن أي حقل نفط في العالم له احتياطيات مقدرة، وينخفض إنتاجه تدريجياً، وهو ما يجعل البترول في دائرة السلع الناضبة مع مرور الوقت. أما ثالث الأسباب: فلأول مرة منذ 30 عاماً يقوم رئيس أميركي بدعم ارتفاع أسعار النفط، والهدف هو تغير وضع أميركا من مستهلك يدفع بأسعار نفط منخفضة إلى منتج أدت به هذه الصناعة لخلق فرص عمل بالملايين، وبالتأكيد لن يكون من السهل تعويضها، في حين أن رابع الأسباب يشير إلى أنه في ظل انخفاض الأسعار فإن الحكومات والشركات النفطية ستحجم عن الاستثمار في الحقول الجديدة، وأيضاً في توسعة - وربما حتى في صيانة - مشروعاتها الحالية، فمَن ذلك الذي سيستثمر في قطاعٍ أسعاره لا تحقق الأرباح المرجوة؟ وهو ما سيؤدي لخروج منتجين كثر من المصدِّرين الحاليين الذين يساهمون مع الآخرين في تحقيق توازن السوق النفطية.
بقي أن نشير إلى أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم: هل ستتضرر بشدة كما يقال وأسعار البترول تتدحرج بهذه الطريقة؟ الحقيقة أن السعودية ستعاني بالطبع كما تعاني بقية الدول المصدرة؛ لكن علينا عدم إغفال الاحتياطيات الكبيرة للعملة الأجنبية التي تملكها المملكة، إضافة إلى النسبة المنخفضة للدَّيْن العام إلى الناتج الإجمالي (25 في المائة)، كما أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي يستغل الأزمة الحالية أفضل استغلال، مع اقتناص الصندوق لفرص استثمارية بأسعار زهيدة، في خضم موجة من تراجع أسعار الأصول حول العالم. كل هذا يجعل السعودية تقف على أرضٍ صلبة في صمودها أمام تدهور الأسعار وتراجعها إلى مستويات قياسية، وهي وإن كانت تتحمل أسعار نفط حتى وإن راوحت العشرين دولاراً لسنوات؛ فلنتذكر أن مع هذا السعر لن يكون هناك أدنى أمل في تلبية الطلب العالمي للنفط في المستقبل القريب.
هناك حقائق ثابتة لا يمكن أن تلغيها فجأة توترات تعصف بالاقتصاد العالمي، وليس فقط بالسوق النفطية.
في النهاية: من يتوقع استمرار صدمة انهيار الأسعار إلى ما لا نهاية، يتغافل أنه متى ما طال الوضع الحالي فسيواجه العالم صدمة نفطية أخرى، ولكن في الاتجاه المعاكس تماماً، عندما ترتفع الأسعار إلى حدود غير متوقعة خلال سنوات قليلة، وهو أمر لا يتحمله العالم، كما لا يتحمل أن تبقى الأسعار في وضعها الحالي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل انهارت أسعار النفط هل انهارت أسعار النفط



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon