توقيت القاهرة المحلي 21:39:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مفاهيم «واشنطن بوست» على السعودية!

  مصر اليوم -

مفاهيم «واشنطن بوست» على السعودية

بقلم : سلمان الدوسري

بداية.. الأزمة السعودية الكندية في أساسها لم تكن أبداً عن موضوعات تتعلق بقضايا «حقوق الإنسان»، بقدر ما هي فرضت على السعودية بسبب التدخل الكندي في الشؤون الداخلية للمملكة بغض النظر عن الموضوع ذاته. 

هذه هي القصة باختصار. دولة تدخلت بشكل سافر في شؤون دولة أخرى، ولم تكتفِ بذلك، بل إمعاناً في الاستفزاز، قامت سفارتها في الرياض بنشر موقفها ذاك في تغريدة من حسابها وباللغة العربية، أي إن السفارة التي ينبغي أن تكون خط الدفاع الأول في أي خلافات بين بلدين، تعمّدت إشعال الأزمة بصورة ضارة لمصالح البلدين، ثم تأتي صحيفة رصينة مثل «واشنطن بوست» لتنسى كل ذلك، وتنشر افتتاحية باللغة العربية للمرة الأولى تتغافل فيها عن أسباب الأزمة تماماً، وتنحاز إلى وجهة النظر الكندية بشكل فظيع، وكل هذا ربما أمر نتفهّمه باعتبارها وجهة نظر الصحيفة التي من حقها أن تعبر عن آراء محرريها كما تشاء، إلا أن المثير حقاً هو محاولة فرض مفاهيم غربية، لم تتفق عليها حتى دول الغرب نفسها، ومطالبتها المملكة بتطبيقها بحذافيرها! نعم هكذا تريد الصحيفة الليبرالية الكبرى، أن تفرض ثقافة وقيماً مختلفة تماماً على دول تبعد عن مجتمعها آلاف الأميال، لتصل إلى نتيجة غريبة جداً بأن الفهم الكندي لمسألة حقوق الإنسان والحريات الأساسية «هو الشيء الصحيح». 

وتضيف الصحيفة في منطق عجيب أن تلك المفاهيم الغربية «هي مفاهيم كونية متفق عليها»، دون أن تشرح من قال إنه متفق عليها! ومن أعطى أي دولة الحق في أن تفرض ثقافتها على دول أخرى! أما الطامة الكبرى فهي تأكيد الصحيفة العريقة أن القضايا السعودية الداخلية «هي مسائل يجب أن تكون ضمن الاهتمامات المشروعة لكل الديمقراطيات والمجتمعات الحرة»!

للأسف فإن مثل هذه الدعوات غير العقلانية، كما في افتتاحية الصحيفة الأميركية، أفضل هدية تقدم للمتطرفين الذين يروّجون لفكرة سطحية قائمة على أن الغرب يتدخل ويتآمر لتطبيق مفاهيمه على دول المنطقة، ومع التأكيد أن هناك مفاهيم عالمية عامة لحقوق الإنسان من الضروري الالتزام بها، إلا أنه ينبغي في الوقت نفسه مراعاة تنوع القيم والثقافات بوصفها عاملاً مهماً لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، ولنا في عقوبة الإعدام أكبر دليل، فهناك اختلاف على تطبيقها في دول الغرب نفسه، ومن بين البلدان الصناعية هناك أربعة بلدان تطبق عقوبة الإعدام: الولايات المتحدة الأميركية، اليابان، سنغافورة، تايوان، بل داخل الولايات المتحدة نفسها، هناك 32 ولاية وحكومة اتحادية تقر العقوبة وتعمل بها، بينما بقية الولايات لا تطبقها وتعتبرها انتهاكاً لحقوق الإنسان، فإذا كانت دولة واحدة لم تتفق على مفهوم واحد بشأن حقوق الإنسان، فكيف يمكن لـ«واشنطن بوست» أن تعتبر مفاهيم بعينها «كونية ومتفقاً عليها»، وتريد تطبيق تلك المفاهيم وكأنها كلام سماوي؟!

السعودية تتعاون مع أجهزة وآليات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان تعاوناً فاعلاً، وتواصل جهودها كعضو في مجلس حقوق الإنسان، وتصحح أخطاءها مع مرور الوقت كجزء أساسي من مشروعها الإصلاحي الذي ثبتت نتائجه على الأرض بأفعال قامت بها الحكومة السعودية، وفي نفس الوقت لا يمكن القول إن المعنى الشامل لحقوق الإنسان قد استتب في عالم اليوم، ومن الاستحالة أن يكون هناك اتفاق تام على هذا المعنى وتطبيقه مع اختلاف ثقافات العالم، في ظل انتهاكات لشعوب كاملة ما زالت مهضومة ومنتهكة. غني عن القول أن قيم كندا هي قيم تخضع للهجوم حالياً على الساحة العالمية، فدول مثل إيطاليا والنمسا قد انتخبت سياسيين يتبنون أفكاراً شبيهة بأفكار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التي لا تتوافق أبداً مع توجهات الحكومة الكندية المتقدمة جداً في ليبراليتها، فهل من المنطق أن تفرض الحكومة الكندية أفكارها على تلك الدول وشعوبها؟!

تعليقاً على الأزمة بين كندا والسعودية كتب الكاتب أندرو ماكدوغال في مجلة «ماكلينز» الكندية: «السؤال المطروح الآن على كندا: ما الذي يمكن أن نفعله حيال ذلك؟ قد لا يعجبنا ذلك، لكن الإجابة قد تكون أن نخفِف لهجتنا في الخارج ونبقي الحماس متَقداً في الداخل»، هذه المعادلة الصريحة والعقلانية التي تتوافق مع مفاهيم العلاقات الدولية وعدم انتهاك سيادة الدول، اعمل ما تشاء في بلدك، وطبق المفاهيم التي تراها تناسبك وتناسب مواطنيك، واترك عنك اعتبار قيمك وثقافتك هي الأعلى وما غيرها الأدنى. ليت هذه الرسالة تصل أيضاً إلى «واشنطن بوست» وتحاول فهمها على الأقل، وعدم فرض المفاهيم التي تتبناها على دول العالم.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفاهيم «واشنطن بوست» على السعودية مفاهيم «واشنطن بوست» على السعودية



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon