توقيت القاهرة المحلي 07:39:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عُمان بعد قابوس

  مصر اليوم -

عُمان بعد قابوس

بقلم: سلمان الدوسري

من أصعب ما تواجهه الدول الملكية ارتباطها برجل واحد يقودها لعقود طويلة، فهو من جهة يثبّت أركان الدولة ويسهم في استقرارها ويعزز أمنها، ومن جهة ثانية يصعب عليها الخروج من عباءته، وكثير من الدول تهتز إثر رحيله بعد أن تكون الدولة ووزاراتها ومؤسساتها التصقت بقائد كان له الدور الأبرز في نجاحها وتميزها، لذلك كانت الأنظار مسلطة على عُمان في الآونة الأخيرة، فسلطانها يمر بفترة مرضية حرجة، قبل أن يتوفاه الله يوم أمس، حتى إن البعض رأى أن السلطنة ربما تواجه مصيراً غامضاً في مرحلة ما بعد قابوس، وكعادة المشككين فإنهم يذهبون للاحتمالات الصغيرة ويغفلون الحقائق الكبيرة، لكن العُمانيين بددوا كل تلك الشكوك والتكهنات، وأثبتوا أن إرث سلطانهم الراحل لم يكن بناء دولة فقط، ولا المحافظة على استقرارها وسط بحر متلاطم الأمواج، إنما رسم خريطة طريق مفصلة لمواصلة الاستقرار، فالسلطنة وإنْ رحل السلطان فهي تحافظ على هدوئها ومكانتها وقوتها بغض النظر عمن يحكمها.
ولا بد هنا من استذكار مرحلة مرض السلطان قابوس التي استمرت سنوات، تلقى خلالها العلاج داخل بلاده وخارجها، فلم يشعر أحد بأي فراغ دستوري في السلطنة، رغم عدم وجود ولي للعهد للبلاد، ويكمن سر ذلك في رسوخ دولة المؤسسات التي أثبتت عملياً قدرتها على تحقيق المعادلة الصعبة؛ استمرار الاستقرار حتى وإنْ كان السلطان لا يدير تلك المؤسسات فعلياً، وفي تقديري أن تلك المرحلة كانت مرحلة شديدة الصعوبة ومع ذلك لم يلحظها أحد، لا خارجياً ولا داخلياً، فدولة اعتمدت على سلطان يقود مؤسساتها لما يقارب نصف القرن، ثم يغيب فجأة عن متابعة وإدارة شؤونها، ومع ذلك تسير عجلة السلطنة كما هي بدقة ولم يتغير شيء إطلاقاً، يمكن القول إن تلك عملية نادرة في عالم اليوم.
ولعل أصعب اختبار نجحت فيه السلطنة بامتياز، وفي وقت سريع جداً لم يتجاوز الساعات؛ عملية انتقال الحكم السلسة التي تمت بناء على وصية الراحل قابوس، حيث لم يكن السلطان الجديد هيثم بن طارق اختيار السلطان السابق فحسب، وإنما أيضاً نال موافقة الأسرة الحاكمة العمانية، وهو إجماع قليل أن تراه في دولة أخرى لو لم يكن لديها المقومات الأساسية لدولة مؤسسات حقيقية، كما أن عملية الاختيار جرت وفقاً للدستور العُماني الذي يحدد بدقة الآلية التي يتم عن طريقها اختيار سلطان البلاد بعد شغور المنصب، وأذكر أنني في لقاء سابق سألت يوسف بن علوي بن عبد الله، وزير الدولة للشؤون الخارجية العماني، أنه رغم وجود اطمئنان في السلطنة، هناك بعض من القلق في المنطقة على مرحلة ما بعد السلطان، إلا أنه أجابني بنفي وجود قلق في بلاده على ذلك، وأن الكل مقتنع بأن السلطان «كما بنى هذه البلاد بما هي عليه الآن، فإنه أيضاً حريص على مستقبلها بالمعايير نفسها. وبالتالي في النظام الأساسي (أقر عام 1996) هناك روح في مسألة الخليفة أو من سيأتي بعده... ونادراً ما يحدث فراغ، وهنا الأسرة تاريخها يقول إن 260 سنة أو أكثر لم تكن فيها مسألة نيابة ولي العهد»، واليوم يحق للعُمانيين، حتى وهم في غاية الحزن لرحيل قائدهم، أن يفخروا بقوة نظامهم السياسي الذي لم يتعرض للفراغ إطلاقاً، وفوق ذلك رسخ دولة المؤسسات التي أسسها وبناها قابوس بن سعيد. هذا هو الإنجاز الحقيقي الذي تتمناه كل دولة.
عندما تكون لديك هذه المنظومة المستقرة فأنت تضمن ألا تتعرض الدولة للاهتزاز.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عُمان بعد قابوس عُمان بعد قابوس



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon