توقيت القاهرة المحلي 12:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عُمان بعد قابوس

  مصر اليوم -

عُمان بعد قابوس

بقلم: سلمان الدوسري

من أصعب ما تواجهه الدول الملكية ارتباطها برجل واحد يقودها لعقود طويلة، فهو من جهة يثبّت أركان الدولة ويسهم في استقرارها ويعزز أمنها، ومن جهة ثانية يصعب عليها الخروج من عباءته، وكثير من الدول تهتز إثر رحيله بعد أن تكون الدولة ووزاراتها ومؤسساتها التصقت بقائد كان له الدور الأبرز في نجاحها وتميزها، لذلك كانت الأنظار مسلطة على عُمان في الآونة الأخيرة، فسلطانها يمر بفترة مرضية حرجة، قبل أن يتوفاه الله يوم أمس، حتى إن البعض رأى أن السلطنة ربما تواجه مصيراً غامضاً في مرحلة ما بعد قابوس، وكعادة المشككين فإنهم يذهبون للاحتمالات الصغيرة ويغفلون الحقائق الكبيرة، لكن العُمانيين بددوا كل تلك الشكوك والتكهنات، وأثبتوا أن إرث سلطانهم الراحل لم يكن بناء دولة فقط، ولا المحافظة على استقرارها وسط بحر متلاطم الأمواج، إنما رسم خريطة طريق مفصلة لمواصلة الاستقرار، فالسلطنة وإنْ رحل السلطان فهي تحافظ على هدوئها ومكانتها وقوتها بغض النظر عمن يحكمها.
ولا بد هنا من استذكار مرحلة مرض السلطان قابوس التي استمرت سنوات، تلقى خلالها العلاج داخل بلاده وخارجها، فلم يشعر أحد بأي فراغ دستوري في السلطنة، رغم عدم وجود ولي للعهد للبلاد، ويكمن سر ذلك في رسوخ دولة المؤسسات التي أثبتت عملياً قدرتها على تحقيق المعادلة الصعبة؛ استمرار الاستقرار حتى وإنْ كان السلطان لا يدير تلك المؤسسات فعلياً، وفي تقديري أن تلك المرحلة كانت مرحلة شديدة الصعوبة ومع ذلك لم يلحظها أحد، لا خارجياً ولا داخلياً، فدولة اعتمدت على سلطان يقود مؤسساتها لما يقارب نصف القرن، ثم يغيب فجأة عن متابعة وإدارة شؤونها، ومع ذلك تسير عجلة السلطنة كما هي بدقة ولم يتغير شيء إطلاقاً، يمكن القول إن تلك عملية نادرة في عالم اليوم.
ولعل أصعب اختبار نجحت فيه السلطنة بامتياز، وفي وقت سريع جداً لم يتجاوز الساعات؛ عملية انتقال الحكم السلسة التي تمت بناء على وصية الراحل قابوس، حيث لم يكن السلطان الجديد هيثم بن طارق اختيار السلطان السابق فحسب، وإنما أيضاً نال موافقة الأسرة الحاكمة العمانية، وهو إجماع قليل أن تراه في دولة أخرى لو لم يكن لديها المقومات الأساسية لدولة مؤسسات حقيقية، كما أن عملية الاختيار جرت وفقاً للدستور العُماني الذي يحدد بدقة الآلية التي يتم عن طريقها اختيار سلطان البلاد بعد شغور المنصب، وأذكر أنني في لقاء سابق سألت يوسف بن علوي بن عبد الله، وزير الدولة للشؤون الخارجية العماني، أنه رغم وجود اطمئنان في السلطنة، هناك بعض من القلق في المنطقة على مرحلة ما بعد السلطان، إلا أنه أجابني بنفي وجود قلق في بلاده على ذلك، وأن الكل مقتنع بأن السلطان «كما بنى هذه البلاد بما هي عليه الآن، فإنه أيضاً حريص على مستقبلها بالمعايير نفسها. وبالتالي في النظام الأساسي (أقر عام 1996) هناك روح في مسألة الخليفة أو من سيأتي بعده... ونادراً ما يحدث فراغ، وهنا الأسرة تاريخها يقول إن 260 سنة أو أكثر لم تكن فيها مسألة نيابة ولي العهد»، واليوم يحق للعُمانيين، حتى وهم في غاية الحزن لرحيل قائدهم، أن يفخروا بقوة نظامهم السياسي الذي لم يتعرض للفراغ إطلاقاً، وفوق ذلك رسخ دولة المؤسسات التي أسسها وبناها قابوس بن سعيد. هذا هو الإنجاز الحقيقي الذي تتمناه كل دولة.
عندما تكون لديك هذه المنظومة المستقرة فأنت تضمن ألا تتعرض الدولة للاهتزاز.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عُمان بعد قابوس عُمان بعد قابوس



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon