بقلم: سلمان الدوسري
لعقود طويلة ظل حسن نصر الله الحاكم بأمره في لبنان. يأمر فيطاع. يقرر الحرب كما السلم. لا نظام يردعه، ولا دولة تمنعه. إن أراد أن يورط بلاده فعلها، فلا يتجرأ أحد على معارضته، وإن حرَّكته إيران نفّذ تكتيكاتها، لم يراعِ إن كان ذلك لصالح لبنان أو لضرره. يشارك إيران إرهابها فيعاقب اللبنانيين اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. يضع نفسه طرفاً في الأزمة السورية فتعاني الدولة بأكملها. وعلى ذلك استمر نصر الله الآمر الناهي، ليس فقط باعتماده على سلاح أقوى من سلاح الدولة، وإنما بإرهاب كل مناوئيه فلا يستطيع أحد أن يرفع صوته، أو يسجل معارضته، أليس الخصوم الذين عاقبهم الحزب بالاغتيالات حاضرين في ذاكرة الجميع؟! فيتصرف الحزب بمعزل عن الدولة كعادته في قضايا سيادية، ثم يكون الرد صاعقاً وفوق طاقة لبنان، وبالطبع لا يهم «حزب الله» وأعوانه أي نتائج كارثية، المهم أنه حقق مراده بهذا التصعيد حتى ولو تحول لحرب شاملة.
هذه المرة، إثر مناوشات إسرائيل و«حزب الله»، فوجئ «حزب الله»، وعلى رأسه نصر الله، بأن المعادلة تغيرت للمرة الأولى، و«إرهاب الخصوم» انتهى مفعوله شيئاً فشيئاً، والوعي اللبناني، كما العربي قبله، من كذبة «المقاومة الإسلامية»، اختلف كثيراً عمَّا كان عليه بعد مغامرة الحزب في 2006، فبدأت الأصوات اللبنانية تخرج في وجه من اختطف بلادهم ويريد تغييبها، ها هو سمير جعجع يدعو من اللحظة الأولى إلى عدم «تضييع البوصلة»، من خلال دعوة الحكومة إلى «مناقشة موضوع وجود القرار الاستراتيجي العسكري والأمني خارج الدولة»، أما فؤاد السنيورة فقال إنه عندما يتحدث «حزب الله» بأنه يمتلك زمام الأمور بالرد العسكري على أي انتهاك إسرائيلي لسيادة لبنان، «فإنه يبدو كأنه مسؤول عن لبنان في ظل تغييب كامل لدور الدولة اللبنانية»، فيما حذَّر سامي الجميل من مغبة أن الحزب «أصبح هو الدولة وجمهوريتنا هي الدويلة وليس العكس»، معتبراً أن «ما نشهده اليوم مهين ومعيب بحق الشعب اللبناني». صحيح أن هذه الأصوات ظهرت بينما غيرها آثَرَ الصمت والخفوت، لكن لنتذكر أن مثل هذا الطرح كان حتى وقت قريب يوصَم بالخيانة، والشعبوية كانت هي السائدة أما العقلانية فغائبة، فمسألة أن يأتي من يرفع صوته في وجه «سلاح حزب الله»، فمعناه أن أفعال الحزب أصبحت تحت المجهر، ومرفوضة من مكونات لبنانية ولم تعد شيكاً على بياض، فحتى مع التسليم بأن الجميع ضد الضربات الإسرائيلية، على أي جزء من لبنان، وليس مناطق نفوذ «حزب الله» فقط، فإن المصلحة تثبت كل مرة أنه لا يجوز أبداً أن يتصرف أي مكون بالنيابة عن الدولة اللبنانية، بما يمكن أن يورطها مجدّداً في «مغامرات غير محسوبة» لا أحد يعلم كيف يمكن أن تنتهي كما حصل في 2006.
لم يعد ممكناً أن يبقى قرار الحرب والسلم في يد «حزب الله» يناور به، ويستخدمه حسبما تمليه استراتيجية طهران بالمنطقة، فيما الحكومة اللبنانية تبقى كل مرة في موقع المتلقي من دون تحملها كل المسؤوليات التي أولها وأبرزها، هل من صالح الشعب اللبناني مثل هذه المناوشات والمعارك العبثية أم أنها تصبُّ في صالح الحزب وحده؟! فالصوت اللبناني الجهور وإن كان غائباً بفعل «إرهاب الخصوم» الذي يجيده الحزب، فإن دائرة الرفض ماضية في الاتساع بأن لبنان لم يعد أصغر من «حزب الله». لبنان يستحق أن يعود دولة لها سيادتها، دولة صاحبة الصلاحية الوحيدة في حماية مواطنيها ومصالحهم كافة، وليس ثورة تركب على ظهر الدولة حيث لم يجنِ منها اللبنانيون سوى الخراب والدمار.