بقلم - د. جبريل العبيدي
ينبغي أن يعي الليبيون أن هذا التنظيم الشرس تنظيم الإخوان المسلمين... ذا الأنياب والمخالب المهلكة لا يريد بالليبيين ولا ببقية العرب خيراً، إنما يريد أن يرهن بلدانهم لثقافة مدمرة لا عهد لهم بها. وما عايشه الليبيون خلال سبع سنوات من خبث هذا التنظيم وقلبه للحقائق وتفريخه للإرهاب، سيكون تنويراً كافياً لكل الليبيين من أنهم لن يعطوا أصواتهم للإخوان المسلمين مهما كان الأمر.
لذا فإنه لا أمل لتنظيم البنا وقطب في أصوات الناخبين الليبيين بعد أن افتضح مشروعهم الخارجي، ومجاهرة قياداتهم بمناصرة تنظيمات وجماعات إرهابية مثل «أنصار الشريعة» و«مجلس شورى بنغازي» و«سرايا القاعدة» وغيرها، وإنكارهم وجود «داعش»، والتستر على جرائمها، ضمن سياسة تبادل الأدوار التي ينتهجها ويتفنن فيها التنظيم، حيث مصلحة التنظيم أن يقوم فريق من رجاله ببعض الأعمال التي يصفها بـ«الجهادية»، ثم ينكرها طرف منهم، وهو منهج باطني تفننت فيه «جماعة الإخوان».
فالتنظيم في ليبيا رغم قدم تاريخ جذور وجوده في هذه البلاد، إذ يعود ذلك إلى خمسينات القرن الماضي، إلا أن انتشاره بقي ضئيلاً ومحدوداً ومحصوراً، لعدم تقبل الليبيين له، ثم انضوى تحت جناح المعارضة الليبية بعد عام 1969 في المنفى، التي قبلت به تكملة عدد ليس إلا، ولكنه سرعان ما انقلب عليها وسقط كأوراق الخريف وتحالف مع القذافي الابن في مشروع «ليبيا الغد» عام 2006، وسعى إلى توريث سيف الإسلام القذافي، وتغلغل التنظيم رغم المعارضة الشديدة لحرس القذافي ورجال الخيمة، لكنه سرعان ما تنكر لمشروع القذافي الابن الإصلاحي، وانقلب عليه في 2011.
التنظيم صاحب التاريخ الطويل في مظاهر التلون كالحرباء والتقية، والسلوك البرغماتي، شعاره «التقية منهجي ومنهج آبائي»، لم يحصد التنظيم ولا مرشحوه أي نصر انتخابي في ليبيا، سوى ذلك الرقم الذي تحصل عليه عام 2012 في انتخابات المؤتمر الوطني (البرلمان عقب انتهاء مدة المجلس الانتقالي)، ولم يحقق له الأغلبية، التي تحصل عليها عبر الخداع والمخادعة والتضليل من خلال المرشحين تحت عباءة «المستقلين»، الذين سرعان ما قفز بعضهم في سفينة التنظيم، بل إن أحدهم أصبح رئيساً لكتلة التنظيم، مما يعتبر خديعة صريحة لناخبيه، وهو الذي أعلن لهم أنه مرشح «مستقل»، ليجدوه تحت قبة المجلس رئيساً لجماعة تنتمي لتنظيم دولي عابر للحدود، مجاهراً بالقول: «تنظيم الإخوان المسلمين تاج على رأسي»، واصفاً معارضيه بأنهم مجرد «خردة بشرية».
الليبيون سبق لهم أن أسقطوا التنظيم في انتخابات 2014، حيث لم يتحصل عناصر التنظيم سوى على أقل من 5 في المائة من الأصوات رغم التحشيد والتضليل بالظهور بشخصيات غير معروفة الولاء للتنظيم، مما دفعهم حينها إلى إطلاق عملية عسكرية لإجهاض العملية الديمقراطية بمجرد خسارتهم الانتخابات، وأنكروا نتائج الصندوق.
الخداع والتضليل اللذان يمارسهما التنظيم العابر للحدود، لن ينطليا على الليبيين في الانتخابات المقبلة، فقد فهموا الدرس، وتمعنوا فيه، بعد أن اكتوى الليبيون بنيران التنظيم وسياسته التي لم تمنعه من تسليم البلاد لتنظيم داعش وسكاكين أفراده التي أشعلوها في رقاب الليبيين في مدن ليبيا من بنغازي إلى درنة وسرت وصبراته وبراك الشاطئ، قبل أن يحررها الجيش الليبي من براثن التنظيم وشقيقاته.
فتنظيم «الإخوان» يحدث بما لا يعتقد، ويظهر خلاف ما يبطنه، مشروعه ليس وطنياً، بل إنهم سيسعون لتخريب ليبيا، ويفسدون حياة الليبيين، ومنهجهم الوسطى، في حال «انتخابهم»؛ الأمر بعيد الاحتمال، فالتنظيم المبتدع دينياً، والمفلس سياسياً، والمتنكر لجغرافيا البلاد وطنياً، والمنكر لهوية البلاد العربية والمعادي للقومية العربية، لن يأتي بخير لليبيين لو تمكن من التسلل والعودة للمشهد والسيطرة والحكم. واتخاذ ليبيا مركزاً آخر لهم لبث الفوضى في البلدان العربية.
معرفة التنظيم بخسارته المسبقة جعلته يسعى لإفساد أي استحقاق انتخابي قادم، لمعرفته بأنه لا أمل له في أي صوت انتخابي يذكر قد يحقق له أثراً سياسياً.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع